ما يحدث في لبنان

مقايضة مرفوضة

null

خالد صاغيّة

قدّم السيّد حسن نصر اللّه في خطابه الأخير اقتراحاً لتيّار المستقبل: إعادة الاعتبار لتقسيم العمل الذي كان سائداً خلال الحقبة السوريّة في لبنان: يتولّى حزب اللّه المقاومة، ويتولّى الحريري (الابن هذه المرّة) الإعمار. يلتزم مشروع الإعمار حدوده، فلا يتعدّى على سلاح المقاومة، ويلتزم المقاومون حدودهم، فلا يدخلون في تفاصيل المشروع الإعماري.

رفض تيّار المستقبل العرض، أو أُجبر على رفضه، وأُعلن ترشيح الرئيس فؤاد السنيورة لولاية ثانية. فهذا الترشيح يعني أساساً أنّ ملفّ سلاح المقاومة لن يُطوى، وأنّ الانتخابات النيابيّة ستُخاض في أجواء معركة سياسيّة. أمّا الثلث الضامن، فلن يكون كافياً لعرقلة التفاصيل الإعماريّة، وإن أمكنه إيجاد الكثير من المتاعب. وليس من مصلحة رئيس الجمهوريّة الجديد الوقوف على الحياد إذا كان ينوي كسب مقاعد نيابيّة، وخصوصاً أنّ المعارك الانتخابية القاسية ستجري في الأقضية ذات الأغلبية المسيحية.

لكن، في جميع الأحوال، حسناً فعل تيار المستقبل برفضه عرض حزب اللّه.

فالتناغم، أوّلاً، بين الإعمار والمقاومة لم يكن قائماً يوماً. وكانت الإدارة السوريّة تؤدّي دوراً أساسيّاً في حلّ الخلافات بين الزعماء، وتخفيف حدّة التناقضات بين المشروعين. وغياب هذا التحكيم السوري كان سبباً أساسياً في انفجار التناقضات اللبنانية في السنوات الثلاث الأخيرة. يمكن التناقض بين الإعمار والمقاومة ألّا يكون حادّاً، لكنّ ذلك يتطلّب مشروعاً إعماريّاً مختلفاً جذرياً عن المشروع الحريري الذي أعاد هيكلة الاقتصاد اللبناني. لا يمكن إعماراً قائماً على رفع اصطناعي لأسعار العقارات، والمبالغة في الاتّكال على السياحة، وجذب الاستثمارات الأجنبيّة، ونبذ القطاعات المنتجة، أن يتعايش بسلام مع المقاومة، أيّ مقاومة.

ثانياً، إنّ أيّ مقايضة من هذا النوع تجري بين حزب اللّه وتيّار المستقبل، لن تكون إلا على حساب الطبقات المهمّشة في لبنان. فقد أشار نصر اللّه إلى أنّ حزب اللّه لا يريد تحمّل مسؤوليّة السلطة. وكان هذا موقف الحزب منذ إنجاز التحرير في عام 2000: «نحن لا نريد السلطة في لبنان لنا، ولا نريد السيطرة على لبنان، ولا نريد أن نحكم لبنان…». لكنّ نصر اللّه ذكّر بأنّه في عام 2000 طلب من الدولة «اهتماماً إنمائياً» في المناطق المحرومة، وخصوصاً بعلبك والهرمل وعكار. إلا أنّ الدولة لم تقم بواجباتها في هذه المناطق. اكتفى نصر اللّه إذاً بذكر إهمال مشروع الإعمار للمناطق المحرومة، وتحاشى الدخول في تفاصيل النهب الأخرى الذي مارسه تحالف المضاربين العقاريّين وأصحاب المصارف تحت مظلّة الإعمار، بعدما وُزِّعت العمولات على زعماء في الموالاة والمعارضة، وعلى ضبّاط المخابرات السوريّة أيضاً. ويُراد اليوم أن يقبل الشعب اللبناني بالعودة إلى السياسات الاقتصاديّة الجائرة، واستراتيجيّات النهب المنظّم، مقابل ترك المقاومة وشأنها.

قبل أيّام، قال فؤاد السنيورة إنّه تعبان ويريد أن يرتاح. يبدو أنّ فؤاد لم يتعب. فالتفاوت الطبقي لم يبلغ حدّه الأقصى بعد. ثمّة كروش لم تمتلئ. ثمّة فقراء لم تقتلهم أرباح المضاربين. ما زال ممكناً فرض المزيد من السياسات الضريبية والمالية غير العادلة. ما زال ممكناً العمل على مزيد من التفتيت داخل الحركة النقابيّة. ما زال ممكناً إقفال مزيد من المصانع، ودمج مزيد من المصارف.

فؤاد السنيورة لم يتعب. عيون اللبنانيّين وقلوبهم متّجهة صوب الشباب والرياضة. أعيدوا أحمد فتفت إلى الحكومة.

عدد الخميس ٢٩ أيار ٢٠٠٨
الاخبار


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى