الدور التركي في المنطقةصفحات العالم

مقاربات لفهم “الانقلابات التركية”

سعد محيو
كيف نفهم الاتفاق الاستراتيجي السوري – التركي، وقبله الاتفاق الاستراتيجي أيضاً العراقي- التركي الذي وُقّع في 11 يوليو/ تموز 2008؟
ثمة ثلاث مقاربات.
الأولى تركية، تضع هذه التطورات المهمة في إطار مايُسميه وزير الخارجية التركي داود أوغلو نهج “العمق الاستراتيجي” الجديد، الذي يتطلب من بلاد الأناضول العمل على ضمان أمنها القومي من خلال ممارسة النفوذ واستخدام “القوة اللينة” في بيئتها الإقليمية، ولعب دور مؤثّر على الساحة الدولية.
يقول داود اوغلو: “تركيا كلاعب دولي كان يُنظر إليها سابقاً على أن لديها عضلات قوية، ومعدة ضعيفة، ومشاكل في القلب، وقوة دماغ متوسطة. بكلمات أخرى، هي جيش قوي واقتصاد ضعيف، وتفتقد إلى الثقة بالنفس وليست جيدة في التفكير الاستراتيجي. أما الآن، فتركيا موجودة في مستويات عدة من السياسات الدولية وتوّسطت في العديد من النزاعات في البلقان والشرق الاوسط والقوقاز، فحوّلت بذلك أعداء سابقين كروسيا وسوريا إلى حلفاء حميمين”.
وهناك مقاربة الصقور “الإسرائيليين” الذين يعتبرون التقارب التركي مع سوريا والعراق بمثابة انقلاب كامل على التحالف الاستراتيجي التاريخي التركي – “الإسرائيلي”، ويربطون بين استبعاد تركيا ل”إسرائيل” من مناورات “نسر الأناضول” الجوية الأطلسية وبين الاتفاقات الاستراتيجية التركية مع سوريا والعراق وخطوة إجراء مناورات عسكرية سورية – تركية على مرمى حجر من العمق “الإسرائيلي”. كما يتوقفون، كدليل على النزعة الانقلابية، أمام البيانات المتلاحقة لأردوغان، التي أعلن فيها غداة حرب غزة أن “الله سيعاقب “إسرائيل” على أعمالها بعد أن حوّلت القطاع إلى معسكر اعتقال دموي”، ثم بعد المشادة الكبرى التي حدثت بينه وبين الرئيس “الإسرائيلي” بيريز في مؤتمر منتدى دافوس والتي خاطب خلالها الأخير بقوله: “أنتم تعرفون تماماً كيف تَقتُلون”.
ويرى الصقور “الإسرائيليون”، ومعهم المحافظون الامريكيون اليمينيون كما الجدد، أن مواقف تركيا الأردوغانية نابعة أساساً من المنظور الإسلامي الذي تُطل من خلاله على العالم، وهو بالضرورة منظور معادٍ للغرب وعلى رأسه “إسرائيل”. ولذا، يدعون إلى فتح النار على تركيا وعلى كل الجبهات، خاصة منها جبهات الكونجرس وهيئات الضغط الكبرى المالية والسياسية الأخرى في الولايات المتحدة.
ثم هناك أخيراً مقاربة إدارة أوباما التي تبدو مطمئنة إلى ان تركيا لن تذهب بعيداً في توجهاتها الاستقلالية الحالية، وأنها محكومة بحتمية التحالف مع واشنطن بسبب اعتمادها الكلي على التسليح الأمريكي، وعلى دعم الولايات المتحدة لجهودها الهادفة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأيضاً لأن أمريكا هي بطاقة تأمين دائمة لها ضد الدب الروسي في حال أراد مواصلة ما انقطع من طموحاته الجيو- استراتيجية.
هل ثمة قاسم مشترك ما بين هذه المقاربات الثلاث؟
أجل. فهي كلها تتفق على أن هناك بالفعل “تركيا جديدة” في الشرق الأوسط القديم، وبأنه (كما أقّر إيهود باراك) لم يعد ثمة مفر من الاعتراف بها كلاعب إقليمي كبير في المنطقة.
وعلى رغم أن ذلك لن يعني بأي حال احتمال انتقال أنقرة إلى المعسكر المعادي للغرب كما الأمر مع إيران (ولاحتى إلى المعسكر المعادي لوجود “إسرائيل”)، إلا أن المضاعفات السلبية على الدور “الإسرائيلي” في النظام الشرق الأوسطي ستكون كبيرة بالفعل، وربما تاريخية أيضاً. لماذا؟
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى