صفحات ثقافية

التفاؤل الثوري

null
نـاديـــــالـك

إنه وقتٌ عـَـصـيبٌ يَــتــَـعـَــسـّــرُ أن نـكـتبَ فـيه بإيـجابـية عن كوننا عرب وأحرار الجنس. وأنا أخـُـط هذه الكلمات في مدينة بيركلي في كاليفورنيا، حكومة بلدي (الولايات المتحدة) تــُـرســِــل جـيـشــها لإحتـلال العــراق. إســرائيل تـســتـفـيد من حرب الولايات المتحدة على العرب لـتـبرّر مجازراً جديدة. في هذا الجوّ الشاحن، قرأت حادثة في البريد الإلكتروني لا أستطيع أن أطردها من فكري، وهي عن مـُـهاجــِـرة عربية أمريكية في الولايات المتحدة قد أغمي عليها في قاعة المحكمة خلال جلسة بسيطة لمخالفات قوانين السير عندما سألها القاضي عـَـمـّـا إذا كانت إرهابـيـّـة. بـَـرّرَ القـاضـي ذلك لاحقاً في الصـُـحـُـف بـأنــّـه كان يـُـمازحها.

الآن أفكر بوالدي، بـبـَــشـَــرته الـســمراء ولــَـهـجـته العربـية المـَـحـْــض عندما ينطق بالإنـكـليـزية. أفكــّـر أنه لو كان مكان تلك المرأة لــَـضـَـحـِـكَ بـوَجـه القاضي مـُـعـتـبراً أنّ الملاحظة كانت دعـابة فـِـعـلاً. لطـالما واجه والدي الـتميـيز العـُـنصـُـريّ المـُـوَجّه نــَـحـْــوَه بالـضـَـحـِـك. توفي والدي في سـِــنّ التاســعة والخمـســيـن. أتمنــّّـى لو كان حيـّـاً في يومنا هذا لــَـطـلـبت منه مُــســاعدتي على مُـعايـشــة كــُـلّ ما يـَـحدُث في عالــَـمـِـنا. ولـكـنــّـي أشــكر الله أنه ليــس حـَـيـّــاً كي لا يرى أنّ البـَـلدَ الذي تــَــبـَـنــّـاه يـَـفــْــتــَـرس اليوم أولادَه المـُـهاجــِـرين فيه.

إنـّـه وقـتٌ صعـبٌ لنكون إيـجابـيـيـن عن كوننا أحرار الجنــس وعــرب.

رُغــْـمَ كــُـلّ ذلك، قرأتُ المـُـقـدّمات لأعداد هذه المجلة الـتــســعة فأصبحت نفـســي ملأى بفــَـخــْـر لا يـَـهابُ  شيئاً، فــَـخــْـرٌ بنا. فإننا جميلات وجميلون، “غير شكل”. هنالك قـِـوى عديدة تــَـعــْـمـَـلُ ضـِـدنا كـي لا نرى جـَـمالنا الداخلي، وأصواتٌ كثيرة تقول أننا لسنا موجودين، وأننا قــُـبـَـحاء و”شــاذين” عن الطبـيعة. في خـِـضـَـمّ كل هذه الأصوات التي تــَـحــْـمـِـلُ الـكــُـرْه لنا، قــَـدّمـَـت مجلة “بنت الناس” دَعوة وتــَـحـَـدّ لـِـقول شــيء مـُـخـتـلف. فإرتـفعـنا الى مستوى هذا التحدّي، ولــَـبـّـيـنا الدعوة، وتجاوبنا مع شـِــعار مؤسـّـِــسـات المجلة بـإعـتـناقـِـنا فكرة التـفاؤل الثــَـوري (أو الإنخراط بنظام ما ونحن متـفائـلون أن نغـيـّـره من الداخل).

أودّ الكتابة أكثر عن فكرة التفاؤل الثوري. فإنها عبارة أخرى لا أســتطيع إلا ان أســمعها في ذهـنـي. كانت تــُـراود أفكاري بــِـلا توقــّـف خلال صراعي مع البـحـث عن موضوع لهذه المـُـقـدّمة. لا أدري بالتحديد ما كان على بال مؤسـّـِــســات “بنت الناس” عندما نـَـحـَـتــْـن هذه العبارة أو نـَـقــَــشـْـــنــَـها كــَـميدالـيـّـة، لكني أعــْـلــَـمُ ما أصـبحـت تعـني لي منذ ذلك الحين. التفاؤل الثوري هو رفضٌ للركوع أو الرضوخ للناس الذين يكرهوننا ويريدوننا أن نكره أنـفــُــسـَـــنا. التفاؤل الثوري هو سـُــخرية وإســتهزاء بوجه أولـئـك الذين يـَـدّعون أن كــُـرهـَـهم لنا وحربـَـهم علينا ما هي إلا دعابة أو مزحة.

التفاؤل الثوري هو رفض للإنفعال بوجه العـنـف أوالـكره الذي يـُـرمى بوجهنا. في منتصف المـَـطــَـر الـمـُـوحـِـل، التـفاؤل الثوري يعني حـَـمـْـلَ مـِـظــَـلــّـة ذات اللون الزهري والبنفسجي المـُـرقــّـط كـرقـصــة البـولـكـا والقول: “هــُـنا، هنا بالتحديد، الآن، ســـأبـني شــيئـاً جميـلاً”.

حــَــسـَــناً، هذا ما بـَـنــَـيـْــنا في هذه المجـَـلــّـة. تـكـلــّـمنا عن الأحلام، المجتمع، الجــِـنـــس، الله، الموضـة، التـغـيـيـر، بــِـلادِنا والجسور. الآن نترجم كلماتـنا الى اللـغة العربـية للوصول الى أولـئـك الذيـن لم يروا جمـالـنا بالإنـكـليـزية (أو بالفرنـســية في العدد الـســابع). أنا ســعـيدة لـِـتــَــسـَــنــّـي الـفـرصة لي كي أعـيد قراءة مـُـقدّمات كــُـلّ الأعداد الـســابقة لهذه المجلة، وســعـيدة للـفرصـة بـأن أحـتـفـل بـجـمالـنا وأسـْــكــَـرَ من جـاذِبـيــّــتـنا المـُـطـلــَـقــَـة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لقد افرحني عثوري على هكذا موقع لكي ابث همومي وماحصل لي من دمار نتيجة احتلال بلدي الحبيب العراق الجريحوعاصمته بغداد الحبيبه …انه يوم اسود في تاريخ الشعوب المحبه للانسانيه والسلام بان تجد بلدي من بين البلدان محطما تحكمه مافيات الاجرام والتفجيرات …فانني احب ان يكون لي وطن كباقي الاوطان …يعطي كما ياءخذ,لاتجوب شوارعه المليشيات المسلحه وان تجوب شوارعه الى ساعه متاءخره من الليل …وهذا حلم لا ادري متى يتحقق …لقد دمر بيتي ونهب ولم يبق الا هيكل ,فلن تبقى ابواب ولاشبابيك ولا اسلاك كهربائيه ولامواد انشائيه ….اصبح في منطقه خربه ومهجوره ولقد فقدت عملي في المطعم الذي كنت املكه وسيارتي وكل شيء حتى صحتي التي تدهورت نتيجة هذه الظروف واليكم خالص تقديري واحترامي على فتح ابوابكم للتعبير عن مايجول في قلوبنا ولكم مني الف تحيه ودمتم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى