صفحات سوريةعماد عزوز

اعلان دمشق؛ عندما الضربة التي لاتقصم ظهرك تقويه


عماد عزوز

تعرض اعلان دمشق لضربتين قاسيتين ستؤثران على عمله في الفترة القادمة ان لم نقل انهما وضعاه امام مفترق طريق مهم, الضربة الاولى اتت من النظام الذى قام بحملات اعتقال طالت العديد ممن شارك في الاجتماع الآخير للمجلس الوطنى للاعلان, والضربة الثانية اتت من داخل الاعلان نفسه حيث جمد كل من حزب العمل الشيوعي والاتحاد الاشتراكي عضويته فى الاعلان.

قام النظام السورى بعد فترة من انعقاد المجلس ومن خلال حملات الاعتقال بتوجيه رسالة مهمة الى المعارضة والشعب السوري والمجتمع الدولي كله, رسالة تعزز صورته كنظام قمعى يسكت اى صوت ينتقده ويعتقل كل من تخول نفسه قول الحقيقة , نظام كرس الفساد واغرق البلاد في دوامة من الفقر والتخلف بعد ان رسم للمواطن دوائرا من الممنوعات ووضع له خطوطا من الحظر ليجد المواطن نفسه امام لوحة سوداء قاتمة لايمكن رؤية من خلالها اي بصيص امل. واذا كان سلوك النظام هذا متوقعا لانه اصبح جزءا من طبيعته الا ان خطورة هذه الاعتقالات انها تأتي في ظروف يجد النظام نفسه قادرا على افهام المجتمع الدولى ان الاعتقالات هذه هي شان داخلى لايسمح النظام لاي جهة ان تمارس اي ضغط عليه رغم كل الظروف السياسية الصعبة التى تحيط به, وفي احسن الأحوال يقدم معارضيه الى محاكم صورية بعد ان تكون الأحكام جاهزة ولاتوجد الا فى دول استثنائية مثل سوريا, احكام بسبب المساس بهيبة الدولة أو ألاتصال بدول اجنبية….الخ.يأتي ذلك في ظل ظروف دولية معقدة بعد ان وجد المجتمع الدولي نفسه مشغولا بل وغائصا بمشاكل المنطقة ولاسيما المشكلة الايرانية والعراقية وكذلك المشكلة اللبنانية والفلسطينية وهذا ما يفتح الباب امام صفقات قد يعقدها مع النظام السوري ستكون بالدرجة الاولى على حساب حقوق الانسان والمعتقلين السياسيين في سوريا, ورغم ان أحد الأسباب التي تشجع المجتمع الدولي القيام بهكذا صفقات مرتبط بضعف المعارضة التي لم تستطع ان تطرح نفسها كبديل أو كحل يستطيع المجتمع الدولي الاعتماد عليه الا ان ما يجري في المنطقة يثبت كل يوم ان مصالح الدول الكبرى فوق كل اعتبار وفوق كل المبادئ المتعلقة بحقوق الانسان.

الضربة الثانية وهي الأهم لأنها اتت من داخله وعلى ارضية اتهامات متبادلة لبعض الأطراف على ارضية سياسية احيانا وعلى ارضية خلافات فردية بين هذا الرمز او ذاك احيانا اخرى. من أهم ماقيل ربما هو ما يتعلق بنظرية ان المجلس الوطنى الجديد غير في سياسة الاعلان فيما يخص الموقف من المشروع الامريكي بشكل خاص ومن الخارج بشكل عام حيث انتقدت بعض الأطراف بشدة ما اعلنه رياض الترك ورياض سيف بخصوص القبول بالضغط الخارجى على النظام الذي يمارس القمع كل يوم دون ان يكون للمعارضة تاثير او قدرة على ردعه,انتقاد يستند وفق رأي المدافعين عنها على اعتبار أن أي تغيير يجب أن يكون من الداخل وبقوى ذاتية لاسيما وأن الخارج في هذه الحالة هو المعسكر الامبريالي. وجهتي نظر ورغم اتفاقها على هدف الديموقراطية الا انها تجد نفسها تفترق وبشكل حاد حول الوسيلة وحول الموقف وتاثيره على الداخل. هذه الاشكالية كانت وستكون عقدة العقد ليس عند المعارضة السورية وانما عند كافة الاحزاب السياسية في المنطقة.

وبغض النظر عن صحة او خطئ هذا الرأى او ذاك الا انه ثمة ملاحظات يمكن تسجيلها هنا؛

ـ في ظل القطبية المتمركزة حول قطب مايسمى المشروع الخارجى وقطب مايسمى المشروع المقاوم, في ظل هذه القطبية تجد الأحزاب والسياسة نفسها مستقطبة ايضا واحيانا بشكل حاد وبدلالات لاتوحي بسلامة التحليل السياسي. كأن يتم تصنيف طرف ما وبمجرد انتقاده لاحد الأقطاب أنه مع الطرف الثاني. المشكلة هنا انه يتم في بعض الأحيان وضع أطراف عديدة في نفس السلة او في نفس القطب كأن يضم مثلا القطب الخارجي كل من الأمريكان والأوربيين والليبراليين….الخ بينما يضم القطب المقاوم كل من هم ضد المشروع الأمريكي من يساريين واسلاميين وجماعة ضد العولمة والنظام السوري أيضا في العديد من الحالات. ربما ينطبق نفس التحليل على اعلان دمشق ايضا الذي يجد نفسه واقعا في هذه القطبية رغم وجود شرائح وشخصيات هي ليست لامع هذا ولامع ذاك القطب.

ـ هناك خلط تمارسه الأحزاب والشخصيات السياسية السورية فيما يتعلق بمفهوم التحالفات الجبهوية والتى يعتبر اعلان دمشق شكلا منها او بشكل آخر هناك ضعف في خبرة هذه الاحزاب في هكذا مفهوم وهكذا ممارسة وهذا ناجم بالدرجة الاولى عن القمع الذي مورس على هذه الاحزاب على مدار اربعين سنة, وبما انه وفي اطار العمل الجبهوي يتم في العادة الاتفاق على مهمة محددة يعمل الجميع من اجل تحقيقها كل وفق منظوره. واذا اعتبرنا ان الديموقراطية والحرية السياسية هو احد اهداف الاعلان فان الخلافات الأخرى تصبح قليلة الأهمية أو من المفترض انه يتوجب على الجميع تجنب مثل هكذا خلافات في سبيل تحقيق الهدف المتفق عليه ودون أن يؤثر على الثوابت الوطنية.

ـ لايزال هناك هيمنة لفرد او لشخصية ما على الاحزاب والحركات السياسية التى من المفترض انها عندما تناضل من اجل الديموقراطية ان تمارسها على نفسها اولا, ان الزعامة تكتسب شكل المنصب اكثر منه تمثيل لارادة المجموع ولمصالح الشعب والمجتمع, ربما هذا مايفسر ثبات الوجوه في اللوحة السياسية وعدم رفد الحركة بعناصر شابة تأتي بعقلية وبأفكار جديدة.

ـ لاتزال السياسة في بلدنا حكرا على مجموعة من السياسيين والمثقفين وهذا متعلق بحالة الجذر السياسي لبلدنا, وبسبب ابتعاد المعارضة عن هموم المواطن العادي, وهذا ما يجعل اي عمل سياسي حزبي او جبهوي لاياخذ بعين الاعتبار هذه الاشكالية يدور في نفس الفلك دون نتائج ملموسة.

ـ بعد الانتخابات الأخيرة للمجلس كانت النتائج كارثية بالنسبة للأحزاب المنضوية تحت لواء الاعلان وهذا ماجعل العديد يتهمها بانها انسحبت بسبب الخسارة والا لكان الاجدر بها الانسحاب من المجلس قبل الانتخابات وليس بعدها. تقود هذه الخسارة الى ضرورة أخذها على محمل الجد لجهة اعادة برامجها وفكرها وسياستها بكل ماتعنيه الكلمة من اعادة انتاج للسياسة والحزب. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل تستطيع هذه الأحزاب وهي بواقعها الحالي من جمود فكري ومن أزمات سياسية داخلية كل داخل جسده التنظيمي ومن واقع يظهر كل يوم أنها تحتاج الى دروس في الديموقراطية وقبول الآخر.

ويبقى السؤال الأهم المتعلق باعلان دمشق نفسه فيما اذا كان قادرا على تحمل هاتين الضربتين اللتين يتعرض لها, وسواء استطاع ذلك ام لا الا انه سيبقى من اهم التجارب التي مرت بها سوريا والتي يتوجب علينا جميعا الحفاظ عليها.

عماد عزوز

سوري مقيم في السويد

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى