صفحات سورية

لماذا عزوف الشباب عن الاهتمام بالشأن العام؟

null
ندى الخش
يعاب الكثير على أحزاب المعارضة العربية، وأخص منها السورية بسبب قربي منها ، تكلس خطابها السياسي ومراوحتها في المكان مما ابعد العنصر الشبابي عنها فأصبحت تقتصر على الكهول وأشباه الكهول.
إنها مشكلة حقيقية في سوريا، ولفهم هذه الظاهرة لابد من تحليلها وفهمها كي يكون في مقدورنا التفكير في حلها إن كان هناك طريقة لذلك:
الأسباب الموضوعية لغياب الشباب عن العمل السياسي بكافة إشكاله الرسمية ..والمعارضة ..الحزبية ..المدنية ..بأشكالها المختلفة :
جيل الشباب هو من مواليد الثمانينات من القرن الماضي والذي تربى في جو من الرعب والخوف بسبب إطلاق العنان للأجهزة الأمنية المتنوعة (امن سياسي ,امن دولة,امن عسكري,امن جوي )في قمع المجتمع دون أية ضوابط قانونية، فمئات بل آلاف من الشباب أودعوا في السجون عشرات السنين، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من خرج يعاني أمراضا مزمنة وقلة قليلة خرجت ومازال بإمكانها العيش بطريقة إنسانية .جيل ما يسمى الشباب الآن في سوريا  ولد وترعرع على نمط واحد وحيد وهو إن البعث قائد الدولة والمجتمع وبالتالي فالشعارات التي كان يرددها في مدارسه الابتدائية وما فوق هي تمجيد للنظام السياسي الرسمي ضمن خطة منهجية بتدجينه ومنذ الطفولة بإحداث ما يسمى معسكرات الطلائع مع تبعيث الجهاز التدريسي وإحكام القبضة  على العملية التعليمية  من حيث المناهج والإدارة والجهاز التعليمي وابتكار رشوة العلامات بمسميات مختلفة رواد ..مظليين ..وذلك بإعطائهم فرصة إضافية في مفاضلة الشهادة الثانوية كل ذلك اثر تأثيرا كبيرا في مزاج وتوجهات ومنظومة القيم لما يسمى جيل الشباب وقبلهم جيل الخمسينات والستينات الذي عاش واعيا مرحلة الرهاب والخوف من ظل الإنسان نفسه … ولم تكن المؤسسات الأخرى أفضل حالا من المؤسسة التعليمية فالوظيفة رهن بموافقة الأمن السياسي ولازالت هذه الصيغة قائمة حتى ألان الموافقة الأمنية تعادل أهمية المؤهل العلمي المطلوب بل واهم منها لأنها هي صاحبة القرار النهائي ..
واخطر المؤسسات تأثيرا على المجتمع كانت مؤسسة القضاء إذ تم إحكام القبضة عليها أحكاما يعادل احتكام القبضة على المؤسسة التعليمية فلم يعد القاضي يحكم بما يمليه عليه القانون بل أصبح رهن لأجهزة هي صاحبة القرار في وجوده أو عدمه  هذا هو المناخ الذي ترعرع فيه جيل الثمانينات وما بعد وهذا هو مناخ أحزاب المعارضة التي تحاول جاهدة التعبير عن موقف سياسي وطني ينقذ البلاد من مجهول يتربص بنا
إذا هناك إشكال حقيقي يكمن في وجود سلطة مستبدة شمولية تحكم قبضتها على مجتمع افتقد كل مقومات التعبير عن وجوده من هيئات وجمعيات ونوادي  …وأحزاب معارضة تراوح في المكان مناضلة للخروج من حصارها دون جدوى …
ففي غياب قوانين تحمي العمل الحزبي وتعترف بوجوده يصبح النشاط الحزبي محصورا في كيف يحمي عناصره من ضربة أمنية وانحصر نشاطه في إعلان موقف سياسي وطني لايسمع به إلا المهتم بالشأن العام وقد أصبح هذا قليل وقليل جدا……ليس هناك إرادة سياسية عند أحزاب المعارضة  لمواجهة المصير الذي وصلت إليه من حيث غياب العنصر الشبابي إذ ربما يعني هذا دعوة منها لإنهاء أسلوب عملها وإيجاد الية جديدة بعقل جديد ولكن كيف ؟……وهناك هذا العزوف الحقيقي من قبل المجتمع ومن الشباب خصوصا للنشاط السياسي فكيف يمكن التجديد في ظل غياب شريحة الشباب؟
وكيف يمكن للشباب النشاط السياسي في ظل سلطة مستبدة شمولية …مع كل المرارة التي عشناها لحظة انهيار بغداد أمام جحافل الدبابات والطائرات والأساطيل الأمريكية البريطانية إلا أنها كان يمكن إن تكون بداية الشرارة لولادة وضع عربي جديد وإذ بها تساعد على تكريس حالة اللامبالاة والسلبية بعد الإحباط الذي عاشه الشباب في عدم القدرة على إيجاد أدوات للتعبير عن تطلعاته واحتجاجه لما يحصل في واقعه العربي، حتى القضية الفلسطينية التي كانت بمثابة المركز الذي يدور حوله العرب استطاعت مخططات الغرب تكريس الانقسام الفلسطيني، فلم يعد الكيان الصهيوني هو العدو، وإنما أصبح هناك حماس وفتح ومعسكرين عربيين مهمة كل منهما تأجيج حدة الصراع وعلى ماذا؟ على سلطة هي بالأصل سلطة وهمية لاوجود لها طالما إن فلسطين محتلة، فأين هي المقاومة وسط هذا الانقسام الفلسطيني العربي ؟؟
النظام الرسمي العربي متضامن في قضايا الأمن وملاحقة الإنسان اينما كان ويعيش انقساما حادا فيما يخص المشروع العربي النهضوي لأنه خارج اهتمامه وخارج دائرة مشروعه المستقبلي. والمجتمع العربي يعاني من غياب المثقفين المهمومين بالمشروع النهضوي العربي والذي يشكل الحرية للوطن والمواطن أهم ركيزة فيه، واستمرار هكذا حال ينذر باستمرار غياب الشباب عن الفعل الذي إذا ظل غائبا لن يستطيع  ان يملأه  أحد …
الى متى غياب الشباب  مستقبل الامة و روحها؟؟

* مهندسة وعضوة الأمانة العامة لإعلان دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى