زين الشاميصفحات سورية

قصة مدينتين… «برج دبي» و«مجمّع يلبغا» في دمشق

null
زين الشامي
وسط دمشق، أقدم مدينة مأهولة في التاريخ، يقف بناء اسمنتي ضخم (مجمع يلبغا) منذ ثلاثين عاماً على قدميه «عارياً»، مثل طفل هرم وفقير منتظراً أن يكسيه أحد، لكن الأعوام تمر ولا أحد يعيره انتباهاً، لا أحد يلتفت، وكأن البناء مجرد طفل لقيط، أو فتاة جلبت العار لأهلها.
منذ نحو عشرين سنة وقفت أنا وزوجتي، وكنا في شهر العسل، لنلتقط صورة بكاميرا من نوع «كوداك» للمبنى علّ الصورة تصبح ذكرى لأولادنا، حين يكبرون ليروا صورة من تاريخ إنشاء هذا المجمع التجاري الذي لابد أنه سيكتسي بحلة أنيقة، وربما يصبح أهم المباني في دمشق، لكن الأعوام مرت، وصار لنا أولاد، أكبرهم على أبواب الجامعة من دون أن يتغير شيء في ذلك المبنى الإسمنتي سوى أنه صار أكثر سواداً بسبب دخان السيارات.
وفيما بعد قمت بالتنقيب عن تاريخ البناء لأجد أن الدراسات للمشروع وضعت في منتصف الستينات، «بالتزامن وصول (حزب البعث) إلى السلطة عام 1963؟» لكن العمل الفعلي بدأ فيه مطلع الثمانينات، لينتهي عام 2005، أي بعد نحو خمسة وعشرين عاماً. لكن أهم ما لفت نظري أن البناء الذي صُمم له أن يكون مجمعاً تجارياً ضخماً وسط العاصمة ويحوي جامعاً في داخله، ما كان له أن يرتفع إلا بعد هدم مسجد كان قائماً في تلك المنطقة، ويبدو أن الغاية من المشروع كله كانت هي محو ذلك المسجد من الذاكرة، لأن لا أحد من «قيادة الثورة» في ذلك الوقت وإلى اليوم يكن أي علاقة طيبة مع فقه صاحب الاسم الذي كان يُطلق على ذلك المسجد.
في العام 1963 حين وصل «حزب البعث» إلى السلطة في سورية، لم تكن دولة الإمارات العربية المتحدة قد تشكلت أو حصلت على استقلالها، وما كنا نعرفه كله عن تلك المنطقة أنها مجرد إمارات عربية خليجية يسيطر عليها المستعمر البريطاني. ما نود قوله إن دراسات «مجمع يلبغا»، الذي لم يكتمل إلى اليوم، بدأت قبل استقلال دولة الإمارات، وإذا كانت هذه الدولة العربية قد نالت استقلالها مطلع السبعينات، فإن بداية العمل في ذلك البناء وسط دمشق قد بدأ بعد نحو تسعة أعوام من ذلك الاستقلال.
الإمارات كبرت وصارت من أهم دول المنطقة من الناحية الاقتصادية والمالية، وصارت فيها مبان ضخمة وبمواصفات عالمية، لا بل إن ثمة مباني وأبراجاً تمثل تحفاً عمرانية وهندسية حقيقية، مثل برج دبي أو «برج خليفة» الذي يُعتبر الأعلى في العالم، والذي استيقظت إمارة دبي على افتتاحه مطلع هذا العام بعد أعوام خمسة فقط على بدء العمل به؟
وعودة إلى «مجمع يلبغا» وسط دمشق الذي لا يزال ينتظر الكسوة منذ ثلاثين عاماً، فإن محيط المجمع وأقبيته تحولا مع الزمن إلى مكان لرمي القمامة، ومأوى للصوص والحرامية والمشردين ومتعاطي المخدرات، إلى درجة أن أي شخص لا يتجرأ على دخوله ليلاً إلا بمساعدة الشرطة.
قصة هذا البناء تناولته أكثر من صحيفة محلية وتصدى له أكثر من صحافي، ومن يقرأ التحقيقات كلها التي كتبت سيصطدم بحقيقة ساطعة عن حجم الفساد في الدولة والمبالغ الطائلة التي سرقت باسم هذا المشروع.
إن قصة «مجمع يلبغا» التجاري تعتبر مثالاً للفشل السياسي والاقتصادي والسياحي والإداري والهندسي في سورية، مقارنة مع برج دبي الذي افتتح أخيراً، والذي ما كان ليكون لولا قصة نجاح سياسي واقصادي واداري في دولة الإمارات قبل كل شيء.
قصة مبنى «مجمع يلبغا» هي قصة دولة ونظام سياسي، مثلما برج دبي يمثل قصة دولة ونظام سياسي، مثل الشانزليزيه وبرج إيفيل في باريس، والأهرامات والسد العالي في مصر، وساعة بيغ بين في لندن، ومبنى البوندستاغ في برلين، وتمثال الحرية في نيويورك.
غداً سأشتري كاميرا رقمية جديدة وأبحث عن هذه المباني لألتقط صوراً جديدة، فهذه صور تليق للاحتفاظ والمباهاة بانتظار أن يأتي زمن يُزال فيه الغبار عن وجه ذلك البناء الهرم.
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى