أبي حسنصفحات الناس

هيثم المالح وشيخوخة الكبار التي لم تراع

null
أُبي حسن
لم يتحدث الأستاذ هيثم المالح على فضائية بردى المُعارضة, بأشياء تبرر اعتقاله بتاريخ 14/10 الماضي, ناهيك عن الطريقة المخجلة في الاعتقال المُفترض أن سوريّا تجاوزتها!. فبالاستناد إلى التغطية التي قدمتها السيدة سهير أتاسي(إذ لم يتسن لي متابعة الحلقة على التلفاز) عن حديث السيد المالح, والمنشورة في عدد من المواقع الالكترونية المُعارضة, من الاستحالة أن يجد القارئ سبباً وجيهاً للاعتقال! وكل ما قرأناه في التغطية المذكورة, سبق للأستاذ المالح أن عبّر عنه في كتاباته, وبعض الرسائل التي وجّهها إلى عدد من السلطات المعنيّة في البلاد بما في ذلك مقام رئاسة الجمهوريّة, فأين المشكلة؟
من جانب آخر, سوريّا خرجت من عزلتها الدوليّة, وبات الغرب بحاجة للحوار معها أكثر من حاجتها هي للحوار معه, ما يعني أن ينعكس ذلك إيجاباً -لا سلباً- على الداخل السوري, مع المختلف والمُعارض قبل الموالي والممالئ.
تحدث السيد المالح عن الفساد, ويحق لأحدنا أن يستغرب استنكار من اعتقله مثل ذلك الحديث, لا سيما في الوقت الذي يتحدث فيه أركان النظام عنه, قائلين في بعض لقاءاتهم وتصريحاتهم أن ثمة تراجعاً في الاهتمام بقضايا الداخل وإصلاحه, مبررين ذلك بالضغوط الخارجيّة, حتى أن السيد رئيس الجمهوريّة ذكر هذا في أكثر من حوار صحفي أُجري معه, فأين الغضاضة إذا تحدث عنه السيد المالح, مع أننا لا نوافقه الرأي إن كل مسؤول في البلد يمتلك حاليّاً من 10- 15 سيارة, فمن يمتلكون هذا العدد من السيارات الحكوميّة, إن وجدوا, فهم قلّة؟.
في السياق ذاته, إذا كان انزعاج السلطات بسبب المكان الذي تم عبره اللقاء, وأعني فضائية بردى, فهل تتوقع هذه السلطات من المُعارضين أن يعبّروا عن آرائهم وأفكارهم وتصوراتهم حول الداخل السوري, في الإعلام السوري الرسمي وشبه الرسمي, مادام ممنوعاً عليهم؟! إذاً, من الطبيعي أن يقول الرجل ما قاله عبر المنبر الذي يناسبه, وان كان لا يروق للسلطة ولسواها!. ومن نافلة القول, إن ليس كل ما يصدر عمن تتوجسّ السلطة منهم “شرّاً” هو باطل وخاطئ.
ومن المؤكد أني لستُ وحدي من يتساءل مستغرباً, هل في قول المالح «كل من يتحرك في سوريا في الجانبين السياسي أو الاجتماعي, يتحرك بشكل سلمي. فإعلان دمشق مثلاً ينادي بالتغيير السلمي الديمقراطي المتدرج.. وما من أحد يعتقد أن هناك طريقاً للتغيير بالعنف أو الثورة» هذا ما “يوهن نفسية الأمة” أو “يضعف الشعور القومي” أو “أن ينال من هيبة الدولة” أو يسيء إلى أي جهة كانت؟!.
أسمح لنفسي أن أذكّر هنا من اعتقلوا السيد المالح, إنه منذ قرابة العام, عقب قذف منتظر الزيدي للرئيس جورج بوش بفردتي حذائه, كتب مقالاً, يعرب فيه عن مدى سعادته ببطولة الزيدي, مناشداً الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إصدار طابع تذكاري يخلّد المناسبة(ربما كان وحده من طلب مثل ذلك الطلب المفترض أنه وجيه ونبيل, لا سيّما في ظل النقمة العارمة على بوش وسياساته في المنطقة), ولعمري إن شخصاً يطلب مثل هذا الطلب من الرئيس الإيراني تحديداً, هو من الساعين إلى تقوية أزر الأمة والشد من عزيمتها لا من الذاهبين إلى هدمها ووهن نفسيتها, خاصة إن طلبه ذاك, كان في أوج الخلافات السورية- السعوديّة. بكلمة أخرى: إن الرجل ليس له من غايات شخصيّة أو دنيوية سوى ولائه الصادق لوطنه ولأمته, وإلا لكان راعى “مشاعر” السعوديين حينذاك, كما تفعل(وفعلت) بعض المعارضة السوريّة. نسوق هذا, مع العلم أنّا لسنا من أنصار الأستاذ المالح إيديولوجياً وسياسياً, وليس بالضرورة أن نكون كذلك, بيد أن خلاف الرأي معه لا يفسدّ للودّ قضيّة, فكيف ستكون الحال إذا ما كانت جلّ مطالبه, هي مطالب غالبية السوريين, بما في ذلك النظام الذي سبق أن رفعها وتبناها؟.
حديثُ الأستاذ المالح عن الهوة السحيقة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء, ليست سرّاً. وقوله إن الفقير في سوريا يزداد فقراً بينما يزداد الغني تخمة, وبغض النظر عن مدى صحته ودقته من عدمها, بيد أن وجود الفقر والفقراء ليس حكراً على بلادنا, وليس عيباً أن يكون عندنا فقراء, لكن من المعيب التستر على وجود تلك الشريحة في المجتمع وإهمالها!. إذاً, فالأستاذ لم يفش سرّاً مكنوناً وخطيراً!. وإن كان من الصحيح أن أجور الموظفين في القطّاع العام تحسنت بشكل ملحوظ, لكن من الصحيح أيضاً أن غالبية العاطلين عن العمل, ونسبتهم كبيرة في البلاد, هم من الفقراء!.
أما إشارته, من بعد حديثه عن نهب المال العام واستشراء الفساد, إلى أن كل مجموعة باتت تفكّر بالتحرك بصورة من الصور, كان ينبغي على المعنيين بالأمر شكره على قوله هذا عوضاً عن اعتقاله. فمن الطبيعي أن تلجأ بعض الجماعات المتضررة من السياسات الاقتصادية للحكومة, إلى وسائلها الخاصة(نعتقد أن تبقى سلميّة على المدى المنظور) للتعبير عن غضبها جرّاء تضررها, خاصة الشرائح الفقيرة(وبقايا الطبقة الوسطى) في البلاد وهم الغالبيّة. مثال ذلك الحملة التي جرت على مرحلتين, لم يكتب لها النجاح, تحت عنوان: “موبايلي مسكّر أو حزيران”.. وهي حملة لا دخل للمُعارضة وهيثم المالح فيها, بل ببساطة قادتها شرائح اجتماعية متعددة ومختلفة في سوريّا منها جمعية حماية المستهلك على ما أذكر.. السؤال الذي يخطر في البال هنا, وهو موجّه للجهات المعنيّة في النظام: هل تراها ستُقدم على اعتقال كل مواطن سوري يعلن عن احتجاجه السلمي على ارتفاع أسعار المكالمات الخلوية, من خلال إغلاقه لجهازه طوال يوم كامل, إذا ما قدر للحملة النجاح في قادم الأيام؟!
ليس بالضرورة أن نوافق السيد المالح في كل ما قاله في مقابلته, وهذا ليس تبريراً لما جرى معه! وبعض ما ذكره مردود عليه, وينطوي على بعض المبالغات والمفارقات, فقوله إن الاعتقالات هذا العام ازدادت عن العام المنصرم غير دقيق(أي شخص يستطيع الاستعانة ببيانات أي منظمة حقوقية كي يتبيّن له العكس تماماً), وان جرت خلاله اعتقالات تعسفيّة وجائرة بحق بعض الناشطين والصحفيين, كالصديق مهند الحسني, ومؤخراً معن عاقل, وإسماعيل حج محمد… الخ, الذين نرجو رؤيتهم, هم وبقية معتقلي الرأي, خارج تلك الأقفاص الكريهة في أقرب وقت.
والمبالغة ذاتها نجدها أثناء حديثه عن المرسوم 14 من عام 1969 الذي أباح –بحسب قوله- لعناصر الأمن ارتكاب الجرائم دون محاسبة. وان كنا نجد من الضروري إعادة النظر في المرسوم, لكن الزعم بأنه يبيح ارتكاب الجرائم من دون محاسبة, من شأنه أن يوحي للمتلقي بأن عناصر الأمن يقومون بحملة إبادة حقيقية لا مجازية في الشارع السوري!.
أما بخصوص حديثه عن القانون 49 الخاص بالإخوان المسلمين, وقانون الطوارئ. فإذا كان من الصحيح بمكان وجود هكذا قوانين ومراسيم نأمل زوالها أو تعديلها, غير أنه من المبالغة القول إن تلك القوانين مطبقة على مدار الساعة, أو إنها مفعّلة بحرفيتها, ولو كان الأمر كذلك, لما كنّا رأينا بشرياً يمشي في أي شارع من شوارع بلادنا!. فعلى سبيل المثال, نجد أن قانون الطوارئ لا يفعّل إلا في حال بعض نشاطات المُعارضة. وقل الأمر ذاته, في القانون 49 القاضي بإعدام أي منتم لجماعة الإخوان المسلمين, ففي حدود معرفتنا أنه لا يوجد إسلامي واحد أُلقيّ القبض عليه في سوريّا(على الأقل خلال العشرين عاماً المنصرمة), سواء أكان من الجماعة أم من المقربين منها, قد تم إعدامه بموجب ذلك القانون الذي تتاجر بوجوده غالبية المُعارضة السوريّة, من دون أن تفرق بين وجوده مطالبة بإلغائه, وبين وجوده مُعطلاً مطالبة بإلغائه(منذ فترة غير بعيدة, دخل البلاد أحد الإسلاميين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين, وألقت السلطات الأمنية القبض عليه في المطار. محكمة أمن الدولة حكمته بالمؤبد, من ثمّ خُفّض الحكم 12 سنة. وكما هو واضح إن الرجل لم يعدم وفقاً للقانون المذكور, مع معرفتنا أن بعض الإسلاميين ارتكبوا مجازر بحق الشعب السوري).
تحدث الأستاذ هيثم عن العشوائيات, وطريقة تناوله لها كان فيها الكثير من الفظاظة مع المعذرة, خاصة أثناء قوله: “إن هناك تدميراً مدبر وممنهج لدمشق”, متغافلاً أن العشوائيات ليست حكراً على دمشق التي سكن فيها –وما يزال- الكثير من السوريين غير الدماشقة لاعتبارات عدة, منها على الأقل كونها العاصمة ومركز استقطاب تجاري وثقافي وصناعي.. الخ, والمفترض أن تتاح فيها فرص العمل للباحثين عنه من السوريين أكثر من سواها. نعطف على ذلك قربها النسبي من الجبهة العسكرية ما يعني وجود ثكنات الجيش في جوارها. من دون أن ننفي احتمال وجود غايات سلطوية (في مرحلة سابقة) لمثل تلك العشوائيات من بعد أن صارت أمراً واقعاً, إضافة إلى سوء إدارة من قبل المعنيين بالأمر كما تفضّل الأستاذ المالح.
بالرغم من ذلك, العشوائيات ليست “ميزة” تخصّ سوريّا فحسب, وهذا ما يعرفه أي شخص سافر خارج البلاد وفي طليعتهم السيد المالح. أضف إلى ذلك أن دمشق ليست فقط القابون وحي تشرين ومزة 86 وعش الورور وحي الورود ودف الشوك وجبل الرز.. الخ, إذ دمشق كذلك, مزة أتوستراد بشقيها الغربي والشرقي, وحي المالكي والتجارة والعدوي ومساكن برزة وقرى الأسد وضاحية قدسيّا وضاحية حرستا ومشروع دمّر والزاهرة الجديدة.. الخ, وهذا ما لايحبذ رؤيته معظم من يتحدثون عن العشوائيات, غالباً بسوء نيّة.
تطرقُ السيد المالح إلى ضرورة إنعاش المنطقة الشرقيّة مهم وضروري, وقد سبق أن قرأنا هذا العام عن بضعة مشاريع إنمائية مدرجة على جدول أعمال الحكومة. لكن وان كانت تلك المشاريع قد تأخرت جداً, لم يكن يقلل من قيمة الأستاذ المالح, الإشارة إلى أن حكومة العطري خصصت من موازنة هذا العام لإنشاء عدة مشاريع إنمائية في المنطقة الشرقية والجزيرة السوريّة.
تحصيل حاصل, إن الأستاذ هيثم المالح, لم يرتكب ما يُجيز اعتقاله بمثل تلك الطريقة المُخجلة؛ وهو اعتقال يُسيء إلى سوريّا والى المكاسب الخارجيّة التي حققها النظام, الذي يفترض أن يلتفت إلى الداخل بما من شأنه النهوض بواقع السوريين وتحسين أحوالهم بدءا من شروط عيشهم وليس انتهاء بالحريّات العامة. ولا نكون فضحنا سرّاً إذا ما قلنا: إن الاعتقال لن يقلل من قيمة هيثم المالح الناشط والمحامي الغني عن التعريف, وان كان السجن لا يليق بشيخوخته التي لم تراع, لكن من المؤكد أن الُعيب على من … أياً كان, والعيب لا يبق عيباً إن تم تداركه.
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى