صفحات سورية

قراءة نقدية لموضوعات حزب الشعب لمؤتمره السابع

null
علي المحرز
ملاحظات بخصوص إعلان مبادئ:
– لنبدأ باسم الحزب ( حزب الشعب الديمقراطي السوري ) وتحديداً من الشعب، أرى أن المجتمع السوري مجتمع حديث التكوين، لم يتحقق فيه الاندماج المجتمعي بعد بسبب تعقيدات مكوناته، وبسبب غياب الدولة. لذلك لا أرى أن في سورية شعب بالمعنى الحديث للمفهوم.

كما أن كلمة شعب تحيل إلى التسلط والنيابة والاستبداد، باسمه نحن سلطة ومنه نستمد شرعيتنا، وكل الدكتاتوريات حكمت وتسلطت باسم الشعب.
من هنا أجد أن في اسم الحزب ما يتنافى مع بعض طموحات الحزب في الحرية والديمقراطية والمواطنة. واقترح أن يكون اسمه مرتبطاً بتلك القيم أكثر، ولكي يكون منسجماً مع اسمه اقترح أن يركز الحزب على مفهوم الدولة التي تقوم على مجموع المواطنين، وخصوصاً أن الدولة الديمقراطية هي دولة المواطنين الأحرار، لا دولة الشعب.
– جاء في الفقرة (5) أن الحزب ” يستلهم فيه أفضل ما اختزنه الفكر الإنساني وتراثه العربي والإسلامي “. في هذه الفقرة رائحة قومية سلفية تتعصب لتراث العروبة الإسلامي، علماً أن سورية تاريخاً وحاضراً هي مزيج ثقافي وحضاري للعديد من الأديان والقوميات، لذلك لم توفقوا في تحديد الاستلهام، ولم تكونوا علمانيين كما تدعوا.
– جاء في الفقرة (7) ” أن الحزب يتطلع إلى الاشتراكية، ويعمل من أجل تحويل المجتمع باتجاهها، من خلال الديمقراطية وبشرطها الدائم، مع التزام الحرية أولاً .” يميل هكذا فهم وهكذا تطلع لأن يكون فهماً إيديولوجيا وتقليديا تجاوزه التنظير المعرفي؛ اليوم، تعتبر الديمقراطية في صميم الفكر الإنساني الحديث كغاية منشودة، ونظام حكم أمثل رغم المآخذ عليه، لكنه حديث العهد ويستحق التجربة. لذلك أرى أن تتطلعوا إلى النظام الديمقراطي بشرطيه، الحرية والعدالة الاجتماعية. وأرى في هكذا رؤية حل لإشكالية الخلط الفكري الذي وقعتم به في عموم الفقرات. ولكي أكون واضحاً أقصد محاولتكم الجمع والتلاقح بين مفاهيم متنافرة، عسير جمعها بهكذا طريقة ومثال ذلك، الفكر الإنساني، التراث والدين الإسلامي ( مما يشكو تراثنا المسيحي واليهودي )، الاشتراكية، الديمقراطية، القومية، الحرية، العلمانية، التكامل الاقتصادي، السوق العربية المشتركة، مشكلة الأقليات، مشكلة فلسطين.
وأقول أن النضال السلمي في سبيل تحقيق دولة المواطنين بشرطها الديمقراطي هو بداية موضوعية على طريق الدولة الوطنية التي أعتبرها أساساً لحل أغلب معضلاتنا التي أعتبر أن البحث بها الآن هو ضرب من الطوبى، إضافة إلى أنها ( معضلاتنا ) تعتبر بيئة للخلافات الزائفة لغياب التنظير والإنتاج المعرفي والفكري والفلسفي في عالمنا العربي. نحن الآن بأمس الحاجة لبداية نتفق حول ضروراتها، أما ما سيكون بعد ذلك فهو واقع في المستقبل لا نستطيع التنبؤ به.

ملاحظات بخصوص مشروع البرنامج السياسي المعدل….
جاء في بند ( 1 ) ما يلي: ” يعمل حزبنا من أجل نظام اقتصادي يستطيع فيه كل مواطن، منتجاً أو مستهلكاً، عاملاً بأجر أو مالكاً أو مستثمراً، أن يؤثر في اتجاهات الاقتصاد وإعادة توزيع الثروة بشكل دائم وعادل.”
لم يحصل أن وُجد نظام اقتصادي في أي دولة، يستطيع أي مواطن في تلك الدولة أن يؤثر في اتجاه ذلك الاقتصاد، إن لم يكن ذلك المواطن المقصود اقتصادي بنسبة ما في ذلك الاقتصاد.
أو يكون كل أفراد ذلك المجتمع فاعلين بالمطلق، وهذه وجهة نظر مثالية.
كانت الفقرة معقولة لو استكملت: ? ” وذلك من خلال المؤسسات التي تمثله، مثل المدنية أو الأهلية أو الحقوقية، أو النقابية، وغيره. إن الديمقراطية الفاعلة هي الديمقراطية التمثيلية.
………………………..
جاء في الفقرة ( 3 ) ما يلي: ” بل هي ديمقراطية واحدة. إنها النظام الحديث العالميّ القيم والأسس، والذي يقوم على مبادئ الحرية وسيادة الشعب ودولة المؤسسات وتداول السلطة من خلال انتخابات حرة ودورية.”
أختلف معكم في فهم الديمقراطية. الديمقراطية أولاً فكر، وثانياً هي ديمقراطيات ( أمريكية وفرنسية وانكليزية وألمانية ) وهي نظام حديث فعلاً لكن الديمقراطية بالتطبيق، هي النظام الذي يقوم على مبادئ الحرية الليبرالية وفكرة المواطنة والمساواة، لا فكرة على فكرة سيادة الشعب؛ لأن فكرة سيادة الشعب لا تؤسس للنظام الديمقراطي الحديث، لأن فكرة الشعب (الروسوية) أسست للدولة الشمولية ( دولة ديكتاتورية البروليتاريا، وألمانيا النازية، وكل النظم الاستبدادية التي تتسلط باسم الشعب ).
لذلك أراكم في صلب إرثكم الإيديولوجي رغم تطلعكم لعالم الحرية والليبرالية.
……………………….
في الفقرة ( 4 ) ترون أن على الدولة التدخل في اتجاهات العامة للاقتصاد. أُحيلكم إلى دراسة النظام الاقتصادي الألماني المنقذ لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، والمأخوذ به في الشراكة الأوروبية حالياً. وهذا تعريف به في عجالة، فهو النظام الذي قيل عنه ” اقتصاد السوق الاجتماعي “، لكنه حقيقة يسمى ” الاوردوليبراليزم ” أو ” الليبرالية الانتظامية “، لأنها تقوم على المزاوجة بين الانتظام والليبرالية. وهي تدعي أنها تعمل على إحياء الليبرالية الكلاسيكية ( ليبرالية القرن الثامن عشر ) التي تتشابه معها في بعديها الفلسفي والاقتصادي؛ وفي نخبويتها. أما المقولات الأساسية لهذه المدرسة، هي: الاقتصاد – النهج الإجرائي – الفلسفة – السياسة.
فهي تحمي الليبرالية من الانحراف بإقامة أنظمة اجتماعية تحيط بالحرية الاقتصادية لتنظيم عملها وحساب مردودها على المجتمع كتعويضات تعتبرها تقدمات رديفة لا تلبّى تلقائياً؛ مع الحرص على أن لا تتحول هذه التقدمات الرديفة إلى أنظمة رعاية اجتماعية. وهي نهج يرتكز على دستور اقتصادي مضمّن في الدستور السياسي، وقوامه تحقيق المنافسة معياراً أساسياً لكل سياسة اقتصادية. وفي الفلسفة، تقول النظرية أنّ الليبرالية هي نظام اجتماعي وليست قيمة فردية، وأنّ الحرية ليست قيمة خلقية مطلقة، فالقيمة المطلقة هي الانتظام الاجتماعي، والحرية الاقتصادية هي خير وسيلةٍ لخدمة هذا الهدف. وعلى المستوى السياسي، ترى أنّ على الدولة وضع أنظمة مجتمعية إرادية، مثل أنظمة محاربة الاحتكار الذي تنتجه الليبرالية والذي يقتلها ويعطل مفاعيلها المنشودة، لذلك نراها تهتم بحماية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي ما زالت حتى اليوم تشكل النسيج الأساسي والقاعدة الصلبة للقدرة التصديرية الألمانية. وتهتم بتعزيز ديمقراطية رأس المال، أي الادخار الشعبي وصيغ الضمان الترسملية.
………………………….
في الفقرة ( 7 ) التنمية الاجتماعية هي مسؤولية وطنية في المقام الأول…….
حقيقة لا تنمية على أي صعيد إلا ببرنامج وطني تضعه الدولة “الوطنية”، دولة الحرية والعدالة التي تحقق شرط الإنسان- المواطن، لأفراد المجتمع، بمعنى آخر الدولة الديمقراطية. التي تضع برامج التربية التي من خلالها يتعلم الإنسان وينتج ذاته الإنسانية، لكي يحيا، فلن يكون الإنسان حياً إلا بالتعلم، والتعلم ينتج الثقافة. الإنسان هو الثقافة، والمسؤولية التاريخية، والجهل يُنتج الخوف والهروب من المسؤوليات. أما الدول الوطن هي التي تربي شعوبها على التفكير، وتعلم الذكاء الذي ينتج حضارة ويعرف كيف يحافظ عليها. فالذكاء هو السلم والحضارة، وهو ما نحتاجه بالضبط.
……………………………
في الفقرة ( 8 ) مهامنا العربية
يرى الحزب في هذه الفقرة بضرورة الوحدة العربية، ويرسم ملامح الطريق إليها؛ ويركز الحزب على أهم مسلماته التي تقول بتفكيك الاستبداد الذي يعتبره العائق الرئيس أمام التقدم.
أرى إصراراً عند حزبكم، وهو مكرر في مؤتمرات سابقة، على أن تكون رؤيته شاملة لكل القضايا ( داخلية وإقليمية وعالمية ) وهو ما يشكل عبئ كبير على حزب يعاني مثل كل الأحزاب السياسية في سورية وعالمنا العربي من صقور وضعف في العمل السياسي لأنه لا توجد ساحة عمل سياسي وحريةَ نشاط، ولكي أكون صريحاً أكثر كما يقول المثل الشعبي ” من كبّر الحجر ما ضرب “. أقترح عليكم تبسيط رؤيتكم وحصرها في ما يمليه عليكم الواقع والضرورة والإمكانية المتوفرة لديكم؛ كأن تركزوا على آليات تفكيك الاستبداد، وتشتغلوا على تأصيل المفاهيم الأساسية للدولة الحديثة التي تبغوها.
ملاحظات عامة:
أرى أنه، لكي يكون حزبكم في صلب سورية المستقبل، العمل على إبراز هويته السورية على حساب عروبته، فسورية وطن أولاً، قبل أن تكون عربية وإسلامية، وطن حديث التشكل بحاجة ماسة لفهم فسيفسائه، لذلك لا يحتاج للذكاء السياسي فقط، بل ولعلم السياسة والفكر الإنساني. لقد أثبتم في موضوعاتكم أنكم على معرفة وأن لكم رأي في كل قضايا العالم. وهذا لا أعتبره شطارة، لأن زمن الشطارة مضى. إننا نطلب منكم عمل وإنجاز، خطط وبرامج، لا مانع من أن تكون متواضعة ومنسجمة مع إمكانياتكم المتواضعة، إن مقياس الاستمرارية لكم هو الإنجازية لا كثرة الفهم.
وأرى أن عليكم كي تستمروا تجديد شبابكم، لأنّ فكرة الدولة الوطنية الديمقراطية، فكرة شبابية حديثة العهد بحاجة لجهود شبابية، وما أقصده حقيقة بالشبابية هو الشباب العمري والعقلي.
وفي الختام أثمن عالياً شفافيتكم الفريدة في طرح موضوعاتكم للحوار والنقد، وأرجو منكم اعتبار نقدي لموضوعاتكم من منطلق حب وأمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى