صفحات سوريةفلورنس غزلان

هل سنظل ” نبوس الواوا ” دون شفاء؟

null
فلورنس غزلان
تنهض من حولنا وعلى مسامعنا ومرآنا شعوب عديدة سواء من كبواتها أو من أوبئتها وأمراضها، وتقوى شعوب أخرى على جراحها التاريخية وهزاتها الاقتصادية أو حروبها الأهلية، كما هي حال معظم شعوب شرق آسيا ودول أمريكا اللاتينية وحتى الإفريقية، إلا شعوبنا العربية ، التي تزداد غرقاً وتيهاً ، بل يصل الأمر بنا أحياناً إلى حد الاستغراب والتعجب من هذه المقدرة على استطياب العبودية والتلذذ بالمصير الأسود والاستكانة والرضوخ لديكتاتوريات تسير بنعشنا وتنتعش بمواتنا وتحيا بقدر ما تحدث من تخريب وإفساد ودمار وإعمال في التفقير والإفقار والتذرير والشرذمة، بينما نخشى حتى من الحلم والخيال ونصفق لإدامتها ونهتف لبقائها ونسعى لصون كيانها، لأنها استطاعت ترويضنا وتطويعنا لما فيه خيرها،  فمنحتنا العجز والضعف بكل أنواعه وأغدقت علينا من أيديولوجيا (الممانعة) فصدقنا، ومن خطاب ( المقاومة والسلام معاً)   فهتفنا، نسير خلف نعشنا ونضحك من سذاجة وتراجع وعينا …لا أريد هنا أن أزيد الظلام على ماهو عليه ولا أن أمنع الأمل…لكن الواقع مرير ومساحة الرؤيا في ضباب الحقيقة صعبة على كشف الخفايا ومايُدَّبر داخل جدران معابد السلطات وما تسجله الاتفاقيات المُخَدِّر منها والمُؤَجَّل، ناهيك عن المباغت والمخطط له مناطقياً أو عالمياً فقد تداخلت أوراق اللعب السياسية وترامت أطراف وأهداب الأقطاب الجامعة للمصالح السلطوية ، المفرقة لمصالح الشعوب المقموعة،  والتي تعتبر آخر من يرى ويقرأ وأول من يصفق ويعلن مؤازرته وموافقته على قطع الأرزاق والأعناق.
وصل لهيب اليقظة والصحوة لبلد صديق مجاور عريق في تاريخه ، وقريب مُصَدر لثورته التي يريد لها التوسع والانتشار والتفوق والانتصار، جارتنا صديقة اليوم عدوة الأمس (إيران) المنافحة عن عروبتنا وقدسنا ، الإسلامية في ثورتها والمتطاولة في أذرعتها حتى تصل أعناقنا وتقبض على خناقنا، لكن ثورتها اليوم تبشر بتحول خطير وتنذر بغدٍ ربما يأتي بفرج قريب لايد لنا فيه،  لكن مايفرج على جيراننا سيطولنا منه نصيب ، بعد انتصار السيد أحمدي نجاد المشكوك بأمره إيرانيا وعالمياً والاضطرابات التي تلاحقت وتتالت ثم قمعت بشدة وبأيد باسيجية صلبة ، اعتقدنا حيالها أنها لن تعود للنهوض ولن تقوى على الخروج ثانية للشارع ، فمازال شبابها يكتوون بجمر السجون ومحاكم العسف والطعن بوطنيتهم، لكنهم لاينتهون ، يغتنمون كل مناسبة ليحولوها لتظاهرة واحتجاج ، فهاهي مدن طهران وشيراز وأصفهان وغيرها يمتد هشيمها فيحرق ويصلي أعوان نجاد وينذر بخطر يزلزل عرش النووي والصاروخي.
فهل تأتينا رياح التغيير من إيران؟ ، هل يرمي أبناء فارس أحجارهم في مياهنا الراكدة لعقود ؟ هل يمكنهم أن يَصِلوا لحد إيقاظ النائمين المُنومين من معارضاتنا المتصارعة والمتحاربة والمغلوبة في ضياعها لما وصلت إليه حال هزالة طرحها وبعدها عن الواقع في محاكاته للشارع وغرقها في متاهة التنظير الأكثر تيهاً والأقصر بصيرة ، القارئة خطأً للواقع الداخلي وقواه الفاعلة ولحاجة المواطن والوطن المُهدد بوحدته الوطنية وتركيبته السكانية ومساواة أبنائه في ظل قانون يحمي الجميع دون تمييز، المغشى على عينيها عربياً وعالمياً تغرق بشبر من السراب الخادع!،  والذي يجعلها تخسر أكثر مما تكسب وتفقد كل يوم بوصلة التوجه وتضيع منها يومياً أكبر وأكثر العناصر نقاء وشفافية وعطاء ووطنية؟!…
هل سيستيقظ شارعنا الدمشقي والحلبي على كوارثه المعاشية وعجزه فيسير بعفويته التي سار عليها الأولين من أبطال استقلاله ونهضته وكتلته الوطنية بعد أن نفض يديه من معارضة واهنة موهنة ومحبطة؟ أما كفاه ناراً واكتواء دون حرارة مازوت أو فيول ؟ أما كفاه جوعاً دون بروتين خروف أو فول؟
سنظل نأمل ونعتمد وندمن الانتظار..لأنه على مايبدو.. أن قطاراتنا الفكرية توقفت عجلاتها لانعدام الوقود.. أو على الأقل ضعفه على تحريك عتلات المسير طالما أن من آمنا بهم مسيرة عمر،  قد ضلوا الطريق ويريدون لنا أن نستمرفي الضلال والتضليل لكنا مازلنا ننتظر فرجاً سيأتي… دون شك سيأتي… عن طريق عقول قادرة بعد خوض التجربة على النهوض كطائر الفينيق من لهيب وسعير الموت البطيء لتغسل مآقي جروحنا وتمسح حزنها وحزن أطفالنا من أجل دمشق أجمل ومن أجل إعلان أجدى وأوسع، أنقى وأروع.. لن يضيركم شيئاً أن تنتظروا معنا،  تحلوا فقط مثلنا بالصبر ولا تبصقوا كل البحصات العالقة بحلوقكم كي لانوجع أكثر ولا نجور في وقت ربما يعيد فيه البعض النظر في ماآلت إليه الحال العامة والخاصة، فمن عادة الشعوب المقهورة الصابرة القدرة على التسامح ومنح الفرص لمن يملك إرادة الإصلاح قبل فوات الأوان.
باريس 28/12/2009
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى