صفحات سوريةوهيب أيوب

فلسفة السلطة وعجز المعارضة

null
وهيب أيوب
استطاع النظام الديكتاتوري في سوريا عبر أكثر من ستة عقود البقاء في السلطة والحكم، بانتهاج فلسفة وإستراتيجية واضحة نستطيع اختزالها بمبدأ “الميكيافلية”، وهو البقاء في السلطة والاستمرار فيها إلى أبد الآبدين، دون الاهتمام لنوع الوسائل والأدوات، ما دامت تؤدي الوظيفة وتحفظ النتيجة، حتى ولو كانت على حساب الشعب والوطن. فالغاية الأساسية هي السلطة، وأما الوسائل فعدّد ولا حرج.
وتبقى الشعارات الوطنية والقومية والمتاجرة بالقضية الفلسطينية وغيرها مُجرّد “عدّة شغل” وأدوات تدخل في سياق الهدف الأعلى للسلطة، وهو البقاء.
لهذا نرى أن النظام في سوريا بارع في الخروج من مآزقه الداخلية، عبر صفقات إقليمية وعربية ودولية تُجدّد بقاءه واستمراره، وهذا ما فعله في السنوات الأخيرة بُعيد اغتيال الحريري وخروجه من لبنان وعلو صوت وحراك المعارضة السورية. وبهذا يثبت النظام السوري قدرته على إدارة لعبة فلسفة البقاء، مقابل عجز المعارضة عن طرح فلسفة بديلة والاكتفاء بفذلكة التغيير.
وأساليب النظام في قمع معارضيه وترهيبهم والزج بهم في السجون وتشريد الآخرين أو تصفية البعض الآخر، أو ترغيب ضعيفي النفوس منهم، تلك مسائل باتت تعلمها المعارضة السورية كما يعلمها الشعب السوري برمته، وتدخل كل تلك الوسائل والأدوات في فلسفة البقاء والاستمرار في السيطرة على البلاد التي احترفها النظام ببراعة منذ عقود.
الحقيقة أن النظام أمينٌ لفلسفته ودؤوب في اجتهاده بها، حتى لو تطلب الأمر منه أحياناً إقصاء أو التخلّص تماماً من بعض رموزه الذين شذّوا عن القاعدة أو انتهت صلاحية خدمتهم أو وجودهم.
حتى أن النظام يعتمد، في استخدام بعض أساليبه القديمة الصَدِئة، على جهل الناس بمن فيهم الكثير من المثقفين والمعارضين السياسيين.
فما زالت إسرائيل كشمّاعة وفزّاعة يستخدمها النظام من حينٍ لآخر سارية المفعول منذ العام 63 وحتى اليوم، في معارك ليس فيها للنظام سوى دور المتفرّج وحاصد للغنائم السياسية التي تقوّي من وجوده واستمراره.
واستغرب – بعد كل تلك التجارب والعقود- كيف تنطلي على البعض بأن هذا النظام هو نظام الممانعة والمقاومة؟! إنه على كل شيءٍ قدير…..!
ومفهوم المقاومة لوحده، يحتاج لدى البعض لتفسير وتوضيح، فما زال الكثير من المثقفين والسياسيين لا يفهمون من المقاومة إلا فرقعة السلاح وإطلاق الصواريخ!
أما القضاء على الأميّة والجهل والفقر والتخلّف، وبناء المجتمع والإنسان وحقوق المرأة ومساواتها، وبناء دولة المؤسسات والقانون، والقضاء المُستقِل، والعقل الحرّ وحرية الرأي والصحافة، والأمن الاقتصادي والاجتماعي، ومستوى التعليم وأساليب التدريس في المدارس والجامعات، فهي مجرّد كماليات لا يحتاجها حاملو الرشاشات ومُطلقو المدافع والصواريخ. وكأن كل التجارب والأحداث والصراعات والحروب التي دارت أمامنا وحولنا لم تكُن!
فما زال مفهوم المقاومة، حتى في ذهن المثقف العربي، ينهل من بطولات عنترة والزير وأبي زيد الهلالي؟!
وأما الاستبداد والفساد وقوانين الطوارئ والأحكام العرفية والاعتقالات والتهجير والتنكيل والقتل، والاستيلاء على مقدرات البلد وخيراته ونهب المال العام دون حسيبٍ أو رقيب من فئة النظام الحاكم، والسيطرة على المجتمع من خلال أجهزة الأمن المتعدّدة، فهي مجرّد تفصيلات غير مهمة…. فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة!
إذا كانت هذه هي فلسفة النظام، وتلك هي أدواته وأساليبه، فما عساها أن تكون فلسفة المعارضة وأدواتها وأساليبها؟
فهل يُستبدل استبداد النظام، بديمقراطية المعارضة، وسياسة الاستفراد والإقصاء، بالحوار والتعددية والمشاركة، وسياسة الكذب والتعتيم والتضليل، بالصدق والشفافية والمصارحة، وسياسة التوريث والتأبيد، بالانتخاب والمناوبة، وسياسة الاتهام والتشكيك والتخوين والتجريم، بحسن النية والمكاشفة وقبول الآخر والمصالحة؟
إن نماذج المثقفين والسياسيين الذين ظهروا عبر السنوات الماضية في لقاءات على العديد من الفضائيات العربية وخاصة ” الجزيرة” في برنامج الاتجاه المعاكس، يبعث على الخذلان والإحباط، ولا يُبشّر بالخير، فما نراه ونسمعه هو ذات الذهنية النمطية الاستبدادية الاقصائية، التي تتقاطع مع ذهنية الأنظمة وفلسفتها، من هنا نرى أن غالبية الأحزاب المُعارِضة تنتهج ذات الأساليب داخل أحزابها، من حيث انعدام الديمقراطية والحوار وأيضاً الانتخاب وتداول المناصب، ومنها ما زال يؤمن بالزعيم القائد الفرد.
إن أصعب امتحان أمام النُخب العربية ومثقفيها، ومنهم المعارضة السورية ، هو تحدّيها للذهنية النمطية الاستبدادية في المجتمع العربي، وإقناع الشعب بمخاض تغيير حقيقي في السلطة والحكم والمجتمع، وليس مجرّد تبديل لها. ونجاحها وفشلها في الامتحان سيحدد دورها ومصيرها ومصير سوريا نفسها.

وإن كنا لا نضع جميع الأحزاب والمعارضة السورية في سلّة واحدة، إلا أن من هم خارجها قلائل جداً، والاستفراد بهم من قبل النظام واعتقالهم أو تضييق الخناق عليهم، يكون مهمة سهلة مقابل الأكثرية المتفذلكة، والتي تتقاطع أدواتها وسلوكياتها أحياناً كثيرة مع أدوات وسلوكيات النظام.
إن أزمة الحكم في سوريا، تطال كل الشعب السوري دون استثناء بمن فيهم الأخوة الأكراد، وحل قضيتهم لن يكون إلا من خلال حل الأزمة السورية بكاملها لأنهم جزء من المجتمع والدولة السورية، وهذا لن يكون إلا عبر بناء دولة المواطنة الحقيقية القائمة على الديمقراطية والتعدّد، بعيداً عن الاستبداد والتعصّب والأحزاب الدينية والطائفية. وبغير ذلك ستنشأ قضايا أخرى إضافة لقضية الأكراد وسواها.
المعارضة السورية مطالبة بانتهاج رؤيا واضحة للتغيير في سوريا، عبر أساليب حوارية وديمقراطية وتقديم برنامج موحّد في جوهره بغض النظر عن الخلافات الجانبية والتفصيلية.
وإلا فأمام الشعب السوري ثلاث خيارات:
إما إنجاز الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة كما أسلفنا
وإما الفوضى
وإما استمرار الوضع الحالي وانتظار ولي العهد حتى يكبُر.
الجولان المحتل/ مجدل شمس
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى