سلامة كيلةصفحات العالم

نـظام نهـب الأمـوال العربيـة

سلامة كيلة
منذ انفجار الأزمة المالية العالمية في أيلول عام 2008 والرقم المتكرر لخسارة الرأسماليين العربي تتمحور حول 2,5 تريليون دولار. هذا ما كرره الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية أحمد جويلي. وأظن أنه يكرر رقماً أشار إلى الخسارة مع وقوع الأزمة، أي قبل أكثر من عام، حيث صدرت تصريحات على لسان وزير كويتي تدعمت بدراســات متعددة أشارت إلى هذه الخسارة في فترة حدوث الأزمة. وبالتالي يجب ملاحظة الخسارات اللاحقة، بما في ذلك ما حدث لإمارة دبي.
والرقم مهول، وسيكون مهولاً أكثر حينما نعرف بأن الرأسمال الخليجي كان قد بلغ حوالى 3 تريليونات دولار قبيل بدء الأزمة، حسب ما أشار هنري كيسنجر في مقالة له على أبواب الأزمة (أي بداية شهر أيلول من عام 2008). بمعــنى أن الخســارة هي خمسة أسداس المال الذي كان يملكه الأمراء، والدول الخليجية. وهو أمر يثير الألم أكثر مما يثير الرعب، لأن هذا الرقم كان يمكن أن يغيّر من مصير الوطن العربي كله.
هذا الوضع يطرح مسألة الفوائض النفطية للمناقشة، ويفرض أن نبحث في السياسات التي تصرّف فيها. لكن قبل ذلك لا بد من أن نشير إلى أن هذا الوضع يشير كذلك إلى آليات النهب التي تبقي التركز المالي منحصراً في المراكز، وفي الولايات المتحدة خصوصاً. وكيف أن حل الأزمــة المالية، التي هي أساس في بنية النمط الرأســمالي، يتم على حساب «الأضعف»، وهو ما يعني أن دوام الأزمــة سوف يفرض دوام النهب، وبالتالي خسارة تريليونات أخرى.
والمتابع لمسألة بيع النفط وصيرورة الفوائض الناتجة من ذلك يلحظ كيف وصلت الأمور إلى هذه النهاية، حيث يتركز التوظيف الخليجي في البلدان الرأسمالية ذاتها، أو يوظف في قطاعات هامشية في دول الخليج، أو في بعض البلدان العربية، وربما العالمثالثية الأخرى. فقد أوضحت دراسة وُضعت قبل عامين تقريباً بأن مداخيل البلدان الخليجية بلغت في السنوات بين 2002 و2006 ما يقرب الـ 1,5 تريليون دولار من الصادرات النفطية، استهلكت الواردات السلعية والعسكرية من البلدان الرأسمالية ما قيمته تريليون دولار، بينما ذهب الفائض والبالغ نصف تريليون دولار في معظمه إلى البلدان الرأسمالية ذاتها، فحصلت الولايات المتحدة على حصة مقدارها 300 مليار دولار، وأوروبا على حصة مقدارها 100 مليار دولار، وذهب مبلغ 60 مليار دولار إلى شرق آسيا (اليابان بالأساس)، ووُظف الباقي في البلدان الخليجية ذاتها.
ولا شك في أن هذه المعادلة حكمت الفوائض النفطية الهائلة التي حصلت بعد ذلك ونتجت من المضاربات على النفط أعوام 2007 و2008 قبل أن يهوي إلى الحضيض. وربما هذا يفسر تضخم الكتلة المالية الخليجية لتصل إلى 3 تريليونات دولار في أيلول من العام 2008، فقد كانت التقديرات تشير إلى أن التوظيفات والأموال الخليجية بلغت ما يقارب 1,5 تريليون دولار. وبالتالي سنلمس أن الكتلة الأساسية من الفوائض النفطية توظف في البلدان الرأسمالية، ولقد حاولت البلدان الخليجية بعد الارتفاع الهائل في سعر النفط أن توظف جزءاً محدوداً من فوائضها في البلدان العربية، وبعض البلدان الأخرى، لكن تركز التوظيف في القطاع العقاري بالأساس، وفي السياحة، وتوقف بعد الأزمة.
إن الوضع الذي نشــطت فــيه هذه الأموال كان هشاً، حيث تركزت على التوظــيف في العقارات، في البلدان الرأسمالية وفي المنطقة، كــما في البنــوك، وفي شركات تنشط في المضاربة. بمعنى أن جلّ توظيفاتها كانت خارج الاقتصاد الحقيقي أو على هامشه.
وإذا كانت دبي قد تأسست بعيداً عن توظيف الفوائض المالية، فإن التركيز على القطاع العقاري وفي سياق سياسة تنطلق من بناء «وضع فنتازي» يكون قاعدة لجذب الشركات العالمية ورجالاتها، فإن الأزمة قادت إلى مراكمة الديون دون مقدرة على سداد أقساطها نتيجة «هروب» الشركات تاركة ديوناً هائلة خلفها، وبالتالي انتهاء دور دبي، وتحوّل كل تلك العقارات المذهلة (في ضخامتها أو ارتفاعها، أو طابعها) إلى ركام سوف تصبح هناك حاجة للاقتراض من أجل إزالته. كما أن معظم المشاريع العقارية التي بُدئ ببنائها في البلدان العربية توقف بعد أن أهدر أموالاً طائلة. وبالتالي سوف يتحوّل إلى عبء من جديد لأن سداد الديون ـ بعد توقف المشاريع ـ سوف يستنزف مليارات أخرى.
لكن المسألة الأساس هنا هي السؤال عن طبيعة التوظيف الذي حكم أمراء النفط، والذي قاد إلى هذه الكارثة. فأولاً، سنلمس أن الكتلة الأساسية من الفوائض يذهب إلى المراكز الرأسمالية، وهي توظف هناك في هوامش الاقتصاد الرأسمالي، أو يبقى تحت سيطرة البنوك الرأسمالية. ربما كان التوظيف هناك يدرّ ربحاً أعلى، لكن النتيجة هي ما نرى اليوم، حيث تبخّر الربح والمال ذاته. وإذا كان الربح هو الذي يدفع هذا المال إلى «العودة» إلى البلدان الرأسمالية، إن ذلك غير بعيد عن انحكام تلك الإمارات للسيطرة الأميركية التي فرضت وجودها العسكري بعد سنة 1990، رغم أنها كانت تخطط لذلك منذ أن قررت السعودية وقف تصدير النفــط خلال حــرب أكتــوبر، ومن ثم أصدرت «مبدأ كارتر» الذي جـــعل الخليج جزءاً من الأمن القومي الأميركي، وبالتالي لتـــكون سياسة النظام العراقي مدخلاً لفرض الوجود العسكري على الأرض.
وسنلمس هنا أن هذا الوجود، الذي استنزف فوائض طائلة سنوات 1990/1991 (حيث خسرت الكويت كل مدخراتها التي فاقت الـ700 مليار دولار، وكذلك خسرت السعودية مليارات أخرى)، فرض معادلة جديدة تحكمت الولايات المتحدة بها، وقامت على ضبط حركة الرسامــيل النفـــطية وفــق ما أظهرته التقارير اللاحقة. أي الاستيراد الضخم من الولايات المتحدة، وإعادة الفوائــض إلــى البنوك الأميركية. ولهذا بات تعامل تلك الدول محكوماً بالموافقة الأميركية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى