صفحات الناس

لاذقية العرب للعرب

null
معن عاقل
قبل أقل من شهر : كان التحقيق المعنون بـ لاذقية العرب للعرب للزميل المعتقل معن عاقل مرشح لنيل جائزة التحقيق الصحفي في المسابقة التي يقيمها اتحاد الصحفيين السوريين ،ولكنها سحبت، كما سحب صاحبها ، حيث يتم تكريمه الآن على أكمل وجه ، وهذا نص التحقيق :
في عام 1990 خططت وزارة السياحة مع وكالة أوتام اليابانية ليصبح عدد الأسرة 840 ألف سرير عام 2000، بغض النظر عن درجة الفنادق التي تحتوي الأسرة, لكن العدد وصل فقط إلى 34.209 سرير أي أن ما أنجز من الخطة هو 4.04 بالمئة فقط، وحتى عام 2003 لم تكن النسبة المنجزة مما خطط له سوى 4.63 بالمئة.
وقدرت خطة أوتام عدد السياح الوافدين عام 2000 بنحو خمسة ملايين سائح في حين أشارت الإحصاءات إلى 1.6 مليون سائح فقط أي بنسبة تنفيذ 31 بالمئة، كما قضت الخطة أن يكون في سورية نحو 22 مليون ليلة سياحية عام 2000 تحقق دخلاً قدره 36.960 مليار ليرة, لكن عدد الليالي وصل إلى 3 ملايين ليلة عائداتها 4.9 مليارات, أي أن ما تحقق هو 13.24 بالمئة من عدد الليالي السياحية ونسبة0.6 بالمئة من الدخل القومي لسورية البالغ في ذلك العام 820.307 مليار ليرة.
وبالطبع, مثل معظم الخطط, أصبحت أوتام خارج دائرة الذاكرة وخارج دائرة المحاسبة, وتمتع مهندسوها والقائمون عليها بأمجادهم عقداً من الزمن دون أن يفكر أحد حتى بطرح الأسئلة عليهم, ناهيك بمحاسبتهم, ربما لأن الأجهزة الرقابية في بلدنا لا يهمها النتائج بقدر ما تهتم بحرفية القوانين والأنظمة, ولأن أعضاء مجلس الشعب منشغلون بالخطط المستقبلية رافعين شعار: ما فات مات!
هنا بالضبط تبدأ المشكلة: فعلاً ما فات مات, لكن ما الذي يضمن لنا بعد عشر سنوات أو عشرين عاماً ألا تنسى خطط وزارة السياحة اليوم, هي التي تعدنا, بمناسبة وبغير مناسبة, بأن السياحة ستشكل جزء مهماً من دخلنا القومي, ربما يعادل النفط؟ وما الذي يضمن لنا في مستقبل سيغدو حاضر أبنائنا أن يقف أحد أعضاء مجلس الشعب المنتخب ليناقش خططاً ووعوداً سابقة صفقنا لها طويلاً وروجنا لها، واكتشفنا بعد ذلك أننا كنا عطاشاً نجري وراء سراب؟
لنتجاوز هذا كله, ولننتقل إلى مناقشة آلية التفكير الحكومي في استراتيجية تطوير السياحة, آخذين محافظة اللاذقية نموذجاً.
في السبعينات من القرن الماضي كان سيف الاستملاك مبرراً نسبياً, فالدولة أبوية وراعية للاقتصاد والمجتمع, وبناءً على ذلك استملك ما يقارب 95 بالمئة من الشريط الساحلي السوري بهدف تطوير السياحة التي كما سبق أن ذكرنا ظلت ترواح مكانها. هكذا زادت استملاكات وزارة السياحة، عن 62 ألف دونم على الشريط الساحلي, وبلغ عدد العقارات المنقولة ملكيتها إليها في محافظة اللاذقية 54 عقاراًَ بمساحة إجمالية قدرها 3.8 ملايين متر مربع، وعدد العقارات المودعة قيمتها في المصرف حتى نهاية عام 2003 ويجري نقل ملكيتها 673 عقاراً بمساحة تقدر بـ 2.9 مليون متر مربع, أما عدد العقارات المخمنة تخميناً نهائياً ولم تودع قيمتها حتى الآن فبلغت 23 عقاراً مساحتها 480 ألف م2، وعدد العقارات المستملكة التي توجد عليها إشغالات أو مخالفات 2195 عقاراً مساحتها 11.3 مليون م2.
وبالطبع لم تساعد جميع هذه الاستملاكات على إنجاح خطة أوتام.
بعد عام 2000, أو الأصح في 2002, ظهر توجه جديد نحو اقتصاد السوق الاجتماعي، وهو على الأرجح مرحلة انتقالية أو وصفة انتقالية نحو اقتصاد السوق, وبدل أن تفكر وزارة السياحة في صياغة استراتيجيات جديدة اعتماداً على التوجه الاقتصادي الجديد, اختارت نوعاً من التزاوج المشبوه بين ماض يحتضر وحاضر ولد بعملية قيصرية ولم يزل في الحاضنة, فحافظت على الاستملاكات السابقة وأبقت إشارات الاستملاك وشجعت المستثمرين والاستثمارات, معتقدة أنها في هذه الحالة تكسب مرتين, مرة من العقارات المستملكة ومرة أخرى من المستثمرين, إضافة إلى تطوير السياحة.
لكن الواقع على ما يبدو شيء مختلف تماماً.
يتساءل عضو مجلس مدينة اللاذقية عمار الغضبان عن سبب تمركز الاستثمارات السياحية على شريط ساحلي لا يتجاوز طوله الـ 4-6 كم، في حين أن معظم الشاطئ مستملك؟ ولماذا لم يأت المستثمرون إلى شواطئ بكر في أم الطيور أو وادي قنديل، على سبيل المثال، وفي الصنوبر ومناطق أخرى منسية كثيرة؟ مؤكداً في الوقت نفسه أن بدلات الاستثمار لا تعادل السمعة الترويجية للمناطق المستثمرة, فمثلاً الشاطئ الأزرق مروج له منذ أربعين عاماً.
تعلن مفيدة طوبال عضوة مكتب تنفيذي في محافظة اللاذقية عن السياحة والثقافة بأن الاستثمارات أعطيت لبعض الشركات بحجم دعايتها, أي أنها أعطيت ببلاش, فمثلاً (جول جمال) موقع معروف ودعايته جاهزة. وتذكر الغضبان في هذا السياق كيف سأله مستشار الملك المغربي عندما علم أنه من اللاذقية إن كان من الشاطئ الأزرق, ما يدل على أن سمعة هذا الموقع السياحية منتشرة عربياً على الأقل.
ورأى إسكندر نعمان أن هذا ليس استثماراً بل استعمار، مشيراً إلى أن سعر الشقة في مشروع ابن هاني للديار القطرية يتراوح بين 0.5-1.5 مليون دولار، والشاليه بـ 6.5 ملايين دولار مذكراً أن هناك جهات ونقابات في البلد لديها رساميل طائلة للاستثمار في مثل هذه المشاريع، مثل اتحاد نقابات العمال والتأمينات الاجتماعية وغيرهم وأشار إسكندر إلى أن شركة الديار أخذت المتر بمئات الليرات السورية وستبيعه بمئات الألوف مطالباً بمراقبة أعمال الشركة لأن منطقة ابن هاني تعج بالآثار المسيحية والإسلامية.
أما أمين طريبوش عضو مجلس مدينة فرأى أن صوته غير ذي جدوى, لأن الشعب مسحوق وهناك رعب وخوف من المستقبل, وسكان اللاذقية أصبحوا خارج البحر, مضيفاً أنه كإنسان عادي لن يعود يستطيع الذهاب إلى البحر أو الشاطئ إلا بالمهانة أو دفع العملة، وسيضطر إلى دفع دخله اليومي ليرى البحر.
هنا انبرت السيدة مفيدة طوبال للدفاع عما يسمى السياحة الشعبية معتبرة أن جزءاً من الاستثمارات خصص لهذه الغاية، مثل منطقة غربي منتجع الشاطئ الأزرق والمناطق المفتوحة في الكورنيش الجنوبي.
بوغوص قازراريان نائب محافظ سابق اعتبر أن هذه المواضيع بدائية وأن الخطوات الإستراتيجية لم تبدأ بعد, فهناك رؤى في وزارة السياحة ولدى المسؤولين لذلك يفترض بنا التأني, مبدياً أسفه لأن تركيا سبقتنا وداعياً للتعلم منها, مضيفاً أننا إذا وظفنا السياحة بالشكل الحقيقي على مستوى الوطن وخصوصاً في محافظتي اللاذقية وطرطوس فستؤمن دخلاً يعادل دخل النفط الموجود في الإمارات وقطر والبحرين.
إذاً, من الواضح أن هناك استياء من آلية الاستثمار وتركزها في مناطق محدودة جداً, من شمال مرفأ اللاذقية حتى ابن هاني، ومن جنوبه حتى حدود الرمل الفلسطيني, ما يدل على غياب أية إستراتيجية للنهوض بالمستوى السياحي للمحافظة ككل وللشريط الساحلي خصوصاًَ.
الأهم من ذلك هو مدى قانونية ودستورية الاستملاك على الشريط الساحلي وبعد ذلك طرحه للاستثمار, وهل يعد مثل هذا الاستملاك نفعاً عاماً؟
وإذا كانت استملاكات الساحل السوري لعبت دوراً سلبياً في إعاقة الاستثمار السياحي، فلماذا العودة إلى تبنيها في إطار توجهات اقتصادية جديدة؟ ولماذا لم تتجه وزارة السياحة ومعها فريق العمل الاقتصادي الحكومي إلى طرح هذه المناطق للاستثمار ضمن شروط محددة على أن تبقى بيد مالكيها الأصليين، وتكتفي هي بدور المراقب والساهر على تنفيذها وتقديم الخدمات الضرورية لها وتعزيز البنى التحتية لا سيما الخدمية؟
على أية حال, يعترف المدير المالي في مجلس المدينة نبيل أسطفان أن المشاريع السياحية خارج نظام العقود، مؤكداً أنه يحق لهذا المجلس الأعلى للسياحة، وفق مرسوم إحداثه، إصدار القرارات حتى لو كانت مخالفة للقوانين والأنظمة النافذة باستثناء ما يصدر عن القضاء, وبالتالي, بحسب طوبال وأسطفان, القرار للهيئات التنفيذية العليا وما على الهيئات والمجالس المحلية ومجالس المدن إلا تنفيذ تلك القرارات بغض النظر عن صحتها أو خطئها.
هنا, نجد أنفسنا أمام نقطة مفصلية أخرى: بدل خلق نوع من المنافسة على الاستثمارات السياحية، عادت وزارة السياحة والمجلس الأعلى للسياحة إلى منطق التسهيلات, لا لتؤسس لمشاريع جديدة في مناطق سياحية بكر, إنما لتطرح مناطق سياحية معروفة وتقدمها هدية لشبكة مصالح أخطبوطية، معتقدة أنها تحمي نفسها إن واستنا بالـB.O.T وأن تلك المنشأت والمناطق المستثمرة ستعود ملكيتها للدولة بعد 99 عاماً أو 45 عاماً, متناسية أن مثل هذه التسهيلات, التي سبق أن اتبعت بطريقة أخرى, أي بطريقة الإعفاءات الضريبية, لم تفلح في إنجاح خطة وزارة السياحة مع وكالة أوتام، وتحت ذريعة التسهيلات أعطت جميع المشروعات السياحية بالتراضي وخارج نظام العقود.
من جهة أخرى, وبحسب أسطفان, لا يجوز أن تتعارض قرارات المجالس المحلية مع قرارات الجهات الوصائية, لأن سياسة الدولة غير قابلة للنقاش, مضيفاً أن موضوع شركة الديار القطرية لم يناقش أصلاً في مجلس المدينة, وأن رئيس المجلس حضر التوقيع النهائي دون أي يكون هناك رأي لأحد فيه.
وللإيضاح, قد يكون هناك مبرر سياسي لمنح شركة الديار القطرية مشروع ابن هاني, ويمكن تفهم مثل هذا المبرر, لكن ماذا بشأن المشاريع الأخرى؟ ولماذا يعاد إنتاج مبررات الفشل في السياسة السياحية؟
لنلاحظ ما يلي: أعطيت جميع هذه المشاريع بتسهيلات كبيرة وخارج نطاق نظام العقود أو بتجاوزات له وفي مناطق محصورة بالشاطئ, في حين أن ترخيص فندق لفنان سوري معروف استغرق فقط ثلاث سنوات ونصف ولم يكتمل بعد، وتدخل محافظ اللاذقية شخصياً حتى تجاوز الترخيص عقبة مجلس المدينة، وخلال هذه السنوات الثلاث والنصف خسر الفنان شريكه في الاستثمار أي الممول إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية للبناء من أسمنت وحديد ويد عاملة وتجهيزات فندقية، وها هو يتساءل: إن كان من حقي الترخيص، والدليل أنني حصلت عليه، فلماذا تأخر كل هذا الزمن؟ وأين التسهيلات؟!
وعند مدير سياحة اللاذقية, كان هناك مستثمر اشترى قطعة أرض بهدف استثمارها سياحياً، ويحتاج إلى قطعة أخرى عليها إشارة استملاك لاستكمال المساحة اللازمة للمشروع,فطالب إما السماح له بشراء الأرض أو تأجيرها له أسوة بغيره, فرد عليه مدير السياحة بأنه ليس صاحب قرار في هذا الأمر، وشرح له بداية متاهة المعاملات التي لن يخرج منها, لأن التسهيلات هي ببساطة لناس وناس.
الملاحظ أيضاً غياب المشاريع السياحية عن مناطق الاصطياف الجبلية مع أنه في إسبانيا على سبيل المثال, كما قيل لنا, يشترط على صاحب المشروع أو المستثمر على البحر أن يقيم منشأة سياحية في الجبل تعادل مساحتها مساحة المنشأة على الشاطئ.
لكن لماذا يشكك بعض أعضاء مجلس المدينة ومجلس المحافظة بالقيم العقدية لهذه المشاريع؟
من خلال جدول يضم أهم المشاريع السياحية في مدينة اللاذقية يتضح أن الإيراد التقديري المتوقع سنوياً لمجلس المدينة، بحسب دراسات الجدوى، لا يتناسب إطلاقاً مع المساحات الممنوحة للاستثمار, فمثلاً موقع جول جمال مساحته 70.000 م2 وتكاليفه 2 مليار ليرة ومدة العقد 45 سنة والإيراد المتوقع سنوياً هو 25 مليون ليرة خلال السنوات الأولى من الاستثمار, أما موقع ابن هاني فهو على مساحة 283 ألف متر مربع وتكاليفه 11.887 مليار ليرة وحق الانتفاع لمدة 99 سنة وحصة مجلس المدينة 10 ملايين ليرة فقط خلال السنوات الأولى للاستثمار, بينما تبلغ مساحة مجمع أفاميا السياحي 80 ألف متر مربع وتكاليفه التقديرية الأولية 2.385 مليار ليرة وحصة مجلس المدينة 15 مليون ليرة، وهو عقد مشاركة بنسبة 20 بالمئة لبلدية اللاذقية، وتبلغ مساحة منطقة شرقي منتجع الشاطئ الأزرق 30 ألف م2 تكاليفها التقديرية الأولية 1.1 مليار ليرة والإيراد المتوقع سنوياً هو 15 مليون ليرة وهو عبارة عن استثمار بطريقة B.O.T لمدة 45 عاماً, ومساحة المناطق المفتوحة في الكورنيش الجنوبي تبلغ 38000 م2 تكاليفها التقديرية الأولية 200 مليون وإيرادها المتوقع سنوياً هو 7 ملايين ليرة، وذلك بموجب عقد استثمار بطريقة الـB.O.T لمدة 25 عاماً.
ولإجراء مقارنة بسيطة, اقترح أحد أعضاء مجلس المدينة عليّ الإتصال بالسيد عبد الله كحيلة الذي يستثمر عدة شاليهات في الشاطئ الأزرق وطلب حجز شاليه لديه, فكانت الأسعار كما يلي: شاليه قبو بأربعة آلاف لليلة وشاليه طابق أول أو ثاني بـ سبعة آلاف وستة آلاف ويجب الحجز قبل أيام ومساحة الشاليه الواحدة 40-50 متراً عبارة عن غرفتين وملحقاتهما, هذا يعني أن بناء مؤلفاً من ثلاثة طوابق مؤلفاً من ثلاث شقق يصل إيجاره إلى 17 ألف ليرة يومياً. وإذا افترضنا أنه عمل لمدة 50 يوماً في السنة فقط فإن عائديته تصل إلى 850 ألف ليرة.
وخلال خمسين عاماً سيراكم رأسمالاً قدره 42.5 مليون ليرة, أي أن مجلس المدينة لو بنى في كل موقع من المواقع التي طرحها للاستثمار ثلاث شاليهات متواضعة لحقق دخلاً أعلى بكثير من العائدات التي توقعها له دراسات الجدوى, حتى لو عادت كامل المنشآت إليه بعد نهاية فترة الاستثمار, لأن هذه المنشأت بعد 45 عاماً تكون قد استهلكت أكثر من نصف عمرها بالمقاييس السورية وأكثر من عمرها بمقاييس البلدان الأخرى، وضعف عمرها بمقاييس بعض بلدان الخليج, أما المنشآت التي ستعود إليه بعد 99 سنة فهي بالتأكيد ستكون قد استهلكت عمرها كلها وفوقه عشر سنوات.
بالطبع لا تناقش الأمور بهذه البساطة, لكن أيضاً لا تمنح الاستثمارات بهذه البساطة أيضاً وهذه الشروط, فليس من المعقول أن عشرات الآلاف من الأمتار المربعة يكون إيرادها بين 10-25 مليون ليرة سنوياً, في حين أن بناء خيم على مثل هذه المساحة وتأجيرها يأتي بأضعاف هذا المبلغ.
رئيس مجلس المدينة محمد بشار مغربي انتقد بشدة طريقة الحوار معه قائلاً إنها ذات طابع اتهامي وأنه شعر أنه في موقع الدفاع عن النفس, هكذا دافع عن منطق الاستملاك لأن الأمر يتطلب أحياناً تنمية سريعة في بعض المناطق وبالتالي يجب عدم انتظار الأزمة, متسائلاً لماذا لم يفكر أصحاب هذه الأراضي بإقامة مشاريع سياحية مميزة عليها؟
أجبته: لأنها استملكت في السبعينيات من القرن الماضي؟
قال: وهل بدأ الزمن وحياة سوريا عام 1974؟ وكيف تستطيع تطوير السياحة واللحاق بالبلدان المجاورة دون قفزة ودون استثمارات كبيرة وسريعة؟
الدولة رأت أن الـB.O.T نظام يؤمن هذه المسألة فهو لا يملك الأرض للمستثمر ولا يعطيه إياها إنما يضعها تحت تصرفه لفترة مؤقته لقاء أن تعود في نهاية فترة الامتياز.
وحول تركز مشاريع السياحة في منطقة ضيقة ومحصورة أكد أن المشاريع موجودة في أماكن بحاجة إليها, فمثلاً, موقع ابن هاني, ليس فيه شيء, صرف صحي يصب في منتصف الطريق وعدد من الأشجار وليس هناك إمكانية لتنظيفها, أما وفق ما هو متصور لها, فإنها ستغدو متميزة جداً, سيحافظ على المناطق التراثية فيها وسيبنى سكن خاصاً للصيادين ومرفأ لهم.
وأكد المغربي أنه يجب النظر إلى المحافظة وليس إلى المدينة كمدينة وينبغي التحدث عن الأفق, فالريف بحاجة إلى تنمية على التوازي مع المدينة, وريف اللاذقية غني بإمكاناته وفقير في خدماته, لذلك يجب النظر إليه بزاوية أوسع وإقامة قرى سياحية فيه وأنشطة سياحية لجذب الناس إليه.
واعتبر مغربي أن بدلات استثمار المشاريع شبه عادلة لأن هناك حسابات اقتصادية للكتل النقدية الموضوعة في الاستثمار ومردودها على سنوات الاستثمار ومن هنا تتحدد فترة الامتياز, لكن الأهم هو أن الشركات في بعض المشاريع تأخذ مشاريع بنى تحتية وتكافأ عليها بمشاريع سياحية.
زكريا الشعار واحد من أهالي قرية ابن هاني قال إن الدولة تتاجر بالأرض, فقد استملكتها منذ أكثر من 34 عاماً ووضعت الأموال وديعة في البنك دون فوائد وهو لم يقبضها إلا بعد 16 عاماً أي بعد وفاة والدته ووالده وهناك أناس لم يقبضوها حتى الآن, مضيفاً أن لديه بيتاً حجرياً وخمسة دونمات يبلغ سعرها بلغة اليوم نحو مليار ليرة في حين أن ما قبضه من المصرف لا يتجاوز الـ200 ألف ليرة.
المشكلة الأهم برأي الشعار هي أن قرية ابن هاني أثرية سياحية وهناك مرسوم بهذا الخصوص, لكن ليس من مصلحة أحد العودة إلى التاريخ, مضيفاً أن التعامل معهم جرى دوماً بطريقة شفهية وأن هناك وعوداً قطعت لهم بعدم إخلاء أحد دون تأمين مسكن بديل, لكن الوزارة التفت على الموضوع معتبرة أن عدد المستحقين للمساكن البديلة المستملكة هم فقط 47 شاغلاً معتمدة على إحصاء عام 1974, كما وعدت الوزارة بعدم إخلاء الشاغلين قبل تسوية أوضاعهم, لكنها باشرت الإخلاء والهدم دون أن يحصل أحد من أبناء القرية على مسكن بديل أو تعويض لقاء إخلائه.
يقول مدير السياحة في اللاذقية: إذا كان هناك مواطن لديه أرض ويريد أن يستثمر عليها فلا توجد مشكلة إذا حقق الشروط ضمن القانون.
لكن القانون صيغ بطريقة تجعل من استثمار هذا المواطن واحدة من أعاجيب الدنيا فهو مثلاً لا يستطيع أن يحرك ساكناً إزاء إشارة قيد احترازي بطلب الاستملاك لصالح وزارة السياحة موضوعة منذ عقود من الزمن, والأغرب من ذلك, حتى لو لم توجد مثل هذه الإشارة, وحتى لو كانت الأرض مخصصة تنظيمياً لمنشآت سياحية فهو بحاجة لتدخل المحافظ شخصياً كما حدث مع مشروع الفنان السوري.
لنلاحظ البنية الفندقية في محافظة اللاذقية: فندقان 5 نجوم، وأربعة 4 نجوم، وسبعة 3 نجوم وسبعة عشر 2 نجمتان وعشرة نجمة واحدة فئة (أ)، وستة نجمة (ب)، وخمسة عشر داراً مفروشة وخارج التصنيف.
أما توزيعهم في المحافظة, ففي القرداحة فندق واحد وفي مناطق الاصطياف 14 فندقاً والباقي في مدينة اللاذقية ولا يوجد في مدينة جبلة مثلاً أي فندق وبعد إضافة الاستثمارات الجديدة إلى الواقع الفندقي القائم سيبقى الخلل قائماً سواء من زاوية التصنيف أو من زاوية التوزع الجغرافي وهو ما يدل بشكل قاطع أن وزارة السياحة وضعت أمامها خارطة المحافظة وجاءت بأصحاب المصالح وقالت لهم: هاهي ذي أمامكم فانظروا ما أنتم فاعلون!
الأدهى أن بعض النقابات أجبرت على بيع أملاكها لتنفيذ بعض هذه المشروعات مثل الشبيبة ونقابة المعلمين, أو الأصح كما قال أسطفان باعوها بقرار سياسي, مضيفاًَ أنهم كلهم مرتزقة ولصوص, فشركة الكرنك مثلاً وصلت ديون البلدية عليها إلى45 مليون ليرة ولم تدفعها وعندما استلمنا الموقع منها حصلنا على دخل قدره 9 ملايين ليرة خلال موسم واحد, فلماذا كانت خاسرة؟
وبرأي أسطفان النقابات وظيفتها الدفاع عن الحقوق أما السياحة والاستثمار السياحي فليسا من شأنها.
بعد 45 عاماً سيكون هناك في محافظة اللاذقية قطاع عام سياحي متكامل إذ ستعود معظم المشروعات إلى وزارة السياحة ومجلس المدينة, آنذاك سنكون بالتأكيد نسينا اقتصاد السوق الاجتماعي وسيكون القطاع العام على الأرجح أشبه بالأشباح بالنسبة لمن سيبقى منا حياً, لكن أجيال ذاك الزمان ستتسلم منشآت مهترئة بحاجة على الأقل إلى ترميم, إن لم يكن إلى هدم وإعادة بناء, وحينذاك لن تكفي واردات مجلس المدينة ووزارة السياحة التي حصلتا عليها للقيام بذلك, وعلى الأرجح سيضحكون علينا نحن الأجداد, ويقولون ما أقل عقولهم, ويطرحونها للبيع في المزاد العلني, وعلى الأغلب سيشتريها أبناء مستثمريها اليوم.
أما أحفاد أصحاب الأراضي المستملكة, فسينظرون إليها من بعيد, لاعنين آباءهم وأجدادهم وقد يوجد من بينهم واحد, يدرك أن الزمن تغير, فيحتفظ بالوثائق كاملة, يقدمها إلى محكمة مختلفة عن محاكم اليوم, تدفعه شهوة الثروة أو ربما الحنين إلى مسقط رأسه إلا إذا كانت مشاعر الغبن والظلم تنتقل بالوراثة.
الأهم من ذلك, هل سيكون لدينا في ذاك الزمان سياحة تعادل نصف سياحة تركيا؟ أو الأصح نصف سياحة دولة صغيرة في منطقتنا؟
الإجابة تكمن في هذين التصريحين لوزير السياحة، نشرتهما صحيفة الحياة، الأول في شهر شباط 2005 جاء فيه رداً على سؤال: ما هو تقويمكم للموسم السياحي في سوريا عام 2004؟: كان العام الماضي جيداً بالنسبة للسياحة السورية, خصوصاً بعد عام 2003 الذي تأثر بأحداث إقليمية ضاغطة, إذ حققنا عام 2004 استعادة أكثر من المتوقع فارتفع إجمالي عدد القادمين من زوار اليوم الواحد والسياح العرب والأجانب من 4.3 ملايين في عام 2003 إلى 6.2 ملايين عام 2004 إضافة إلى المغتربين السوريين المقدر عددهم بمليون شخص. أما إذا تحدثنا عن سياح المبيت، ففي عام 2003 كان عددهم مليون بينما تجاوز عددهم العام الماضي إلى 3 مليون دون حساب المغتربين، وارتفعت العائدات السياحية من 1.4 بليون دولار أمريكي العام الماضي إلى 2.1 بليون دولار، وارتفع وسطي إنفاق السائح في اليوم عدا المغتربين من 33 دولاراً عام 2002 إلى 45 دولاراً عام 2004.
والثاني بتاريخ 2/5/2007 جاء فيه: (التطوير السياحي يتطلب استثمارات بقيمة 15 بليون دولار حتى عام 2012 وعدد السياح المستهدف عام 2010 هو 10 ملايين سائح و75 ألف سرير فندقي وعائدات من السياحة تقدر بـ5 بلايين دولار.
عائدات سورية من السياحة عام 2006 هي /2.8/ بليون دولار وعدد السياح عدا العراقيين واللبنانيين عام 2006 هو /3.1/ مليون سائح إضافة إلى مليون من أصل سوري).
لنلاحظ كيف يعرض السيد الوزير أرقامه, لا يأتي إطلاقاً على ذكر الليالي الفندقية ويعتمد على أعداد القادمين فقط, وفوق ذلك تكون الزيادة في الأرقام خجولة مع أن الأرقام المستهدفة تجعلنا نستغني عن النفط.
نحن الآن في عام 2008, لكننا لا نعرف ما إذا كان سيسعنا تذكير السيد وزير السياحة عام 2010 بأرقامه المستهدفة, أم أنها ستصبح مثل خطة أوتام, في الحالتين منطق المحاسبة على السياسات والاستراتيجيات غائب, وليصرح وزراؤنا كما يحلو لهم.
تذكر دراسة احصائية عن السياحة في سورية للدكتور عبد الهادي الرفاعي أن التزايد في أعداد القادمين إلى سوريا لم يكن بسبب تطور الطلب على السياحة، فمتوسط معدل الزيادة السنوية في القادمين 17.3 بالمئة (17.77 بالمئة عرباً، و7.96 بالمئة أجانب) وهذه الزيادة أكبر بكثير من زيادة عدد الفنادق والأسرة, أي أن معدلات نمو العرض السياحي غير متوافقة مع معدلات نمو الطلب السياحي، وربما تكون الشاليهات الخاصة والشقق المفروشة والمخيمات السياحية تساعد على سد هذه الفجوة، إضافة إلى أنه ليس جميع القادمين إلى سورية هم سياح، وما يؤكد ذلك هو أن حركة السياحة في سورية هي عربية في الغالب، فأعداد ونسب القادمين العرب تفوق بمرتين أو ثلاث مرات أعداد ونسب القادمين الأجانب، ونظراً لطبيعة السياحة العربية لا يمكن اعتبارها سياحة فعلية بسبب حركة التبادل التجاري الكبيرة بين سورية والبلدان المجاورة, فأعداد كبيرة من اللبنانيين والأردنيين يدخلون ويخرجون في اليوم نفسه لأغراض تجارية بحتة.
أي أن تصريحات السيد وزير السياحة وأرقامه بحاجة إلى إعادة نظر وتحليل، أو الأصح ليست بحاجة إلى شيء، لأن الزيادات فيها أصلاً لا تتناسب حتى مع النمو الطبيعي لأنشطة التبادلات التجارية في المنطقة.
ألخص: الاستثمارات في محافظة اللاذقية تخضع لشبكة مصالح ولا تحكمها أية استراتيجية أو رؤية واضحة, لا دور لمجلس المدينة ومجلس المحافظة فيها وهي أشبه بالإملاءات, منطق الاستملاك والاستمرار فيه يعود لنهج قديم ولم يعد يتلاءم مع قوانين ومتطلبات الاقتصاد الجديد، وهو يعيق انطلاقة الاستثمار السياحي في المحافظة, معظم الاستثمارات أعطيت في مناطق مستثمرة سابقاً ومروج لها سياحياً وبمبالغ وشروط تطرح أكثر من علامة استفهام, منطق المحاسبة غائب تماماً, والأهم أن مخالفات المستثمرين لشروط الاستثمار بدأت دون أن يحرك مجلس المدينة ساكناً، كما يحدث الآن في الكورنيش الجنوبي، حيث عمد أحد المستثمرين إلى إشادة المنشأة أعلى من مستوى الطريق, غياب الاستثمار المتوازن جغرافياً ونوعياً, بين الجبل والساحل, وعلى الساحل نفسه.
انفورمرسيريا
* التحقيق منشور في صحيفة الخبر السورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى