صفحات سوريةفلورنس غزلان

الرؤيا الحولاء لسياسة أمريكا في المنطقة!

null
فلورنس غزلان
ــ العداء العربي والإسلامي لسياسة الولايات المتحدة في الشرق عامة حديث العهد، ولم يأخذ زخماً وحدة إلا بعد تكشف الانحياز والدعم لأمن إسرائيل وحماية وجودها على حساب كل مصالح الشعوب وحريتها في المنطقة، وخاصة على حساب وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته على أرضه حسب مقررات هيئة الأمم  المتحدة، التي لم تنصع لها إسرائيل يوماً ولم تجبر على الانصياع لها، وظل يتراوح بين الشد والجذب حتى بعد هزيمة حزيران 1967، فقد كانت الحركات الإسلامية أكثر قرباً للسياسة الأمريكية وتلقى منها كل الدعم  وتتخذها وسيلة لمحاربة العدو الأكبر آنذاك ” الامتداد الشيوعي” ممثلا بالاتحاد السوفييتي، وخير مثال دعمها للمجاهدين الأفغان وتسليحهم وعلى رأسهم قاعدة ابن لادن وطالبان، وقد اتسم مسلك وفهم الولايات المتحدة لسياسة المنطقة من خلال مصالحها الاقتصادية أساساً ضاربة عرض الحائط بكل قيمها التي تدعي حمايتها ونشرها في العالم و التي  لمسناها في موقفها عام 1956 إبان العدوان الثلاثي على مصر، هذه القيم التي تحاول تسويقها بأساليب ووسائل تتناقض وهذه القيم، وعلى رأسها الديمقراطية، حقوق الإنسان، الحريات العامة…الخ وحتى هذه القيم صار الأخذ بها وتطبيقها على الصعيد الداخلي الأمريكي نفسه محط تساؤل وشك بعد الحادي عشر من أيلول 2001 ، وسلوكية أجهزة الأمن حيال حرية الأفراد والمعتقدات وحرية الصحافة بشكل أدق.
ــ كيف يمكننا إذن تفسير التعاون الأمريكي الإيراني لإسقاط نظام صدام حسين كمصلحة مشتركة بين الطرفين على مبدأ ” عدو عدوي صديقي” فصمت  وترحيب الجمهورية الإسلامية  لدخول القوات الأمريكية أفغانستان وإسقاط النظام الطالباني ” المسلم “!، بعد أن كانت الولايات المتحدة صديقة العراق  الذي تدعم في حربه على إيران إبان الثمانينات من القرن المنصرم  وتسليح جيش العراق سواء بشكل مباشر أو بدعم أوربي وموافقة أمريكية؟!وهذا مافتح الأبواب أمام النفوذ الإيراني في العراق وتمدده بموافقة ضمنية أمريكية ، أو كما يمكننا تسميتها ” رد الجميل”!.
ــ الآن تجد الولايات المتحدة أن الخطر الإيراني داهم لا محالة وتحاول احتواءه أو محاربته متبعة كل الطرق الممكنة، مستعدية الدول العربية المجاورة باعتبار الخطر الإيراني يتهددها أيضا!…وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذا الرأي لكننا نسأل، لماذا لم ترَ الولايات المتحدة خطرا قادما من إيران إبان حكم الشاه؟ بل كان الصديق الصدوق لأمريكا وإسرائيل بنفس الوقت، فهل الخطر لونه إسلامي فقط أم فارسي؟…لأنه بنظرنا سواء ارتدى ثوب الجمهورية الإسلامية أو الشاهنشاهية فستبقى أطماعه فارسية مهما  تلونت، وهذا هو اختلافنا في رؤية الولايات المتحدة، لأنها تحلل القضايا والخلافات في المنطقة على أساس ” مــــذهــبـــي”، ولنا في العراق ومافعلته الولايات المتحدة منذ احتلاله عام 2003 خير مثال على التقسيمات الطائفية وتحريض هذا الطرف على ذاك أو التحالف مع هذا المذهب وقياديه ضد ذاك المذهب مما أدى إلى ازدياد الاحتقان ، الذي كان قائما في الأساس نتيجة لممارسة التطييف السياسي المتبعة في نظام صدام حسين، وبدلا من تكريس المواطنة العراقية راحت تكرس القبلية والعشائرية وتؤجج نيران الطائفية، ولم تدرك أبعاد أخطاءها إلا بعد فوات الأوان وبعد أن دفع العراقيون أثمانا باهظة من الأرواح وتدهور الأحوال المعاشية والاقتصادية والعودة ببلادهم نحو عصور بائدة ــ لكني أرى أن خيطا من نور بدأ يلوح في الأفق وأن العراقي اكتوى واكتفى من نيران القهر والدم والمذابح وصحا من سبات الطائفية،  وهاهو يسعى بعد الانتخابات الأخيرة إلى النهوض من جديد كطائر الفينيق ، وليس لدي أدنى شك في أنه سيستعيد عافيته ويكون ذات يوم نموذجا يحتذى ــ.
ــ المؤسف في الأمر أن النظرة السياسية الأمريكية للمنطقة برمتها تقوم على أساس تقييم الهوية الطائفية ونسبتها المئوية في كل شعب، وتلعب لعبتها السياسية الفاشلة على هذا الأساس، السؤال المطروح على المثقف الأمريكي والسياسي الأمريكي صاحب القرار:ــ لماذا يحق للأمريكي مالا يحق لغيره؟ الشعب الأمريكي مكون من فسيفساء من إثنيات وأقوام ” اسكتلندي، إيرلندي  إنجليزي، فرنسي، ألماني، ثم إفريقي ولا تيني…الخ” ناهيك عن الانتماءات المذهبية البروتستانتية، بشقيها ( الإنجيلي والتقليدي) ، والكاثوليكي والأرثوذكسي  ثم المسلم واللاديني،
فلماذا يتساوى فيها الإنسان الأمريكي أمام قانون يحميه بغض النظر عن طائفته أو إثنيته، بينما تعجز أمريكا عن رؤية مشرقنا دون هوية طائفية؟ وتقسمنا حسب الأكثرية…سني، شيعي، درزي ، قبطي ، علوي،  إسماعيلي…الخ، هل ترى أن شعوبنا لم تنضج بعد؟ ولم تفقه معنى الهوية الوطنية؟، وهل علينا أن نفهم أن مراهنات أمريكا على الإسلام السياسي في المنطقة تأتي من هذا المنظور؟ ، وهذا بالتالي يعني أن مستقبلنا مرهون بالإسلام السياسي ، والفضل يعود للفهم الأمريكي والتواطؤ الأوربي!!، فأوربا ليست أفضل بكثير من أمريكا والاختلاف نسبي ، ويكفي أن نلقي نظرة على بريطانيا بالذات، وكيف تعشش فيها كل حركات السلفية التكفيرية الممنوعة من الوجود عربيا أو أوربيا وأمريكياً مستغلة مساحة الحرية والقانون البريطاني لتنفذ منه إلى غاياتها، وهذا مايفسر تفاؤل بعض الأطراف الإسلامية ويجعلها تعتقد أنها المستقبل وأنها ستجعل العالم الغربي يأتي إليها منصاعاً للحوار معها” باعتبارها تمثل مستقبل المنطقة “!! ــ ورد هذا على لسان أحد قادتهم ــ . أصدر لبنان قبل فترة،  مرسوماً يحق فيه للمواطن قبول أو رفض  تسجيل مذهبه الطائفي على هويته، فقد قتل المواطن على هويته الطائفية جرى هذا  ومازال يجري في لبنان والعراق وسورية..ونأمل ألا يقف القانون عند هذا الحد، بل يتعداه لحد فصل الدين عن الدولة والابتعاد عن التقسيمات الطائفية السياسية، والألف ميل تبدأ بخطوة.
ــ خلال الأربعين سنة الماضية قدمت الولايات المتحدة كل الدعم والتعاون  لأنظمة الاستبداد العربي، هذه الأنظمة التي تحارب الولايات المتحدة علنا بسياسة إعلامية تحمل الحقد ظاهراً وتغذيه شعبياً وداخليا، باعتبار أن الولايات المتحدة هي العائق الأول أمام مشروع دولة فلسطين وأمام مشاريع النهضة الاقتصادية لهذه الدول ، كون اقتصادها يكرس إنتاجه لمحاربة إسرائيل الرافضة للسلام وأمريكا التي ترفض رعاية هذا السلام!، لهذا شكلت الولايات المتحدة ” الشيطان الأكبر” بنظر شعوب المنطقة والعدو الأول باعتباره وراء إسرائيل أو معها فهي منه وهو منها، ولم يقتصر هذا التشبيه على الأنظمة التي تستغله لصالح توقف الإصلاح والتطور والتحديث في داخل بلادها، لكنه امتد ليصبح شعار الكثير من مثقفي وسياسيي المنطقة سواء ” القومي منهم أم اليساري ثم تلاه لاحقاً الإسلامي”، مع اختلاف المنطلق الأيديولوجي لكل منهم، وبما أن أمريكا شر مطلق ، فهل يعني أننا خير مطلق؟…وأعتقد أن الفهم الأمريكي لقضايا المنطقة العالقة والشائكة كان السبب الرئيس في الوصول لهذه النتيجة، فقد غدت السياسة الأمريكية الفاشلة في المنطقة خير من يشتري العداء لذاته،فحين تدعي أن حروبها على الإرهاب هي الطريق لبناء الديمقراطية في دول تعتبرها بؤرة الإرهاب، وموطناً للاستبداد والشمولية التي تحارب إنسانها وتحرمه من أبسط حقوقه البشرية، لكن أمريكا تدعم هذه الأنظمة بغض النظر عن كونها ممن يسمى في لغة العرب ” ممانعة أم معتدلة “وتتعاون معها كما جرى مع سوريا فترة حكم الأسد الأب والابن لاحقاً، ناهيك عن النظام السعودي والمصري واليمني وكذلك الليبي بعد قص أجنحته، والذي تريد أمريكا أن تجعل منه مثالا لبقية الممانعين العرب!…بما معناه إما الأسلمة السياسية أو الشكل القذافي!! ألا نستحق غير هذا الشكل من الحكام بنظر الدولة العظمى؟!.
وهل تبنى الديمقراطيات من خلال دعم أنظمة استبدادية وغض النظر عن حقوق الإنسان كقيمة تتغنى بها  أمريكا، أم أن الإنسان الأمريكي ” سوبريور والإنسان العربي أنفريور” ـ أي الأمريكي المفضل والمختار والعربي الدوني ؟!
وهل تبنى الديمقراطيات من خلال الانفتاح الأمريكي على بعض الحركات الإسلامية الراديكالية؟ أو من خلال حربها على حركات إسلامية ترى فيها حركات إرهابية وتعاقب من خلالها شعوباً برمتها اختارت تلك الحركات؟ كما حدث بعد فوز حماس وحصار غزة وتجويعها ثم السماح لإسرائيل باجتياحها أخيرا في حرب” الرصاص المصهور”؟، وكيف لمثل هذه الحركات أن تنجح وتفوز لو لم تكن سياسة بوش ذات الكيل بمكيالين أحد العوامل الرئيسية لقيامها ونجاحها؟.
ثم كيف نفهم هذه السياسة العرجاء، حين تدعم ما تسميه ” دول الاعتدال ” في المنطقة، وبنفس الوقت تفتح أبواب الحوار لأحزاب سياسية إسلامية تحاول هذه الدول تحجيمها والحد من قدرتها على الانتشار لأنها تشكل تهديدا وجودياً لها، على سبيل المثال الحوار الذي دار بين أعضاء من البرلمان المصري( الأخوان المسلمين ) مع أعضاء من الكونغرس الأمريكي،  ومثلها لقاءآت مع إسلاميين يمنيين ومغاربة؟، وأخيراً عملية المصالحة أو التوقف عن النضال المعارض لدى الإخوان المسلمين السوريين، بإيحاء قطري ورضاء أمريكي لتقوية النظام السوري وإضعاف المعارضين له ، والسؤال هل هذا سيدعم ظهر حماس أو يضعفه سورياً؟!.
ــ في الوقت ، الذي تغلق كل السبل أمام أحزاب ديمقراطية وعلمانية؟ هذا يعني أن الولايات المتحدة لم تدرك بعد أبعاد الدروس التي مرت بها والتجارب الفاشلة التي منيت بها سياستها في المنطقة، سواء في العراق أو أفغانستان، أو الباكستان، وهذه الأخيرة باتت تشكل خطرا حقيقيا يهدد الشرق برمته الآن ، وبعد أن انتصرت حركة طالبان في وادي سوات واختارت ” الملا عمر قائدها وابن لادن نموذجها”! والخلاف المستفحل بين قطبي الحكم الباكستاني، فماذا لو امتلكت طالبان قنبلة باكستان النووية، وبقربها  قنبلة إيران الخمينية؟ .
ــ  أعتقد أن هذا العمى يعود لرؤية نرجسية وحيدة الجانب لا تقبل بغيرها الولايات المتحدة ولا تقبل بأن يُعَّلم عليها أحد لاعتقادها أنها السيدة بكل شيء وأنها الفريدة بنوعها ، وأن منظارها خير من يرى العالم على حقيقته!!، فكيف للمواطن السوري مثلاً ، أن يفهم مطالبة الولايات المتحدة وضغطها على مصر من أجل إطلاق سراح سعد الدين إبراهيم وأيمن نور ــ وبكل تأكيد نرحب بحريتهم أشد ترحيب ــ وتقف مكتوفة الأيدي حيال معتقلي إعلان دمشق وتغلق الآذان على الوضع الصحي المتدهور للنائب السابق ” رياض سيف، والكتورة فداء الحوراني، والمحامي أنور البني وشقيقه الكاتب أكرم وشيخوخة ميشيل كيلو وفايز سارة” في سجون الأسد السورية؟، كيف نفهم حوارات وانفتاح الولايات المتحدة الأخير على النظام السوري بإرسال أربعة وفود خلال ثلاثة أسابيع !، من الكونغرس الأمريكي كان آخرهم “جون كيري وهوارد بيرمان”، الذي وصف محادثاته مع الأسد بال ” إيجابية” مسلطاً الضوء على مصلحة المنطقة وسلامها المؤسس على العلاقة السوية بين لبنان وسورية، وعلى أمله أن النظام السوري سيساعد على سحب سلاح حزب الله وحماس…الخ، لا ننكر أنه تحدث عن تراجع  في حقوق الإنسان!! هل هو تراجع فقط؟ وكأننا كنا ننعم بالديمقراطية لكنها تراجعت بعض الشيء! .
هل يمكننا القول إذن ، أن المواطن السوري لم ولن يدخل في حسابات البيت الأبيض لا القديم ولا الجديد؟، ولسان حال الرئاسة الأمريكية الجديدة ليس بأفضل من الرئاسة الفرنسية الجديدة، التي فتحت الباب على مصراعيه لنظام الأسد بعد إغلاق طويل،  تحت اسم ويافطة الاستقرار أو من أجل مساعدة إسرائيل للخروج من مأزقها الأخلاقي والإنساني بعد حرب غزة وبعد نجاح اليمين المتطرف في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، والتي بكل تأكيد لن يرى السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل منفذا أو طريقا سالكاً لها، لهذا فأفضل الطرق السالكة ستكون بين تل أبيب ودمشق!! والسلام مع سورية أكثر ربحا منه مع الفلسطينيين، يفك عقدة إسرائيل المتشكلة من علاقة سورية بإيران والدور السوري بلبنان، ويمكنه أن يفضي بعد هذه الحلول إلى إيجاد تخريجة فيدرالية مع الأردن للفلسطينيين ، وتطبخ القضايا بهدوء أمريكي ليكودي وتسجل المنطقة في خانة الانفتاح والاستقرار مع بعض الورنشات للأنظمة القائمة، ولتذهب للجحيم مصالح الشعوب وحقوقها وكل القيم الإنسانية!
كيف نرى إذن ماقالته وزيرة الخارجية ” السيدة هيلاري كلينتون” في جلسة الاستماع التي عقدتها في الكونغرس بعد جولتها :” أن الحوار مع دمشق قد يجعلها لاعباً إقليمياً”!نعم تلعب وتلعبون معها، لكن الكرة هي نحن ، والثمن هو الإنسان ياسيادة الولايات المتحدة حيث قامت شرائع حقوق الإنسان!.
بعد هذا السرد المبسط،
ألا ترون معي أن الاضطراب والتناقض سمتان من سمات السياسة الأمريكية في المنطقة ؟، فهل ستستمر حاله بعد رئاسة باراك أوباما؟ وهل يمكننا أن نعول على تغير ما لصالح الإنسان وحريته ومستقبله في المنطقة؟
ــ باريس 23/02/2009
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى