التفاوض السوري الإسرائيليفاضل الخطيب

الكُحل والعمى.. بين الوَرَم الثوريّ والحَوَل الفكريّ..!

null

د. فاضل الخطيب
بعد زيارة السادات للقدس, وانتصاب واخضرار قضيب الصمود والتصدي, ردّ الرجل “المؤمن” قائلاً:

هم مش زعلانين عاشان رحت إسرائيل.. هم زعلانين عاشان سبقتهم..!

قال الكبير الماغوط “خذوا انتصارات تشرين, واتركوا لي هزيمة حزيران”..

شكراً للجولان, لقد ضحيت بنفسك من أجل إنقاذ وطنية وتقدمية النظام, وشكراً اسكندرون فقد ضحيت بأوراق ملكيتك من أجل دفع فاتورة أولمرت وإبن عثمان..

الحمد لله اللي ما هي أعظم!

إذا تجنبنا الحديث عن العاهرات لسبب أدبي ـ أخلاقي هذا لا يعني أنه لا يوجد عاهرين وعاهرات!

إذا تجنبنا الحديث عن ملاحظات لقوى وطنية معارضة على اعتبار المحافظة على عدم نشر كل الغسيل هذا لا يعني أن صابوننا جيد!

إذا تجنبنا .. من المفروض الاغتسال ـ على الأقل قبل الصلاة ـ!.

نكثر من التجامل ونخلطه مع النفاق, نمارس العهر والدعارة ولا نسمح لأنفسنا استخدام تعبيرها, على اعتبار أن ذلك لا يليق وغير أخلاقي! وعلى اعتبار المنطقة كلها تشكل صالوناً للثقافة والأدب..!

حاورت الإله بطريقة قد يحاسبني هو عليها, فما كان من البعض إلا أن دفع آخر قسط من ثمن بطاقة دخوله جنته وذلك بدق آخر مسمار في خشبة صلبي ومشنقتي, وصار هو الإله الذي إليه ترجعون!

استعملت تعبير شرموطة وحذفت منه بعض الحروف كي لا أؤذي عيون الأخلاقيين المثاليين ـ وما أكثرهم ـ وتغنيت وهزجت لبيضات الحاكم فما كان من بعض المواقع الصحفية إلا أن امتنعت عن نشره ـ ليس لأن الحاكم مخصياً!

عبّرت عن موقف تضامني مع الكرد فما كان من بعض العرب الأقحاح إلا أن شكك بأصولي الانتربولوجية ـ وكأنها تهمني كثيراً ـ!

تضامنت مع مسيحيي المشرق العربي, وقدمت حججاً تنفعنا نحن العرب إن حافظنا على هذا الدين وهذه القوميات, فما كان من البعض إلا أن أشار بالتخوين والعمالة للغرب الصليبي!

انتقدت فساد وقمع واستبداد النظام السوري فما كان من بعض مسؤوليه الصغار وزلمه إلا أن وافق على كل شيء طرحته أو كتبته بشرط أن أستثني الأسرة الحاكمة المالكة في سورية!

انتقدت “الشيوعيون” ودفاعهم المستميت عن أنظمة الممانعة من الأسد حتى الزرقاوي ونصر الله ومشعل و… فقالوا أنني صرت تحريفي تروتسكي!

انتقدت الحصرم في سلوك ومواقف بعض زعماء المعارضة فقالوا: اقلبوا الصفحة!

والحقيقة أنني أردت أن أعبر عن رأيي وعن شخصي, أردت أن أكون “أنا” بلا تجميل ولا تزويق, أردت أن أكون صادقاً مع نفسي قبل غيري.. صار البعض يخاف مكالمتي في أوربا خوفاً من أمن سورية!

ومازلت أؤمن أن الانتقاد هو البرهان على أنك قمت بشيء يستحق الاهتمام!

ومازلت أقرأ في كل موقع”الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع”!!

يقول مثل مجري “من أجل صديقك الجديد لا تبيع صديقك القديم”. أردت المحافظة على الإثنين, لكن ذلك صعباً, ولست باكياً على ذلك!

كانت المرحومة والدتي تقول “الوحدة ولا رفقة الحزا”, وهذا يعني باللغة الفصحى “أن تكون وحيداً خيرأ من أن تصادق الخراء”..

يريد البعض أن نبقى نجتر نفس المعاني والجمل, ونعيد في كل مناسبة نفس الحجج, ونطرح نفس المشاكل.

بعض كتّاب المعارضة أو المهتمة بالشأن العام السوري تكتب لبعضها (لنفسها), وأحياناً بلغة قد لا تكون سهلة للمواطن العادي, أن نقنع بعضنا بنفس الأفكار التي نؤمن فيها كلنا.

يعتقد البعض وعلى أساس صبياني أن النظام السوري سيسقط بهذه السهولة وضمن هذا الجو المعارض “الغير صحيّ”!, ويعتقد البعض أن أمريكا وفرنسا وبعض الدول العربية وغيرها ستسقط النظام محبة بفلان أو دفاعاً عن حقوق الإنسان!.

وفي هذا الجو الذي يعيش فيه المقاوم مع البلطجي مع المستبد مع الثوري.. يعيش فيه الكحل مع العمى.. السبع مع الخروف.. المعارض مع المساوم…, في هذا الظرف يقوم باحثٌ بإجراء اختبارات على برغوث سوري نطّاط وكثير الحركة, وبعد قطع رجله الأولى يصرخ الباحث بالبرغوث “اقفز!”مما يدفع البرغوث للقفز, ثم يقطع الرجل الثانية ويصرخ فيه ويعاود القفز.. وبعد أن يقطع رجل البرغوث الأخيرة يصرخ الباحث “اقفز!”لكن البرغوث لا يتحرك, ويستنتج الباحث ” يفقد البرغوث حاسة السمع بعد قطع أرجله”!

ورغم أنني ما زلت أقفز قليلاً, لكن سمعي يزداد نقصاناً.. أقول هذا لأحد الأصدقاء الذي لم يسمع مني رأياً برغوثياً في هذا المختبر العثماني.. وقد يفتح اردوغان جرابه وصندوقه السحري ويفرش عباءته أمام سعداء الحظ..!

وقد تكون الرسالة التالية فيها بعض الكحل والذي يستخدم عند العميان وفاقدي السمع واللسان, من أنطاكية حتى الجولان…

والدي ـ والدتي الأحبة:

منذ عدة شهور وأنا هنا في الجامعة, تأخرت عليكم بالكتابة لذا المعذرة منكم على هذا التقصير!

والآن قبل أن تقرأوا رسالتي هذه أطلب منكم أن تجلسوا, وأن تقرأوها وأنتم جالسون.. وهلق بعد ما قعدتوا بقول لكم:

أنا كويسة, فيه شوية رضة بالجمجمة بعدما ضربني الشباك بشكل قوي عندما حاولت خلعه بعدما شبّ حريق في كلية السكن وحرق الغرفة, لكن الجروح صارت أفضل بكثير. منذ أسبوعين خرجت من المستشفى والآن أتماثل للشفاء, ويمكن القول أنني بدأت أستعيد نظري أي أنني صرت أرى الكثير من الأشياء وراح أضطر لاستعمال نظارات طبية, وما عاد فيه غير شوية وجع بالرأس, الأسبوع القادم بيفكوا قطب الجرح بجبهتي, وانشالله بعد أقل من شهرين بترك المشي على العكازات.. وشعري رجع يطلع يعني ما راح صير صلعة ـ

الله ستر وكان قبال الكلية عند محطة البنزين شاب واقف على الفرن من أجل شراء الخبز وشاف الحريق ورأساً اتصل بالإطفاء والإسعاف, وبعدين زارني بالمستشفى الأول والثاني, ولكونه احترق مبنى السكن ما عاد فيه مكان أنام فيه, وكان هذا الولد مهذب ودعاني للنوم عنده, والآن أسكن معه في شقته, والحقيقة إنو شاب كويس وبسرعة حبينا بعضنا وقررنا الزواج, لكننا لم نحدد موعد الزواج بعد, بالتأكيد سندعوكم عليه وانشالله قبل ما يكبر بطني كثير..

أهلي الأعزاء:

أنا حامل, أعرف أنكم تريدون حفيداً لتدليعه واللعب معه وتربيته, وأعرف أنكم ستستقبلونه وتطمرونه بالرعاية والمحبة..

والحقيقة السكوت على موعد الزواج سببه أن صديقي مريض وهذا يمنع اختلاطه بالناس لأن مرضه معدي.. ولأنه قبل الزواج يجب تحليل الدم, لذا ذهبنا سوية لفحص الدم وتبين أنني أحمل نفس المرض, وقد حملته منه لكننا نتماثل للشفاء..

أعرف أنكم ستستقبلوننا في الأسرة بأيادي مفتوحة ومحبة وقلوب عامرة.. صديقي كويس, صحيح أنه غير متعلم وما بيعرف ولا مصلحة لكن عنده طموحٌ كبير..

وأنا بعرف أنكم لستم عنصريون ولا طائفيون, وهذا يعني أنه لن يزعجكم إذا كان من طائفة أخرى أو لونه أسود شوية, أنا متأكدة أنكم ستحبونه كما تحبوني أنا, وكما سمعت أن أسرته ميسورة ـ أبوه ذو مكانة في تهريب السلاح في قرية مستكحلة بأفريقيا…

والدي ـ والدتي:

هلق بعد ما عرفتو كل شيء عني أريد أن أقول لكم بصراحة أنه لم يكن هناك حريق في مبنى السكن, وما عندي رضة بالمخ وما كنت في المستشفى ولست حامل, وما أنا مخطوبة لأحد وما عندي سيفيليس, ولا عندي صديق أسود أفريقي….

لكن رسبت في امتحان التاريخ.. وربما أسقط في مادة الفلسفة..

والدتي الغالية إنتي كنت تقولي دائماً “الكحل أهون من العمى”.. “اللي بتعرفه أحسن من اللي بتتعرف عليه”..

………………………

وعلى ذكر الكحل والفحل, وأردوغان والجولان, يقال أن إبن عثمان يريد إقامة حديقة عالمية ومشروع لا مثيل له في العالم في منطقة اسكندرون, وطلب مساعدات من كل دول العالم, وجاءته من كل حدب وصوب باستثناء سورية, وعلى هامش تكحيلة عيون أولمرت بكحلة الأسد قام الرئيس أردوغان وسجل ملاحظة عتب على سورية على عدم مساعدتها لبناء حديقة السلام في اسكندرون, فما كان من أسدنا ـ وهو يملك أوراق لعب وضغط ـ إلا قال له “نحن قدمنا الحاكورة (الأرض) والعمار عليكم”!!

جارك القريب ولا خيّك البعيد!!

يلعن أبو الفلسفة والتاريخ.. وسنة من سنة قريبة!!..

بودابست, 2 / 5 / 2008, .

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى