صفحات سوريةمحمد سيد رصاص

هل وصل عصر النفط إلى منعطف حاسم؟

null

محمد سيد رصاص *

يبدو أنّ مئة عام من النفط، كمصدر رئيسي للطاقة، قد وصلت إلى مرحلة ما: كان استهلاك الدول الصناعية المتزايد، مع حاجات دول منظّمة «أوبك»، يؤدّي إلى زيادة أسعار «الذهب الأسود». ولو أنّ الميزان أحياناً كان يميل في الاتجاه الثاني (كما في السبعينيات بعد حظر تصدير النفط) أو الأول (كما حصل منذ خمس سنوات مع نمو الاستهلاك العالمي للنفط، بعد انضمام عمالقة جدد للنمو الاقتصادي، وما تبعه من استهلاك متزايد للطاقة، مثل الصين والهند).

يبدو أنّ ذلك قد أدخل البشرية في مأزق اقتصادي، ما دامت هناك احتياطات محدَّدة مكتشفة للنفط العالمي ــ كانت كامنة أم على وشك الاستخدام ــ وهي موجودة أساساً في الشرق الأوسط (60 في المئة)، وفي منطقة القوقاز ــ بحر قزوين (18 في المئة)، ما يفسّر الحروب والنزاعات والغزوات، التي تركزت في هاتين المنطقتين خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين علماً أنّ الولايات المتحدة تملك 3 في المئة فقط من احتياطات النفط العالمي.

الإيثانول أو الوقود الحيوي، من مظاهر الدلالة على أزمة مصادر الطاقة، والحاجة إلى طاقة بديلة، يحاول المصدر الجديد تأمينها من خلال زراعات الذرة وقصب السكر وفول الصويا وعباد الشمس وبعض أنواع الحبوب. وقد أدّت مشاركة وسائل النقل البرية والجوية مع الأفواه البشرية، في استهلاك تلك المحاصيل، إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية خلال الأشهر الستة السابقة من الزمن، في وقت حافظ فيه النفط على ارتفاع أسعاره، وإن كانت هناك آراء بأنه لم يرتفع، بل بأنه حافظ على سعره الذي كان في تموز الماضي ما دام هذا الارتفاع موازياًَ لانخفاض قيمة الدولار أمام اليورو خلال الفترة ذاتها.

من الصعب أن يكون الإيثانول بديلاً للنفط وفقاً للإمكانات المتوافرة زراعياً، إلا إذا أريد تدمير الغابات العالمية لمصلحة تحويلها إلى مزارع لتلك المواد الزراعية المولّدة للإيثانول، مع ما سيجرّه ذلك من كوارث على البيئة، وتغييرات جذرية في مناخ الكرة الأرضية. وحتى إن تمَّ ذلك ــ مع ما سيرافقه من ارتفاعات هائلة في أسعار المواد الغذائية ــ فلن يكون هناك بديل مضمون ورخيص للنفط، ما دام استخراج برميل من النفط الخفيف القليل الشوائب، العراقي مثلاً في مناطق الجنوب، لا يكلّف أكثر من عشرة دولارات بأسعار عام 2006، فيما تحتاج الولايات المتحدة إلى كل إنتاجها الراهن من الذرة وفول الصويا (وهي أكبر منتج عالمي لهما) لإنتاج الإيثانول بما لا يكفي أكثر من20 في المئة فقط من حاجات السيارات الحالية الموجودة على الطرقات الأميركية.

ربما بدأت الطبيعة تنتقم من ثلاثة قرون من عصر الصناعة، الذي بُني على مقولة «السيطرة على الطبيعة»، التي اجتمعت عليها الماركسية والليبرالية في اليسار واليمين: كان مذهب البيئويون ردّ فعل على وصول عصر الصناعة إلى حدود تدمير الطبيعة والبيئة. بالتأكيد، يمثّل الإيثانول اتجاهاً عند المجتمع الصناعي، ليس فقط للوصول إلى تلك الحدود التي كانت من أجل الصناعة، وإنما للقفز إلى حدود أبعد من ذلك، تصل إلى نقطة تدمير الغابات والبيئة والغذاء لإخضاعها مع الأفواه المحتاجة والجائعة، لحاجات الاستهلاك في المجتمعات الرأسمالية المتقدّمة.

هنا، يكون المسار الاقتصادي مثل القوّة العمياء التي تكون عليها الطبيعة: العقل البشري يتدخل في العامل الاقتصادي من أجل إخضاعه ليكون عامل توازن بين الإنسان والطبيعة. في هذا الصدد، يبدو أنّ العنصر البشري قد وصل إلى لحظة سيجبر فيها على العمل من أجل إحداث هذا التوازن، ما دامت أزمة الطاقة العالمية، ومصادر النفط البديلة، والأزمة في هذين المجالين الناجمة عن تطوّر الحاجات الاستهلاكية التي ولّدها عصر الصناعة، ستدفع إلى مسارات يمكن أن تدمّر الغابات والبيئة، وتخلق أزمة غذاء عالمية غير مسبوقة، يمكن أن تبدو هواجس مالتوس بالقرن التاسع عشر أمامها مخفّفة كثيراً.

هذا سينتج وضعاً يجبر البشر على إعادة الاعتبار للطبيعة والبيئة، ولجعل الزراعة موازنة من حيث الأهمية للصناعة، فيما سيرغم الناس على البحث عن مصادر هي تحت أيدي الجميع من أجل استخراج الطاقة، مثل الشمس والرياح، بدلاً ــ أو بالتوازي مع ــ من النفط، الذي يبدو أن احتياطاته المكتشفة والكامنة، لن تكون قادرة على تلبية احتياجات النمو الاقتصادي العالمي الراهنة، في الإنتاج والاستهلاك، على المديين المتوسط والبعيد، الشيء الذي ربما يفسر مسارعة الولايات المتحدة، بعدما أصبحت القطب الواحد للعالم منذ عام 1989، إلى محاولة مدِّ سيطرتها المباشرة على مناطق مصادر النفط العالمية الأساسية، في الشرق الأوسط ومنطقة القوقاز ــ قزوين، وما حولهما.

* كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى