سعيد لحدوصفحات الناس

قـف… منطقة إسلامية

null

سعيد لحدو
كما على المقترب من منطقة عسكرية التوقف لإبراز تصريح الدخول إن كان يملكه، أو العودة أدراجه، كذلك على الراغبين بالدخول إلى منطقة أو مجتمع إسلامي الوقوف طويلاَ قبل إبراز ذلك التصريح. مع فارق جوهري وهو أن العسكريين يحترمون التصاريح التي يمنحونها. في حين يتوجب على الوافد الغريب مراجعة كل الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة قبل أن يهم بالمباشرة في مغامرة غير مضمونة العواقب ولا يمكن حساب نتائجها وفق المنطق العلمي الذي يقول: المقدمات الصحيحة تقود إلى نتائج صحيحة. فالمنطق الذي اعتزلته المجتمعات الإسلامية وقطعت التعامل به منذ أمد بعيد لم يعد له وجود في مسألة التعامل مع الآخر الذي هو غريب ويبقى غريباً في كل الأحوال. فهو إما كافر أو مخرب لأخلاق الناس أو جاسوس أو عميل لمخابرات ما أو مستعمر أو مبشِّر أو ساعٍ لأهداف مشبوهة. وإن تبين أنه ليس أياً من هؤلاء وإنه مسلم بطريقة ما، ولم يعجبهم إسلامه، فهو مرتد وزنديق يُعينُ أعداءَ الإسلام على تنفيذ مؤامراتهم، ويجب أن ينال القصاص بالقتل وفق مانصت عليه الشريعة وسيرة واضعيها الأوائل. ووفق هذا المبدأ عومل الأجانب في المجتمعات الإسلامية كأهداف ثمينة لابد وأن تدفع حكوماتهم الكثير من أرصدتها المالية والسياسية لتخليصهم من أيدي خاطفيهم، كما حصل دائماً. وإن لم يحصل فالذبح أو التفجيرهو مصير الرهائن أياً كانوا. فاحتلال السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، أو الهجوم على مدرسة بيسلان عام 2004 لم تكن أولى هذه (الغزوات المظفرة). كما لن تكون محاولة المجاهد عمر فاروق وأعمال القرصنة البحرية الحالية واصطياد السفن التجارية على سواحل الصومال آخرها.
أما المسلمون في مجتمعاتهم هذه فقد ألهتهم مؤامرات التغريب والتمدن والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد والمعارضة، عن العمل الجاد. وشغلتهم محاربة هذه البدع ومروجيها من الأجانب وعملائهم عن التفرغ للعلم والبحث والاختراع وتقديم كل ما هو نافع للإنسان والإنسانية. لذا فقد تفرغ (علماؤهم وفقهاؤهم) لمهازل مثل فتوى التبرك ببول الرسول للدكتور علي جمعة، وفتوى إرضاع الكبير لـ (رئيس قسم الحديث في جامعة الأزهر د. عزت عطية) إلى (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي ذاته) الذي يوزع الفتاوى بحسب المطلوب منه، بالتحريم حيناً وبالقتل معظم الأحيان، وصولاً إلى أصغر متصوف في أبعد قرية في جزر أندونيسيا النائية، مروراً بملالي إيران وأمراء الذبح في إمارات الإنترنت الإسلامية إلى طالبان كل مكان، الذين دفنوا رؤوسهم في ترهات السلف (الصالح) شرحاً وتفسيراً وقياساً وتفصيلاً. واستقالت عقولهم من العمل الإبداعي إذ كفتهم تلك الألقاب الكبيرة وأغنتهم عن كل جهد علمي وهم لايستطيعون حل معادلة رياضية من الدرجة الثانية. أولئك (العلماء) تجاوزاً، منحتهم المجتمعات الإسلامية هالة من العظمة بدا آينشتاين ورفاقه أمامها حشرات زنديقة كافرة. أولئك الذين حتى الميكروفون الذي يتحدثون من خلاله لإسماع تخرّصاتهم، ما وُجِد إلا بفضل أولئك (الكفرة الزناديق). وليس لكل تلك الألقاب الفخمة فضل في اختراع أو صناعة ولو إبرة. ولا تنسب لهم ولو جملة واحدة من المجلدات التي كتبوها يكون لها صدى إيجابي مفيد للبشرية. بل العكس تماماً هو الحاصل. فالدماء التي تُسال يومياً في الشوارع الإسلامية بفضل (إخوتنا الجهاديين الأبطال) (والاستشهاديين الأشاوس) من الدرجة الأولى، والسيارات المفخخة المنفجرة أو التي تنتظر دورها للإنفجار وتلك المركونة في عقول الملايين من المسلمين الذين صدقوا دعوى أولئك (العلماء)، كل تلك ما هي إلا نتيجة طبيعية لقرون عديدة من تعاليم الحقد والكراهية والتعالي والعداء للجميع باستثناء الفرقة الناجية الوحيدة التي يحسب كل مسلم أنه منها والآخرين على ضلال وقد أمره الله بمحاربتها حتى تتوب. ومن هذا المنطلق يكاد لا يخلو بلد مسلم واحد من مشاهد الدم والقتل والتفجير اليومية. ومن تسنح له الفرصة ينقل جهاده الإسلامي هذا إلى دار الحرب الواسعة في المجتمعات الغربية المتحصنة خلف أسوار علمها وتقنيتها المتطورة ومع ذلك لم تنجُ من شظايا قنابل الجهاد الإسلامي المنتصر بإذن الله. وإن فشل عمر فاروق عبد المطلب في محاولته لتفجير طائرة ديترويت، فأمثاله كثيرون ولا بد أن ينجح أحدهم يوماً ما، بوسيلة ما، في مكان ما، ليضيف عدداً ما من الضحايا إلى قائمة الجهاد في سبيل الله بهدف إنقاص عدد الكفار ما أمكن قبل أن تحل الساعة ويحاسب الله ونبيه مسلميهم الأوفياء على تقصيرهم في أداء واجبهم الديني ليستحقوا عليه المكافأة الكبرى بنعومة وبياض أجساد حوريات الجنة المنتظرة فرسانها بفارغ الصبر.
الحياة في منطقة إسلامية تبقى محفوفة بالمخاطر حتى لو كنت لهم أخاً في الدين، فما بالك إذا كنت غريباً ومشكوكاً بنواياه؟ وفي هذه الحالة لن يشفع لك أي تصريح أو تأشيرة دخول تمنح لك من أية جهة كانت. بغض النظر فيما إذا كنت ديبلوماسياً أو صحفياً أو سائحاً أو متطوعاً لأعمال الخير أو تاجراً .. أو… أو… أو… فعلى الدوام يمكن أن تبرز لك جهة لاتعرفها لتنفذ قصاصها فيك على أمل أن تنال مكافأتها الموعودة في السماء ويحظى المنفذون بشرف المثول بين يدي الرسول لتهنئتهم على أعمالهم الجهادية قبل الانصراف إلى مساكنة حور العين على شواطئ أنهار الخمر والعسل.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى