زين الشاميصفحات الناس

المؤسسة الأمنية في سورية … تصنع الخوف لا الأمن

null
زين الشامي
أخبرني أحد الأطباء السوريين الذين يعملون في فرنسا خلال صدفة جمعتني به منذ أيام في مقهى دمشقي، وهو بالمناسبة يعد أحد أبرز وأمهر الأطباء هناك، أنه يتابع كل ما يُكتب في الشؤون الثقافية والسياسية العربية، خصوصاً ما يتعلق في الشأن السوري، ويقرأ ويتابع حتى «التفاصيل التافهة» التي لها علاقة بسورية، لأنه لم يستطع أن ينسى، ولو ليوم واحد، بلده رغم الأعوام كلها التي قضاها في فرنسا، ورغم النجاح كله الذي حققه.
لكن وجه هذا الطبيب يكتسي لوناً وتعابير جديدة حين يتحدث عن سفره كل عام أو عامين إلى سورية.
أخبرني متأثراً: «أشعر بالخوف والقلق في كل مرة أسافر إلى الشام. أخاف أن أذهب وألا أعود، وحين أصل إلى مطار دمشق يزداد خوفي وقلقي. أشعر أن الدقائق أصبحت ساعات طوال، وأشعر في ارتفاع فجائي بضغط الدم، مما يضطرني، لأن أبتلع حبة مهدئة قبل النزول من الطائرة».
وعندما سألته فيما لو كان هناك أي «وضع أمني» له عند الأجهزة الأمنية هو ما يجعله يشعر بالخوف؟ أجابني بالنفي قائلاً: «ما يخيفني هو نظرات الشرطة وعناصر المخابرات المليئة بالشراسة والتشكيك والحقد، وطريقة معاملتهم مع المواطنين القادمين من بلاد غربية، أو حتى بلاد عربية، أو الذين يقيمون في دول بعيدة وحصلوا على جنسية تلك البلد، ثم التدقيق المبالغ به والأسئلة الغريبة العجيبة. إن ذلك كله يثير الخوف ويبدد الحنين الهائل للشام والأهل والأقارب. أحس أنني مثل خروف صغير وسط قطيع من الذئاب الجائعة والشرسة، وقبل أن تنتهي إجازتي القصيرة، أفكر مرة أخرى في المطار وهل سأجتاز المحنة وأطير عائداً الى عيادتي في فرنسا أم أن كل شيء سينتهي، وحين تقلع الطائرة من مطار دمشق ونصبح في السماء، وأتأكد أنني بت بعيداً عن أعين عناصر الأمن، أتنفس الصعداء وأشعر أنني خرجت من زنزانة كبيرة إلى قمة جبل عال… إن ما ينغص عليّ حبي وشوقي لبلدي وأهلي هو هذه الهواجس والكوابيس الفظيعة، ولك أن تتخيل كم هي سعادتي حين أصل إلى مطار شارل ديغول أشعر بسعادة وأمان لا يوصفان حين أرى عناصر الأمن والموظفين الفرنسيين في المطار الذين يقابلون الجميع بالابتسامات».
هذا اللقاء مع هذا الطبيب وما باح به من شجون جعل أسئلة كثيرة تقفز إلى ذهني، مثل، لماذا يخاف الإنسان من وطنه، ولماذا يتحول الوطن إلى مرادف للخوف، وهل سيستمر هذا الخوف وإلى متى؟
هذه الأسئلة عن الخوف أحالتني إلى أسئلة عن مفهوم الأمن في بلادنا، لدرجة أن بعض المفكرين اعتبر أن أكبر المخاطر التي تهدد بلداً ما هو مفهوم نظامها السياسي عن «الأمن»، وكان يقصد مركب الأجهزة والوظائف الأمنية المكلفة بتحديد الأخطار والتغلب عليها أو تفاديها.
ففي الحال السورية وطوال الربع قرن على الأقل كانت الأجهزة الأمنية في خدمة النظام الذي رعاها ودللها وكبرها إلى درجة أنها تريد اليوم أن يكون النظام السياسي والمجتمع ذاته في خدمتها…
لقد دفع الشعب السوري منذ العام 1958 وإلى اليوم كلفة باهظة ثمناً لهذا الوحش «الأمن»، وثمناً مادياً، وثمناً بشرياً، لا بل ان المفهوم القاصر عن الأمن والسلامة الوطنية كاد أن يفتك بالدولة ذاتها منذ أعوام قليلة نتيجة ما حصل في دولة عربية.
إن أخطر ما في ذلك هو غياب مفهوم الأمن الوطني السوري. نقصد أننا نملك أجهزة متضخمة للأمن من دون أن نملك مفهوماً فكرياً أخلاقياً عاماً للأمن الوطني يضع سورية – الدولة وحدودها وسلامة المجتمع لا النظام والأشخاص في مقدمة أولوياته.
في الواقع القائم الحالي هناك نظرية ومفهوم واحد للأمن تطابق بين أمن سورية وأمن النظام، لذلك فإن خصم النظام والمختلف معه هو خصم سورية كلها ومهدد لأمنها، من هنا تم تجريم المعارضة وتم وضع المواطنين دوماً في دائرة الشبهة…
ولهذا السبب كان ذلك الطبيب السوري يشعر بالانقباض لدى وصوله إلى مطار دمشق أو ساعة انتظاره في القاعة إلى حين أن يغادر…
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى