أبي حسنصفحات سورية

سوريا بين عامين

null
أُبي حسن
حققت سوريا, العام المنصرم, انجازات عدة على الصعيد الخارجي, فقد خرجت من عزلتها(شبه) الدوليّة التي سبق أن فُرضت عليها, على خلفية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وتجسد ذلك الخروج في أكثر من زيارة قام بها الرئيس السوري إلى عدد من الدول الأوربية كفرنسا والنمسا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. من دون أن ننسى العلاقة المميزة مع تركيا, ولا مبالغة في قولنا إنها علاقة أصبحت تفوق بحسنها أفضل العلاقات العربية- العربية. يضاف إلى ما سبق زيارة عدد من الوفود الغربية إلى دمشق.
أما على المستوى العربي, فقد عادت العلاقات السوريّة- السعودية إلى طبيعتها, وتمت زيارات متبادلة بين الملك عبد الله والرئيس الأسد. وقد توجت تلك العودة, بتأليف الحكومة اللبنانية, وتكلل ذلك كله بالزيارة الخاصة التي قام بها الرئيس سعد الحريري إلى سوريا باعتباره ضيفاً على الرئيس السوري.
إذاً, شهدت سوريا انفتاحاً معقولاً ومقبولاً في علاقاتها الخارجية, العربي منها والغربي. وصدق من قال إن عام 2009 كان عام نجاح السياسة الخارجية لسوريا. لكن, مع الأسف إن بعض ما جرى في الداخل السوري لم يكن بمستوى النجاح الخارجي. فمن المعروف أنه تمت في سوريا بعض الممارسات المنفرة, التي يمكن القول إنها من بقايا مرحلة “الدولة الأمنية”, وهي مرحلة نفترض أن الخطاب السياسي الرسمي السوري تجاوزها منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة, الأمر الذي يفرض انفتاحاً داخلياً يوازي أو يقارب الانجازات على الصعيد الخارجي.
فقد مضى العام 2009 دون صدور مرسوم عفو, كما كنا نأمل, عن سجناء الرأي وضحايا الاعتقال التعسفي وسواهم ممن حوكموا محاكمات جائرة, كان من شأنها تكريس الإساءة للقضاء السوري عوضاً عن النهوض به, فإذا بنا أمام أكثر من “سعيد ميرزا” سوري!.
صحيح أن الاعتقالات التي جرت خلال 2009 لم تكن نسبتها مرتفعة كما كانت الحال في عامي 2007 و2008, لكن هذا لا يعني خلو العام المذكور من اعتقالات تعسفية. فمثلاً, اعتقال المحامي هيثم المالح14/10/2009 غير المبرر من أساسه وفق اعتقادنا, تمّ بطريقة تسيء إلى المكاسب السياسية الخارجية للنظام(قد تكون سابقة في سوريا, أن يتم اعتقال شخص يدق أبواب الثمانين من عمره!). وكذلك الأمر في اعتقال الزميل معن عاقل الذي أُخذ بتاريخ 23/11/2009من مكان عمله في صحيفة الثورة الحكومية (وقيل من مكتب مدير عام مؤسسة الوحدة التي تصدر عنها “الثورة”), وقد أكد كثيرون أن اعتقاله كان على خلفية إجرائه تحقيقاً عن معامل الأدوية في سوريا, وليس بتهمة جنائية. طبعاً, اتحاد الصحفيين السوريين لم يكتف بالصمت(كالعادة) إزاء اعتقال أحد أعضائه, بل هو من روج على لسان نائبه شائعة التهمة الجنائية التي جعلت بعض المعنيين بالحريات الصحفية يصدقونها بادئ الأمر, ما ألزم البعض منهم الامتناع عن إصدار بيان يندد بالاعتقال في حينه. والشائعة الظالمة ذاتها, كاد يتبناها كاتب هذه السطور في غير مكان. شعور بعض الزملاء في سوريا بمدى الظلم الواقع على الصحفي عاقل دفعهم لاحقاً إلى إنشاء مدونة تعاطف معه تحمل اسمه, وقد كان وراء هذه اللفتة الجميلة والمعبرة الزميل مازن كم الماز.
في زمن مقارب لما سبق ذكره, تحديداً بتاريخ10/11/2009, أقدمت نقابة المحامين في سوريا فرع دمشق على شطب اسم المحامي الناشط مهند الحسني, رئيس منظمة سواسية, من جدول المحامين الأساتذة وحرمانه من مزاولة المهنة, بذريعة ترأسه منظمة حقوقية غير مرخصة(علماً إن المنظمة كان لها أكثر من أربع سنوات تمارس نشاطها العلني, ما يعني أنها باتت مرخصة بحكم الأمر الواقع وبموجب مواد قانونية ملزمة). الإجراء غير المسبوق لنقابة المحامين في سوريا, وجد صداه في باريس, إذ بادرت نقابة المحامين لدى محكمة باريس إلى الدفاع عنه, من خلال رسالة احتجاجية أرسلها نقيب محامي باريس السيد كريستيان شاريير بورنازي, بتاريخ 7 كانون الأول 2009, عبر البريد المسجّل مع وصل استلام إلى نقابة المحامين السوريين, اعتبر فيها أن فصل المحامي الحسني “عملاً شائناً أحرص على الاحتجاج عليه باسم نقابة محامي باريس”, ملحقاً خطوته هذه بخطوة أخرى مفادها “في ظل هذا الوضع أعيد إليكم الميدالية التي منحتموها إلى نقابة باريس والتي أعتقد أنها لم تعد تلزمنا”, ما شكل فضيحة لنقابة محامي سوريا, حاول المعنيون بالأمر تداركها بطرقهم الخاصة. مع العلم أن المحامي الحسني خطّ, في اليوم الثاني على شطب اسمه من جدول المحامين, رسالة مؤثرة من مكان اعتقاله في سجن عدرا المركزي, لم يتحامل فيها على نقابته بل قدّر الظروف التي دفعتها إلى اتخاذ ذلك الموقف الجائر منه, مبدياً عميق احترامه لها, معتبراً أن دفاعه عن معتقلي الرأي وحقوق الإنسان في سوريا وسام يشرّفه.
وفي موقف قريب من موقف نقابة المحامين لدى محكمة باريس, أقيم في برلين احتفال كبير كرّم فيه اتحاد القضاة الألمان المحامي السوري أنور البني الذي يقضي عقوبة سجن خمس سنوات. وقد تسلّم كمال البني بالنيابة عن شقيقه أنور جائزة اتحاد القضاة الألمان لحقوق الإنسان. وفي موقف لافت اُستقبل كمال من قبل رئيس الدولة هورست كولر في قصر الرئاسة “ليؤكد له تضامنه مع شقيقه المسجون بسبب دفاعه عن حقوق الإنسان وكرامته وحريته في بلده”(موقع تيار المستقبل الكردي. 18/12/2009). وإذ نُكبر تلك الخطوة الألمانية, بيد أننا كنا سنسر أكثر, لو اتخذ اتحاد القضاة الألمان موقفاً يدين من خلاله سلوك السيد القاضي الألماني ديليف ميليس بخصوص قضية اغتيال الرئيس الحريري, والطرق الملتوية التي اتبعها في تحقيقه الذي أثار الكثير من الشبهات, بما في ذلك شهود الزور الذين صنعهم, وهو سلوك لا يشرّف أي قضاء بطبيعة الحال.
ومن ضمن ما جرى في سوريا 2009 أن اعتقل خمسة أشخاص من رابطة العمل الشيوعي, وحتى الآن لا نعرف التهم الموجهة إليهم حتى تاريخه!.
ولعل أهم انجاز أحرزه المجتمع السوري, بمختلف انتماءاته الفكرية والسياسية والدينية..الخ, هو إسقاطه للمشروع الطالباني المُسمى مسودة قانون الأحوال الشخصيّة, وان كان ثمة مخاوف من العودة إليه بطرق ملتوية. ولم يكن من السهل على الفئات الاجتماعية السوريّة المتعددة والمتنوعة إسقاط ذلك المشروع, لو لم تكن ثمة فسحة الحرية داخل البلاد معقولة مقارنة بسنوات سابقة, لا قياساً على ما نريدها أن تكون.
حملت نهاية 2009حدث إعلان مجلس كردي يضم مجموع الأحزاب الكرديّة, وهي بطبيعة الحال غير مرخصة شأنها شأن أحزاب المعارضة الأخرى في سوريا. ويهدف المجلس, بحسب زعمه, إلى السعي لنيل حقوق الأكراد في بلدهم من بعد أن ضاقت بهم السبل, يأتي في مقدمتها الحقوق القوميّة والثقافية في إطار الوحدة السوريّة. خاصة أن المسألة الكرديّة لم تشهد تطورات ملموسة على الصعيد الرسمي, فعلى سبيل المثال لم يتم حتى الآن –ضمن حدود معرفتنا المتواضعة- تجنيس من وُعدوا به من أكراد يستحقونه وفق وجهة النظر الرسمية. الجديد الذي سمعنا به ولم نشهده بعدُ, كائن في وجود مجموعة مشاريع إنمائية على جدول أعمال الحكومة تخصّ المنطقة الشرقية والجزيرة(حيث يقيم معظم أكراد سوريا).
بعض ما يتمناه السوريون في 2010, هو التفات المعنيين بالأمر إلى الداخل السوري بما من شأنه تحسين واقع الفئات المهمشة في المجتمع(وصل عدد المسجلين في مكاتب التشغيل في البلاد, عام 2009 إلى 1,6 مليون عاطل عن العمل!), والعمل الجدي على انجاز قانون عصري للأحزاب (يكون خيره فيه, وليس على غرار قانون المطبوعات), وان يتم إغلاق ملف الاعتقال التعسفي في البلاد, وإطلاق سراح معتقلي الرأي من السجون, والعمل الجاد على إصلاح منظومة القضاء السوري التي صارت روائح فساد بعض القائمين عليها تزكم الأنوف. المطلوب ببساطة في عام 2010, أن تكون انجازات الداخل السوري خلاله, تليق بما حققته السياسة الخارجية للبلاد عام 2009, بما من شأنه الحفاظ على تلك المكاسب وتعزيزها.
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى