زين الشاميصفحات سورية

هل ستنتهي التناقضات والخلافات بين سورية ولبنان؟

null
زين الشامي
رغم الكثير من ردود الأفعال الإيجابية التي رافقت زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الى سورية، ورغم التهليل الكبير بالحدث من قبل الصحافة السورية ومن قبل الصحافة اللبنانية المؤيدة لسورية في لبنان، رغم ذلك كله، فثمة ما يبعث على القول إن الزيارة ورغم أهميتها في الوقت الراهن، فإنها لن تذوّب أو تلغي التناقضات والخلافات الكبيرة بين البلدين، وذلك لأسباب تتعدى الرغبة المشتركة في تحسينها ووضعها على «السكة» الصحيحة.
إن زيارة الحريري إلى دمشق اكتست أهميتها من كونها أتت بعد نحو خمسة أعوام من مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، والد سعد الحريري، وبسبب الاتهامات التي وجهت الى النظام في سورية أو مسؤولين فيه بارتكابها، لذلك فإن الزيارة هي خطوة مهمة كونها عنونت لمرحلة جديدة بين لبنان ممثلاً برئيس الحكومة وابن رئيس الوزراء الذي اغتيل، وما بين سورية ممثلة بالرئيس بشار الأسد الذي وجهت لنظامه مسؤولية ما حصل، لذلك، فإن وصف الزيارة بأنها «كسرت الجليد» بين البلدين هو وصف دقيق، نظراً إلى المستوى المتدني للعلاقة بين الحكومتين على مدار الأعوام الخمسة المنصرمة.
من ناحية ثانية، فــــإن ما رشــــح وأُعــــلن عــــن نتــــائج الزيارة وما جرى بين الحريري والأسد في دمــــشق، ورغم النفسية والانطباع الإيجابيين اللذين لوحظا على الحريري بعد انتهاء الزيارة وخلال مؤتمره الصحافي، لن يسمحا لنا بالاستنتاج أن كل شيء قد انتهى بين الرجلين، ولا يمكن لأي متفائل التعويل على ذلك والقول إن صفحة جديدة قد فتحت بين الشخصين. إن ما رشح كله إلى الآن هو الرغبة الايجابية بحل المشاكل القائمة في العلاقة واتخاذ «خطوات مؤسساتية» من كلا الجانبين لحلحلة ما كان عالقاً، لكن هل يكفي ذلك للاستنتاج أن كل شيء قد انتهى وأن الخلاقات والتناقضات بين البلدين قد تلاشت؟
ثم من ناحية أخرى، أليس ما حصل يعكس رغبة سعودية، أو نتيجة لطلب سعودي من الحريري بفتح صفحة جديدة مع دمشق، وهو ذاته ما تم الاتفاق عليه في قمة الكويت الاقتصادية الأخيرة؟ بمعنى آخر، هل هناك شيء آخر دفع الحريري إلى زيارة دمشق واللقاء مع «غريمه» في قلب دمشق والنوم في «قصره» غير ذلك؟
إنها أسئلة ضرورية، لأن الإجابة عنها تفيد في معرفة إذا كان كل شيء انتهى بين الرجلين، الأسد والحريري، نقصد جريمة اغتيال رفيق الحريري والاتهامات التي رافقتها ضد دمشق. إن القول إن كل شيء بات بعهدة المحكة الدولية ليس كافياً.
لكن ماذا بعد الزيارة، وهل حقاً إن مثل هذه الخطوات الرسمية العليا، ستمحو بجرة قلم وبلحظات ما تراكم على مر الأعوام السابقة، ليس المقصود الأعوام الخمسة الأخيرة وجريمة اغتيال الحريري فقط، بل ما تراكم منذ إعلان استقلال دولة لبنان الكبير؟
بعيداً عن الرومانسية، وبعيداً عن الرؤية القومية «البعثية» للعلاقات بين الدول العربية، وما يجب أن تكون عليه، وبعيداً عن لغة الأحلام، يجب الاعتراف أن كيانين مختلفين قد تشكلا في كل من سورية ولبنان منذ عشرات الأعوام لدرجة يصبح فيها القول إن ما يجمع الشعبين أكثر مما يفرقهما بحاجة إلى مراجعة، رغم القواسم المشتركة كلها، ورغم خصوصية العلاقة، وما يربط الشعبين من أواصر.
يكفي النظر إلى التركيبة السياسية للبنان بمكوناته وأحزابه وطوائفه كلها، ومقارنتها بالواقع القائم في سورية، لنكتشف ببساطة أن هناك بوناً شاسعاً في لبنان يوجد حالة ثابتة ومعترفاً بها ولا يوجد مثلها في سورية، تتمثل في وجود حياة سياسية في لبنان، بينما هي معدومة في سورية.
في سورية يوجد نظام سياسي مختلف تماماً عما هو موجود في لبنان. إن طبيعة النظام السياسي في سورية، وهي طبيعة ديكتاتورية استبدادية، مختلفة تماماً عن طبيعة النظام السياسي المعمول به في لبنان، حيث توجد انتخابات وحرية رأي، وإن كانت موسومة بالطائفية وتركيبة لبنان الخاصة. هذا الاختلاف، أوجد مع الوقت ذهنية مجتمعية، وأوضاعاً اقتصادية، لا تلتقي أبداً مع ما هو سائد وأصبح معتاداً في سورية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الحريات الإعلامية المتوافرة في لبنان، وحريات الرأي والتعبير، صارت جزءاً لا يتجزأ من ثقافة اللبناني، فيما الخوف والاتكالية والتفكير المعلب الخشبي، صار سمة من سمات الحياة السورية على مر الأعوام من استقلال البلدين.
وعليه، فإن الكثير من تطلعات اللبنانيين صارت بعيدة عن تطلعات السوريين، فـــــإذا كان اللبناني يتــــطـــلع اليوم إلى مزيد من الاستقــــــرار السياسي فإن الســـــوري ربما يفضل التغيير السياسي والخروج من حالة الحزب الواحد، وإذا كان اللبناني تخلص من العقد اتجاه «الغرب» على سبيل المثال، فإن السوري، لا يزال يرى في «الغرب» مشروع مؤامرة مستمرة، لا بل حالة استعمارية، وذلك نظراً إلى طبيعة الخطاب السياسي المنفتح على العالم في لبنان، والمنغلق على نفسه والمتكئ على الماضي في سورية.
أيضاً، ثم خلافات في البنى الاقتصادية في كلا البلدين، إذ تسعى سورية إلى الخروج ببطء من أخلاقيات النظام الاشتراكي والقطاع العام بعد أكثر من نصف قرن من العمل فيه، فيما لبنان لم يعرف أبداً مثل هذا النمط السياسي الاقتصادي المجتمعي الثقافي.
هذا كله عدا عن تجربة الثلاثين عاماً للقوات السورية في لبنان، والتي تركت انطباعات سيئة عند الكثير من اللبنانيين. طبعاً إذا نسينا أيضاً سلسلة من الاغتيالات السياسية التي يعتقد الكثير من اللبنانيين أن «شقيقتهم الكبرى» كانت وراءها. ما بين لبنان وسورية هناك الكثير مما يجمع، وهذا صحيح، وهو ما فرضته الجغرافيا والتاريخ، لكن صار هناك الكثير مما يفرق، وهذا ما صنعناه بأيدينا.
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى