سلامة كيلةصفحات العالم

المراهنة العربية المستمرة على أميركا

سلامة كيلة
بعيد انتــخاب باراك أوبــاما انطلقت المراهنات على تغيّر عميق في الســياسة الأميركية تجاه «مشــكلة الشرق الأوسط»، وجرى اللــعب على مسألتــي اللون والدين للقول بأن الرئيس الــجديد هو منـا. وربما جاءت تصريحات هيــلاري كلينتون خلال زيارتها المنطقة قبل مــدة، والتي تتعــلق بدعوتها الفلسطينيين إلى المفاوضات من دون شروط مسبقة، هي تلك التي تتعلق بوقف الاستيطان. وتأكيدها على أن بنــيامين نتنياهو قد قدّم عرضاً «غير مسبوق» حينما أشار إلى وقف مؤقت للاستيطان، وبالتالي تحميلها السلطة مسؤولية توقف المفاوضــات، ربما جاءت لتوضح بأن السياسة الأميـركية هي ذاتها، رغم محاولتها التخفيف من وطأة التصريحات على النظم العربية، بالقول أن المسألة تتعلق بالاتــفاق على حــدود الدولة أولاً. وهو ما يعنــي أنها توغل في التــوضيح بأنها تدعم الموقــف الصــهيوني، لأن ذلك يعني أن حدود سنة 1967 ليـست هي الحدود المطروحة لـ«قيام الدولة». ولقد استمرت السياسة الأميركية في التوضح أكثر خلال الأشهر الماضية، لتظهر سنة من حكم أوباما بأنْ لا جديد هنا.
وبالتالي يجب أن تكون قد انهارت الآمال التي وضعت على باراك أوباما، وفي التغيير الذي سيحدثه في السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الصهيوني.
لكن السؤال الذي يجب أن يلمس هو: لماذا كل هذا التهافت المستمر منذ عقود على الولايات المتحدة، وبالتالي المراهنة المستمرة على، والأمل المطلق في، الإدارة الأميركــية، فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني؟ أي لماذا «اندلاق» النظم ونخب من المثـقفين والســياسيين للمراهنة على السياسة الأميركية لحل هذا الصراع؟
لقد أثار نــجاح بــاراك أوباما رئيــساً للولايات المتحدة موجة من التــفاؤل في هذا المجال بالتحــديد، كما أثار نــجاح رؤساء آخرين قبل ذلك، حتى أنه يمكن الــقول بأن نــجاح رئيـس ما هو وحــده كاف لإثــارة موجة التفاؤل هــذه. وإن كان لم يحــقق شيئاً في الدورة الأولى من رئاســته، فإن التــفاؤل ســوف يعــود من جــديد لأن هذا الرئيس «سوف يكون متحرراً في الدورة الثانية من الحاجة إلى دعم اللوبي اليهودي» كما يشار في كل مرة.
ورغم وضوح السياسة الأميركية، واستمرار توضيحها، وتوضحـها في الممارسة، إلا أن «التعلق المرضــي» بدور الولايــات المتــحدة يبقى مستمراً، ويبقى حل الصراع مربــوطاً بهــذا الدور، …ربما على أمل أن ينــجح رئــيس ما «يفي بوعوده»، وهو ما يبدو مستــحيلاً لأن الحــلول التي يطلــبها هؤلاء، رغــم أنهــا جزئــية وشكــلية، لا تتطــابق مــع الرؤيــة الأمــيركية قبل الرؤية الصهيونية، أو أنها لا تتطابق معهما معاً لأنهما واحد.
إذن، لماذا لا يقود هذا الوضوح في السياسة الأميركية إلى تجاوز هذه المراهنات؟
ربما سيكون الجــواب البسيط هو: لأن ذلك يعني الصدام مع الولايات المتــحدة. وهو يعني هذا بالضــبط إذا كان الهــدف الحقــيقي هو حل الصراع العربي الصهــيوني على أساس قيام «دولة فلسطينية مستــقلة». لكن ذلك ليس وارداً في رؤية لا النظم ولا النـــخب تلك، التي، بالتالي، لا تجد سوى اســتمرار المراهنة على السياسة الأميركية عــلى أمل أن تتحقق هذه «المعجزة». إنها تؤســس كل سياســتها على أن الحل يجب أن يتحقق ضمن الرعاية الأميركية وليس في الصراع معــها، ولهذا تأمل في حل أميركــي لوضــع الدولة الصــهيونية في المنطقة وليس فيما يتعلق بـ«القضية الفلسطينية» فقط. لأنها تنـطلق من أنها ليست في مواجهة معــها، أكثر من ذلــك إنها في «ترابط تبعي» معها. هذا «الترابط»، المبتدئ بالاقتصادي، والواصل إلى مصالح الفئات المسيطرة، هو الذي يجعل كل ميل لتسوية الصراعات ينطلق من «التفاهم» مع الولايات المتحدة، والذي يفضي في الأخير إلى قبول ما تريده هي.
المســألة بالتــالي هي ليــست مــسألة «خطأ معــرفي» فيما يتعــلق بالنــظم، أو سـوء تقــييم للســياسة الأمــيركية، حــيث أن ممارستها باتــت (كما كانت) أكثر من واضحة، بل هــي مســألة ترابط تبــعي يجعلها تؤسـس سياســاتها على أساسه، وتبني حلول المشــكلات انطــلاقاً مـنه، حتى وهي ترى ضرراً يطالها، أو أن الحل المطروح لا يخدمها تماماً، أو لا يتـوافق تماماً مع تصورها هي.
إذن، سنلمس بأن القاعــدة الأســاس هـي هذا الترابط، الذي تتحدد على ضوئه كل السياسات التي تخص وضع المنطقة، ومنها طبعاً الصراع مع الدولة الصهيونية. رغم الوضوح الشديد لطبيعة العلاقة بين الرأسمالية الأميركية (وكل الرأسماليات) والدولة الصهيونية، التي هي علاقة عــضوية (علاقة ترابط بنيوي)، والتي تجعل كل الإدارات الأميركية تنطلق من أولوية المــصالح الصهيونية، لأنها مصالحها هي بالذات. رغم الوضوح الشديد فإن النظم لا تجد سبيلاً غير التمسك بذاك الرابط، وبالتالي الأمل في الوصول إلى حل للصراع العربي الصهيوني، لأنه يؤثر على وضعها كله. وهو الأمل الذي سيبقى مستمراً، والذي يفرض تصعيد المراهنة في كل لحظة، لأن ذلك يؤسس لإعادة إنتاج الرابط المشار إليه.
لهذا فإن قاعدة حل الصراع العربي الصهيوني هي التوافق مع السياسات الأميركية، والانطلاق من «القرار» الأميركي في هذا الشأن. إنها الحكم وليس الخصم، وما تبدو خصومة يجب أن تخضع للحكم الذي تصدره هي. وهذا يعني، في الأخير، القبول بما تريده هي، بغض النظر عن الحقوق، والمصالح الوطنية.
وبالتالي ليس مستغرباً تحوّل المراهنة إلى قدر، حيث ليس من خيار هنا غير ذلك. إن الترابط يجعل كل مسائل الخلاف هي محل «تفاوض»، وتخضع لتحكم القوة المسيطرة في هذه العلاقة. وليس من إمكانية إلى خيار آخر، أو حتى التفكير في خيار آخر.
على ضوء ذلك سوف نغرق في مراهنات جديدة، وسوف تبقى قوى ونظم تأمل ما لا أمل فيه.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى