ذاكرة الصفحات

من ذاكرة الصفحات: الدرجة صفر من الديموقراطية

null
جوزف سماحة
لقد جرت انتخابات في مصر وسوف تجري، بعد أسابيع، انتخابات في المغرب.
وفي أقطار عربية أخرى تجري محاكمات وتصدر أحكام ويقوم المحامون بالدفاع ويُعترف بالحد الأدنى من حقوق السجين السياسي.
إلى ذلك ثمّة مظاهر عن تكاثر حالات التعدد الحزبي في بعض البلدان العربية في المشرق والمغرب.
ملاحظات كثيرة يمكن أن تقال حول كل من هذه الظواهر.
فالانتخابات تجري، عندما تجري، في ظل قوانين جائرة يعترض عليها الكثيرون، بمَن في ذلك أولئك الذين يستفيدون منها.
والمحاكمات تخلط أحياناً بين جريمة الحق العام و”جريمة الرأي” فتفقد كثيراً من أهميتها.. وتأتي الأحكام أحياناً قاسية إلى حد يبدو معه أن “السياسي” غلب على “القانوني” وأن مسّاً ما لحق بمبدأ فصل السلطات الذي هو ألف باء الديموقراطية.
وكذلك فإن التعدد الحزبي يشكو من حالات حرمان واستبعاد تطال تيارات وقوى سياسية وتدفع بها أحياناً إلى البحث عن وسائل للتعبير عن نفسها لا تصب في مجرى تدعيم هذه الإرهاصات الديموقراطية.
وفي بلدان عربية أخرى يغالب المجتمع قرارات مصادرته، فيعبّر عن تعدّده وتنوّعه في صيغ مختلفة تجعل من العبث الحديث عن الرأي العام الواحد وتفرض حالة من التشاور رافعة إيّاها إلى مستوى التوافق والإجماع الذي يتحوّل، بدوره، إلى شرط للاستمرار.
هذا كله يجعلنا نقول إننا نعيش، في الوطن العربي، “الدرجة صفر من الديموقراطية”.
أي أننا لا نعيش حالة ديموقراطية جديرة بهذا الاسم، كما أننا، في بعض الأقطار، لا نعيش حالة انعدام مطلق لهذه الديموقراطية.
ولذلك فإن الطريق الوحيدة المفتوحة أمام الشعوب العربية هي طريق الاستمرار في هذا الاتجاه، اتجاه تثبيت الحقوق الأوليّة للإنسان العربي تمهيداً للانتقال نحو تطوير هذه الحقوق وإعطاء كل فرد حقوقه الكاملة سعياً لتحويله إلى مواطن حر متساوٍ مع غيره أمام الدولة والقانون.
المسافة شاسعة بين الواقع الراهن وهذه الحالة النموذجية. ولكنها مسافة تفرض على مجتمعاتنا أن تقطعها لأن البديل عن ذلك هو الغرق في مستنقع كابح لكل تقدم.
“الديموقراطية أو البربرية” هذا هو الشعار الذي يجب الدفاع عنه، والذي تجعله الحرب الدموية المستمرة في لبنان راهناً أكثر من أي وقت مضى.
وفي انتظار هذه الديموقراطية يتوجّب التمسك بحدها الأدنى، والسعي إلى تطويره وفتح ثغرات جديدة في الجدار الذي يسد السبيل نحو التفتح الكامل للمجتمعات العربية.
فالحديث عن “الدرجة صفر من الديموقراطية” لا يعني دفاعاً عن “الصفر” ولكنه يعني، بالتأكيد، إبداء الرغبة في التمسك بما هو متاح من أجل التأسيس لما هو أكثر من ذلك… بكثير!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى