أبي حسنما يحدث في لبنان

لبنان الذي فرّقهم.. لبنان الذي جمعهم

null

أُبيّ حسن – 27/05/2008

لعلها مفارقة طريفة أن يكون لبنان الذي تسبب(ظاهرياً) في انشقاق عربي- عربي, وعربي- غربي طوال العامين الماضيين, أن يكون هو لبنان ذاته الذي جمع شمل بعض العرب والغرب المنشقين في الخامس والعشرين من الجاري!.

إنها مفارقة لاشبيه لها سوى المفارقة الأخرى التي تعيشها سوريا راهناً, ونعني المفاوضات غير المباشرة التي تجريها الحكومة السورية مع إسرائيل برعاية تركية تهدف لاستعادة الجولان, في الوقت الذي ما تزال تحتل فيه تركيا أجزاء عزيزة من سوريا!.

وهي مفارقة أيضاً أن تكون الدوحة هي عرّابة الاتفاق اللبناني- اللبناني في حين تعيش قطر علاقة “حب ووئام” مع إسرائيل من دون أن تجمع بين البلدين عملية سلام كمصر والأردن والسلطة الفلسطينية!.

المفارقات في الحياة العربية- الإسلامية السياسية كثيرة, ولا نعتقد أنها مجرد مصادفة أن يكون لبنان هو الجامع بين تلك المفارقات!.

فمثلاً, قُبيل وأثناء وبُعيد حرب تموز 2006, وعلى مستويين, سياسي ومذهبي ديني, كان ثمة موقف سلبي لدول الاعتدال العربي(وبعض دول العالم الإسلامي) من تلك الحرب, وقد تترجم ذلك الموقف رسمياً من خلال انعقاد مؤتمر إسلام آباد في باكستان في شهر شباط 2007, إذ شهدت العاصمة الباكستانية حينذاك ما بدا في حينه ولادة مُحور يضم باكستان وتركيا ومصر والسعودية والأردن وماليزيا واندونيسيا, يستهدف الحد من النفوذ الإيراني الذي أخذ يتسع جرّاء تعثر المشروع الأمريكي في العراق وفلسطين ولبنان, ومواجهة ما تراه تلك البلدان عن ظهور “هلال شيعي“.

وعندما سئل “خور شيد قصوري” وزير خارجية باكستان عن سبب استبعاد إيران وسوريا عن المؤتمر واقتصاره على تلك الدول فحسب لم يتردد في الإجابة: “(لأن الدول المجتمعة) تفكر بطريقة واحدة”(صحيفة “السفير” 26/2/2007). وواضح من كلام قصوري أنه يقصد إن الدول المجتمعة كلها من لون مذهبي محدد!. وهذا الأمر ليس بالمستغرب خاصة كنا قد شهدنا من قبلُ كيف تجاهل وزراء الخارجية العرب طلب وليد المعلم وزير الخارجية السورية بـ “إدراج تحية لحزب الله” في مقررات مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في بيروت” عقب حرب تموز 2006(أ ف ب, نقلاً عن موقع “الرأي” الالكتروني).

وحال تبني قادة تلك الدول مثل ذلك الموقف السلبي, سرعان ما وجد تجاوباً من خلال المؤسسة الدينية الرسمية(الموظفة لدى بعضه), فقد دخل شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي سنتذاك على خط المواجهة من بعد رؤيته صور حسن نصر الله مرفوعة في الأزهر, لذا لم يلبث الوقت طويلاً حتى أكد في خطاب له أمام الرئيس حسني مبارك معلقاً على الأحداث الجارية في لبنان بالقول: “إن المنطقة العربية لا تستحمل مقامرين. وأضاف قائلاً: إن حكمة الرئيس مبارك في المنطقة ستُجبر الإسرائيليين على إيقاف إطلاق النار. وإن الشيخ ذاته رد على سؤال لأحد الأساتذة حول مغزى خطابه –أمام الرئيس مبارك- بشن هجوم حاد على حسن نصر أمين عام حزب الله بلغ حد وصفه بأنه رجل مريض بجنون العظمة –أي نصر الله- يريد أن يظهر أمام الشارع الإسلامي والعربي بأنه صلاح الدين الأيوبي الذي سيحرر الأمة من نير الاحتلال. ولفتت المصادر إلى أن الدكتور أحمد الطيب(رئيس جامعة الأزهر) الذي أبدى اعتراضه على وجهة النظر هذه, خشية من أن تؤدي إلى تصادم بين الشارع الإسلامي والأزهر, لكن طنطاوي رد قائلاً: إن الأزهر مواقفه واضحة واتجاهاته مستمدة من رئيس الدولة, معتبراً إن كلامه ليس إدانة للمؤسسة الدينية بقدر ماهو موقف مشرّف سبقنا به السعوديون والأردنيون”(انظر الموقع الالكتروني: “أخبارنا” تاريخ 23/7/2006).

الموقف المصري من المسألة اللبنانية التي تجسّد حالة المفارقات العربية, شهد تراجعاً من النقيض إلى النقيض من خلال إعلان مسؤولين في الحكومة المصرية “تصريحين لافتين صدرا عن كل من رئيس مجلس الشعب أحمد فتحي سرور ورئيس الحكومة أحمد نظيف، يُعَدّان ثوريّان ضدّ إسرائيل والولايات المتحدة؛ الأول رأى أنّ القوّة وحدها هي السبيل لاسترداد كل الأراضي الفلسطينية التي تحتلّها إسرائيل، فيما كشف الثاني عن وجود نيّة لتغيير عقود تصدير الغاز الطبيعي إلى الدولة العبريّة”( صحيفة “الأخبار” اللبنانية, 21 أيار 2008). طبعا هناك من فسّر هذه الهبّة المصرية عبارة عن ردة فعل على خطاب جورج بوش في إسرائيل في الذكرى الستين لقيامها, وهناك من يرى أنها عبارة عن ردة فعل رسمية غاضبة لتطرق بوش الابن لانتهاك حقوق الإنسان في مصر أثناء تواجده في شرم الشيخ مؤخراً.

وأياً كانت دوافع “اليقظة” المصرية المفاجأة إلا أنها سرعان ما لاقت تجاوباً من قبل المؤسسة الدينية الرسمية ممثلة بالأزهر, فقد قيّم مجمع البحوث الإسلامية في اجتماعه الطارئ الذي عقد برئاسة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي الدور المقاوم لحزب الله. ونقلت قناة “المنار” الفضائية التابعة لحزب الله عن أعضاء المجلس قولهم: “إنه لولا يقظة الحزب لمحاولات التجسس الإسرائيلي لدمر لبنان” واتفق الأعضاء على أن لحزب الله الفضل بعد الله في صد الهجمات الإسرائيلية. و”استنكر الأعضاء بالإجماع نعرات الفتن والشقاق بين أبناء لبنان, وأبعدوا الأزهر عن الانحياز لأي طرف من الأطراف المتناحرة, مع التأكيد على حق المقاومة والدفاع عن النفس, واحترام الدستور والبعد عن الفتن.” (د. ب. أ, 21/5/2008).

فكما هو ملاحظ, إن لم يكن ثمة تماه بين الخطابين السياسي والديني المصريين, فثمة تطابق شديد بينهما, وفي كلا الموقفين, أي أثناء حرب تموز 2006, وبعد انتفاضة حزب الله الأخيرة وما نجم عنها من اتفاق في الدوحة.

المفارقات العربية التي يعكسها, دائماً على ما يبدو, لبنان من خلال تركيبته وطريقة ولادته ككيان, يجسدها توصيفان قيلا فيه. الأول منهما وهو بحسب لغة هواجس بعض السياسيين السوريين بأنه: “خاصرة سوريا الرخوة”. والثاني منهما, وهو الذي عادة ما تلوكه ألسن بعض المشتغلين في الحقل العام والثقافي المعادين للبنان ككيان مستقل, ينطلق من مقولة أن لبنان: “خطأ تاريخي“.

انطلاقاً من الوصفين السابقين, يجد المتابع للشأن العام أن لبنان, بمكوناته وحراكه غير المتجانس لاسيّما في ظل انعدام انتصار مفهوم المواطن, ليس خاصرة رخوة لسوريا فحسب, وليس كذلك خطأ تاريخياً(مع تحفظنا على هذا الوصف), بل هو عبارة عن مرآة تعكس هشاشة الوضع العربي المتردي على الصعد كافة, ابتداء من استعصاء الحداثة على القوم اللاهجين بالضاد, وليس انتهاء بحالة تشرذمهم الناتجة عن تناقض مصالح نخبهم الحاكمة. من دون أن نغفل تضارب مصالح الدول الإقليمية الأخرى, سواء أكانت الفارسية أم الأوربية والأمريكية.

انطلاقاً مما سلف, لانجد أن ما شهدناه في لبنان مؤخراً, يعكس حالة وفاق لبناني- لبناني, بما يعني أن ذلك البلد طوى صفحة الماضي والجاً صفحة جديدة(وإن كنا نأمل ذلك), قدر ما هو يعبّر عن أن مصالح تلك النخب التي نعني بما فيها نخب المصالح الغربية تتطلب مثل ذلك الوفاق وإن كان مؤقتاً.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما هي قدرة النخب العربية الحاكمة ومجتمعاتها التي تعيش مرحلة ما قبل الحداثة على مواجهة مصالح النخب التي تعيش هي ومجتمعاتها مرحلة ما بعد الحداثة؟ أخشى أن تكون الإجابة عن هذا السؤال في لبنان, وإن غداً لناظره قريب.

أُبيّ حسن: ( كلنا شركاء ) 27/5/2008



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى