صفحات الناس

الدراما السورية الحقيقية

null
درويش محمى
ًايام شامية، الخوالي، نهاية رجل شجاع، فنجان دم، ليل ورجال، ليس سراباً، بقعة ضوء, الحوت, باب المقام الحلبي, وباب الحارة الشامي
, الى اخره من المسلسلات السورية الناجحة, تثبت تقدم الدراما السورية على شقيقاتها في سوق الدراما التلفزيونية العربية, الرمضانية منها وغير الرمضانية, لكن ماذا عن الدراما السورية الحقيقية ? دراما الانسان السوري اليومية ومعاناته مع لقمة الخبز !
في مشهد درامي سوري حقيقي واقعي لا تمثيلي مؤثر, جرت احداثه في احدى المدن السورية, وابطاله اناس من لحم ودم, يقرر السيد المواطن السوري الصالح “ع .م” ايقاف احدى سيارات الاجرة, ويطلب من سائقها ايصاله الى اقرب مخبز, وخلال دقائق معدودة تتحقق رغبته وتنفذ, لكنه يبقى جالساً في سيارة الاجرة لا يحرك ساكناً, ويطلب من السائق ان يشتري بضعة”ربطات”من الخبز, ومن ثم توصيله الى داره, فيفعل السائق ما يقال له على الفور, ويقل الرجل وربطات خبزه الى العنوان المطلوب, لكن السيد “ع .م” يظل جالساً في سيارة الاجرة لا يفارقها, ويلح على السائق توصيل ربطات الخبز هذه المرة الى باب منزله, ينفذ السائق رغبة زبونه بعد تردد, وبطرقة واحدة على الباب, يخرج كل من في المنزل من اطفال صغار, لينقضوا على ربطات الخبز ويلتهموها عن بكرة ابيها, يعود بعدها سائق التاكسي الى سيارته مذهولا من هول الحدث, والسيد “ع .م” لايزال جالساً في مكانه, ليقول للسائق بخجل وهدوء” يا اخي لا تواخذني ماعندي مصاري الله وكيلك, ماعندي لا حق الخبز ولا حق التكسي” .
في مشهد اخر من الدراما السورية الحقيقية, يصل رب العائلة والمواطن السوري السيد “ج. د” بعد عناء طويل الى شباك الفرن الالي, يطلب من الفران بضعة ربطات من الخبز, وبمجرد حصوله عليها يترك السيد “ج. د” العنان لقدميه هارباً من دفع ثمن ربطات الخبز, فيلحق به الجميع, الفران وعمال الفرن, وزبائن الفرن, وكل من تواجد في المكان لحظة وقوع الجريمة, ويقبض على السيد “ج. د” بالجرم المشهود, بعد بضع دقائق وازقة عدة, ليعترف الاخير وهو يبكي بحرقة, ان لديه اطفالا عدة في البيت يتضرعون جوعا, وهو عاطل عن العمل ولا يملك اي نقود, فيشفق الجميع على الرجل ويدفع احدهم ثمن ربطات الخبز .
الدراما التلفزيونية السورية لا شك انها ناجحة جداً, والا لما انتشرت كل هذا الانتشار, لكنها للاسف لا تعكس حقيقة الواقع السوري, ولا يمكن مقارنتها بدراما المواطن السوري اليومية مع الفقر والعوز وفقدان الحريات, وظلم السلطات واجهزة المخابرات, ويبقى الفارق بين الدراما التلفزيونية السورية ودراما الانسان السوري, وهو فارق شاسع وواسع, فالاولى تنتهي عادة بانتصار الخير على الشر, والحب على الكراهية, وتحقيق الامال والاماني والطموحات, اما الاخيرة فالبطل فيها عاجز لا حول له ولا قوة, وتنتهي غالباً بكلمتين لا ثالث لهما”الله كبير”.
*كاتب كردي سوري
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى