صفحات سورية

ضربة وقائية ؟

null
رنده حيدر
على الرغم من عجز الأميركيين والإسرائيليين على تقديم دلائل ملموسة تؤكد حصول “حزب الله” على صواريخ “سكود” من سوريا، فإنهم نجحوا في خلق أزمة جديدة حول   سلاح “حزب الله” وترسانته الصاروخية، وفي تحويل الإهتمام الى الدور السوري في تسليح الحزب، مما ساهم في عودة المخاوف اللبنانية والعربية والدولية من احتمال تعرض لبنان لعملية عسكرية إسرائيلية جديدة، وأعاد أجواء التوتر الى العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة في وقت بدا أن العلاقات بين البلدين الى انفراج.
لقد أظهرت أزمة صواريخ “سكود” بوضوح أن الخلاف الكبير بين إدارة أوباما  وحكومة نتنياهو حول التسوية السياسية مع الفلسطينيين وحل الدولتين، والذي كاد  يؤدي الى توتر غير مسبوق في العلاقة التاريخية بين الدولتين؛ لا ينسحب على الموضوعات الأخرى. وأكبر دليل على ذلك التفاهم  الأميركي الإسرائيلي الكامل حول موضوع سلاح “حزب الله” وترسانته الصاورخية، وحول دور كل من سوريا وإيران في تزويد الحزب بالسلاح. هنا يبدو التطابق في وجهات النظر كاملاً، وتكفي قراءة التصريحات الصادرة عن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ونظيره الأميركي روبرت غيتس خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها باراك للبنتاغون كي تكتمل الصورة.
ولكن اذا كان التوافق الأميركي الإسرائيلي تاماً حول الخطورة التي يمثلها حصول “حزب الله” على منظومات سلاح جديدة، فإن الطرفين لا يتفقان على كيفية مواجهة هذا الخطر. فكل الدلائل تشير إلى أن ادارة اوباما ليست مستعدة للموافقة على أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد “حزب الله” في لبنان، في الظروف والشروط الحالية،  ليس دفاعاً عن الإستقرار السياسي الهش في لبنان، وإنما خوفاً من ان يتطور الأمر الى مواجهة أوسع تهدد المنطقة بأسرها. ولأن أي عمل عسكري إسرائيلي ضد لبنان سيطيح كل الجهود الأميركية التي بذلتها الإدارة الحالية من أجل تحقيق تسوية نهائية للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، كما سيوجه ضربة قاضية الى سعي الإدارة الأميركية لربط عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بعملية التصدي لخطر السلاح النووي الإيراني. فأي ضربة عسكرية إسرائيلية ولو محدودة لـ”حزب الله” في لبنان، ستستغلها إيران لتحويل الإهتمام الدولي عن مشكلة سلاحها النووي، وستحرج الدول العربية المعتدلة، وستضعف الموقف التفاوضي للسلطة الفلسطينية التي قد توافق على الإقتراح الأميركي بعودة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل كي لا تظهر في مظهر الرافض لفكرة التسوية لا أكثر ولا أقل. باختصار ضربة عسكرية للحزب ستؤذي المصالح الأميركية في المنطقة.
لكن يبقى السؤال الأساسي: هل من الممكن أن تؤدي أزمة صواريخ “سكود” الى عمل عسكري محدود؟ وهنا يمكن الإشارة الى التالي: ففي الوقت الذي سعى فيه المسؤولون الإسرائيليون الى طمأنة سوريا، وتراجعوا عن التهديدات التي وجهوها اليها في وقت سابق ظلت التحذيرات والتهديدات الموجهة الى لبنان على حالها.
فخلال اليومين الأخيرين طمأن كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك سوريا الى إن ليس في نية اسرائيل مهاجمتها. وقد ذهب نتنياهو الى ما هو أبعد من ذلك فاتهم إيران بأنها هي التي تنشر الشائعات حول احتمال الحرب بين إسرائيل وسوريا. في المقابل ظلت إسرائيل على موقفها من التهديدات الموجهة الى لبنان، لا بل يمكن القول إن كلام وزير الدفاع الأميركي الأخير بأن لدى “حزب الله” صواريخ أكثر مما لدى غالبية حكومات العالم، قد يشكل ذريعة يمكن أن تستغلها إسرائيل لاحقاً لمهاجمة هذه الصواريخ.
انطلاقاً من ذلك من غير المستبعد أن تكون قيادة الجيش الإسرائيلي بصدد البحث عن معلومات استخبارية حول مكان هذه الصواريخ تمهيداً لعمل ما ضدها، بحيث يقوم الجيش الإسرائيلي بتوجيه ضربة وقائية للقدرة الصاروخية للحزب تعيد توازن الردع الذي كان قائماً سابقاً من دون أن تفتح باب المواجهة العسكرية التي قد تتطور الى حرب شاملة، خاصة أن هناك اقتناعاً داخل إسرائيل أن ليس من مصلحة “حزب الله” اليوم خوض حرب شاملة ضد إسرائيل.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى