صفحات مختارة

الحريات الإعلامية في العالم العربي عام 2008

رلى مخايل
قلق الحكومات من ثورة الفضائيات يدفعها الى استعادة السيطرة والمشاهدون العرب لم يعد يرضيهم البعد الواحد للحوادث
يشير التقرير السنوي لـ”لجنة حماية الصحافيين” لعام 2008 الى ان الحكومات العربية اخذت تقلقها تغطية الفضائيات العربية للخلافات السياسية العربية، والإرهاب والحروب الأهلية والمصاعب الاقتصادية والفشل في التنمية، فكان اقتراح اقرار”مبادئ تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني الفضائي في المنطقة العربية”، محاولة لاستعادة سيطرة هذه الحكومات على وسيط إعلامي اخذ يروج لثقافة الاحتجاج.
بعنوان “اعتداءات على الصحافة”، اعلنت “لجنة حماية الصحافيين” عن تقريرها السنوي، الذي وثّق الانتهاكات في العام الفائت وحلّل وشرح المناخ والظروف المحيطة باوضاع حرية الرأي والتعبير في مناطق عدة من العالم ومنها العالم العربي. وابرز ما توصل اليه التقرير ان السلطات العربية اليوم تجد نفسها تسبح عكس تيار توقعات المشاهدين في العالم العربي. فالمحتوى الإعلامي الذي يقدم بُعدا واحدا للحوادث لم يعد يرضي هؤلاء المشاهدين بعد الآن. يورد التقرير انه منذ نحو خمسة اعوام فقط كان يمكن للحكومات أن تتغاضى عن تغطية الفضائيات لأنها كانت تصل إلى شريحة صغيرة فقط من السكان. اما اليوم فالمشهد تبدل، فبواسطة كابل صغير يكلف ما يعادل اربعة دولارات أمريكية يمكن للأسرة الاستفادة من شبكات الأقمار الاصطناعية وتوفير فرص الحصول على الموجات غير الأرضية ايضا. وما مبادرة وزراء الاعلام العرب لإقرار وثيقة البث الفضائي الا خير شاهد على القلق المتنامي للحكومات.
نحو استعادة السيطرة
ان محاولات سيطرة الحكومات على الفضائيات العربية تجلت في اكثر من حادثة في دول عربية مختلفة، غير ان رسالتها الجماعية وجهتها الحكومات العربية في شهر شباط 2008، حين تقدمت مصر والسعودية بطرح لإطار تنظيمي لمحطات التلفزيون الفضائية في اجتماع وزراء الإعلام لجامعة الدول العربية في القاهرة. صدرت الوثيقة بعنوان “مبادئ تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني الفضائي في المنطقة العربية”، واستهدفت على نحو واضح المحطات المستقلة والمملوكة من القطاع الخاص التي تبث انتقادات للحكومات العربية.
وافق مجلس وزراء الإعلام العرب الذي يضم 22 عضوا على الوثيقة من دون معارضة، فيما امتنعت قطر وغاب العراق عن التصويت. يسعى الميثاق إلى منع بث أي محتوى قد يكون له “تأثير سلبي على السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية والنظام العام والآداب العامة”، وكذلك ما يمكن أن “يتناقض مع مبادئ التضامن العربي.” كذلك اعتبر الميثاق “التشهير بالقادة أو الرموز الوطنية والدينية” أمرا خارجا عن الحدود.
كما دعت الوثيقة الدول الأعضاء إلى اتخاذ “التدابير التشريعية اللازمة للتعامل مع الانتهاكات”، وهي الخطوات التي يمكن أن تشمل مصادرة المعدات وسحب التراخيص. ولم يتضح على الفور كيف ستضع كل حكومة القيود الجديدة حيز التنفيذ، ولكن حكومات عدة تبدو على استعداد لتنفيذ المبادئ التوجيهية.
اكبر تهديد للحرية
يقول كمال العبيدي، مستشار اللجنة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “ان اللجنة قبل صدور تقريرها السنوي تحلل ما وثقته من معطيات في كل منطقة وتصل الى استنتاجات. ونحن لاحظنا ان وثيقة البث الفضائي العربي التي تم اقرارها العام الماضي تشكل اكبر تهديد لحرية الرأي والتعبير. وقد جاءت هذه الوثيقة كرد فعل من الحكومات العربية على التغطيات الاعلامية التي قامت بها الفضائيات العربية في الاعوام الماضية لأزمات اقتصادية واجتماعية عدة، ولاسيما منها الفساد والفقر وسلطت الضوء على عجز الحكومات عن معالجة هذه المشاكل”. ويتابع العبيدي: “لقد ادركت الحكومات العربية انه ليس من مصلحتها ان يسلط الاعلام الفضائي الضوء على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والفشل في التنمية، فحثت هذه الحكومات الدول على اصدار قوانين تعكس ما جاء في هذه الوثيقة من بنود. وهي تضم عناوين وعبارات فضفاضة مثل “عدم الاساءة الى التضامن العربي والرموز الدينية والسياسية”… ونتساءل ما هو التضامن العربي، او من هي هذه الرموز التي اصبحت مقدسة ولا يجوز المساس بها وتبقى في السلطة مدى الحياة من دون الحق في نقدها او القاء الاضوء على فشلها؟” ويشير العبيدي الى ان بعض الدول العربية بدأت التضييق على مكاتب الفضائيات، وخصوصا في المغرب ومصر، وهذه كلها تطورات سلبية مهددة لحرية الرأي والتعبير. كما يشير التقرير الى تكاثر المحاكمات ذات الطابع السياسي كما حصل في مصر، حيث كانت هناك محاكمات لـ 4 رؤساء تحرير.” وما يدعو للقلق ان هذه المحاكمات تعتمد على قوانين سالبة الحرية وتهدد الصحافيين بالحبس. وهي تجري في المنطقة العربية حيث لم يتحرر القضاء بعد من قبضة السلطات السياسية. واليوم اكثر ما تعمل عليه المنظمات المدافعة عن الحريات هو إلغاء القوانين التي تهدد بالحبس وتجرم حرية الصحافة وما يحدث في انحاء العالم المختلفة”.
مخاطر الانحياز
ويتابع العبيدي:”لقد سجلنا حالات عدة تبعث على القلق. فمثلا: لاحظت اللجنة لبنانيا ان عددا كبيرا من الصحافيين اصبح منحازا لجهات سياسية في السلطة او في المعارضة. وهذه الظاهرة تبعث على القلق. لان الانحياز يعرض لمزيد من خطر الاعتداء على الصحافيين. كما لاحظ عدد من الزملاء في لبنان ومنها “جمعية مهارات” ان هناك تراجعا لدور الصحافي الذي اصبح يعتبر نفسه مسؤولا عن عكس وجهة نظر الجهات التي تمثله. وهذا ما حدث في الاراضي الفلسطينية حيث اصطف عدد من الصحافيين اما مع السلطة الفلسطينية او مع “حماس” وهذا نوع من التراجع الذي يعرّض الاعلاميين لمزيد من المخاطر…”
اما في ما يتعلق بالجانب الايجابي لاوضاع الحريات عربيا، فاللجنة تنظر ايجابيا الى موضوع تزايد اعداد المدافعين عن حرية الرأي والتعبير في المنطقة.
ويقول العبيدي: “ان ما يجري اليوم من ناحية تزايد اعداد المدافعين عن حرية الرأي والتعبير من جهة ومحاولة الحكومات للسيطرة عليهم من ناحية اخرى يذكر بما كان يجري في دول اخرى، حيث كانت الحكومات تسيطر بشكل مطلق. وامثولات التاريخ تعلم ان قبضة الحكومات الاستبدادية لا يمكن ان تستمر. والامل ينبعث من قراءة التاريخ، حيث نرى ان دولا كثيرة رزحت تحت نير الاستبداد تحررت، وهي تشهد اليوم ازدهارا للحريات…”
إجهاض ثورة الفضائيات
وفي عرض تحليلي بعنوان “اجهاض ثورة الفضائيات” يورد جويل كامبانيا، المسؤول السابق في لجنة حماية الصحافيين عن برنامج الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مقدمته الملاحظات الآتية: “تعتبر مباني الإذاعة والتلفزيون الحكومية من بين أكثر المواقع تحصينا في العالم العربي. وفي الرياض، ستجد حراسا مسلحين، وأكياس الرمل، وسياجا من الحديد السميك يحوط مبنى وزارة الإعلام ومقر التلفزيون السعودي. وعندما كانت الحكومة المصرية في التسعينات تخوض مواجهة وحشية ضد المتطرفين الإسلاميين، نشرت الحكومة الدبابات حول مبنى الإذاعة والتلفزيون في وسط القاهرة. رغم أن الصحف لها أهميتها في نشر الأخبار وإبداء الرأي، إلا أن التلفزيون له تأثير واسع في أرجاء العالم العربي. ومع قدرة التلفزيون على الوصول إلى الجماهير في المنطقة التي ترتفع فيها معدلات الأمية، فلا عجب أن الأنظمة تشدد الحراسة على هذا الوسيط الاستراتيجي. الآن، ومع ظهور الفضائيات باعتبارها وسيلة جماهيرية لنقل الأخبار والتحليلات النقدية، فإن ثمة جبهة جديدة في النضال من أجل حرية الصحافة قد ظهرت”.
نمو خطاب منفتح
ويشير سياق التحليل الى ان وسائل البث العربية لم تكن في السابق الا عالما من البرامج الإخبارية “الطنانة”، ومنبرا للدعاية للدولة، وهو ما استمر حتى مطلع التسعينات، حينما ظهرت جهات إخبارية فضائية جديدة مثل قناة “الجزيرة” القطرية. رغم كونها هدفا دائما للرقابة الحكومية والمضايقات، كانت قناة “الجزيرة” قادرة على أن توفر أخبارا ونقاشات سياسية غير خاضعة للرقابة للملايين من العرب. واليوم، تنامى عدد محطات البث الفضائي حتى بلغ المئات، وقفز عدد مشاهديها إلى عشرات الملايين، حيث اصبح امكان مشاهدة تلك الفضائيات أقل كلفة. ورغم أن محطات عدة لا تزال مملوكة من الحكومات أو مدعومة حكوميا بشكل أو بآخر، ومنها قناة “الجزيرة”، فقد شهدت المنطقة نموا ملحوظا في الخطاب الإعلامي المنفتح. وقد يبدو هذا الاتجاه كأن لا رجعة فيه، ولكن الحكومات عملت بجد في السنة الماضية لتبديد هذا المفهوم. ومع عدم الارتياح الحكومي لتغطية الفضائيات للخلافات السياسية العربية، والإرهاب والحروب الأهلية والمصاعب الاقتصادية، باتت الحكومات تحاول استعادة السيطرة على وسيط إعلامي تعتقد أنه أصبح خارج السيطرة”.
الخوف من ثقافة الاحتجاح
“لعبت محطات التلفزيون هذه دورا مهما في تغطية التظاهرات والاعتصامات”، على حد قول الصحافي المصري وائل الإبراشي، مقدم البرنامج الحواري “الحقيقة” على دريم 2، وهي قناة فضائية خاصة. ويضيف: “إن السلطات تخشى من انتشار ثقافة الاحتجاج، وخصوصا في ظل عجز وسائل الإعلام الرسمية… أصبحت المحطات التلفزيونية الفضائية المصدر الرئيسي لزيادة الوعي وتشكيل الرأي العام”.
ويخلص التقرير الى ان الميثاق الذي اعتمده وزراء الإعلام العرب يحمل في المقام الأول رسالة إلى الفضائيات، مفادها أن الحكومات على استعداد للدفع في الاتجاه المضاد. ولكنه أيضا يقدم للحكومات العربية زخما وهيكلا قانونيا لفرض قيود محددة. وسيتضح أكثر في السنة المقبلة ما إذا كانت ثورة الفضائيات العربية ستستمر، أو أن الحكومات ستتمكن من فرض سطوتها على هذا الوسيط. وعلى الارجح، فستحاول السلطات انتقاء بعض جهات البث الفضائي لتكبلها بالرقابة والمضايقة، وكذلك ستحاول فرض قوانين جديدة مقيدة، وإحباط جهود هادفة لخصخصة الإذاعة والتلفزيون.
المشهد لبنانيا
اما المشهد اللبناني فقد افرد له التقرير حيزا وبعض ما جاء فيه:” وصل هذا البلد المنقسم بشدة إلى حافة اندلاع صراع شامل في منتصف العام 2008، بعدما استخدم القادة السياسيون والدينيون وسائل الإعلام لتأجيج الانقسامات الطائفية وأخفقوا في التزام الحكم التوافقي الذي تم التوصل إليه في نهاية الحرب الأهلية التي امتدت خلال الفترة 1975 – 1990. الحرب الكلامية التي بدأت في كانون الأول/ 2006 باستقالة الوزراء الموالين لـ”حزب الله” الشيعي وحلفائه من الحكومة الائتلافية التي ترأسها رئيس الوزراء السني فؤاد السنيورة، تحولت صدامات قاتلة في الشوارع في أيار 2008.
ففي بيروت الغربية، التي تسكنها غالبية من المسلمين السنة، هاجم مسلحون مكاتب وسائل الإعلام التابعة لـ”مجموعة المستقبل” الإعلامية، التي يمتلكها سعد الحريري قائد الأغلبية البرلمانية ونجل رئيس الوزراء السني السابق رفيق الحريري. ويواصل محققون من الأمم المتحدة التحقيق في واقعة اغتيال رفيق الحريري التي حدثت في عام 2005، وارتباطها المحتمل بـ 22 حادثة اغتيال أخرى، بما فيها اغتيال الصحافيين البارزين سمير قصير وجبران تويني من صحيفة “النهار”. وفي نيسان، أوردت وكالة “رويترز” تصريحا لرئيس فريق التحقيق المكلف من الأمم المتحدة، دانيال بيلمار، قال فيه إنه جمع “أدلة تشير إلى أن شبكة من الأفراد موجودة من السابق قامت بتنفيذ عملية اغتيال الحريري عام 2005 وأنها مرتبطة بسلسلة من الاغتيالات السياسية الأخرى في لبنان”.
ويقول أقارب وأصدقاء الصحافيين القتيلين، اللذين كانا يُعرفان بانتقادهما النظام في سوريا المجاورة، للجنة حماية الصحفيين إنهم يأملون في أن يكشف محققو الأمم المتحدة عن هوية القتلة ويجلبونهم أمام المحكمة الخاصة بلبنان. وقد تأسست المحكمة الخاصة عام 2006، وهي مكلفة بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي ملاحقة المسؤولين عن اغتيال الحريري والاعتداءات المرتبطة بهذه العملية، و ذالك في إطار القوانين الجنائية اللبنانية.
ويقول أشخاص عدة للجنة حماية الصحافيين إن التأثير السياسي الجارف على وسائل الإعلام يشكل مشكلة كبيرة أدت إلى انتشار الشك وعدم اطمئنان الناس بعضهم لبعض وإساءة الفهم في صفوف المجتمع اللبناني المنقسم”.
ويشير التقرير الى ان وسائل الإعلام اللبنانية، وخصوصا الإذاعة والتلفزيون، “ظلت تستخدم كناطقة باسم الفصائل الرئيسية منذ استقلال البلاد عن فرنسا وإقرارها الميثاق الوطني لتقاسم السلطة عام 1943. وكثيراً ما تعهد القادة السياسيون بالإحجام عن استخدام وسائل الإعلام لتأجيج التناحر الطائفي، ولكنهم ظلوا يتراجعون عن تلك الوعود”.
وذكّر التقرير بما أوردته جمعية “مهارات”، وهي مجموعة محلية تناصر حرية الصحافة والديمقراطية، في دراسة أصدرتها في أيلول 2008، أن بعض وسائل الإعلام المتنفذة سياسياً أدارت ظهرها لقواعد المهنة الصحفية ولأخلاقياتها قبل اندلاع المصادمات وأثناءها. اذ اشارت الجمعية للجنة حماية الصحافيين الى انه “لم تكن وسائل الإعلام مسيسة وغير مراعية الآراء الأخرى من قبل بالقدر الذي أصبحت عليه حالياً، وذلك منذ نهاية الحرب الأهلية قبل 18 عاماً. لذا ثمة حاجة ملحة لظهور وسائل إعلام مستقلة”.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى