صفحات أخرى

سياسات الكارثة الكونية

ريتشارد فايتز
في عام 2010 سوف يتعين على العالم أن يتخذ قراراً من الوزن الثقيل بشأن ما إذا كان عليه أن يؤيد الفكرة التي طرحها أناتولي بيرمينوف رئيس وكالة الفضاء الروسية روسكوزموس بإطلاق مهمة غير مأهولة لإعادة توجيه كويكب ضخم قد يصطدم بالأرض بعد عام 2030 .
إن كويكب “أبوفيس” الذي يبلغ قطره أكثر من 360 متراً أضخم بعشر مرات من جسيم “تونجوسكا” الفضائي (الذي ربما كان نيزكاً أو مذنباً) الذي دمر جزءاً كبيراً من شرق سيبريا قبل قرن من الزمان . بقدر المتاح لدينا من المعلومات، فقد انفجر ذلك الجسيم في الثلاثين من يونيو/حزيران من عام ،1908 بقوة تعادل قوة القنبلة النووية، فاجتث ثمانين مليون شجرة في مساحة تزيد على 2000 كيلومتر مربع .
وطبقاً للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء في الولايات المتحدة (وكالة ناسا) فإذا ما ضرب كويكب “أبوفيس” الأرض، فقد يطلق من الطاقة ما يعادل مائة ألف ضعف الطاقة التي أطلقها جسيم “تونجوسكا” . وقد يؤدي الانفجار إلى تبخير الآلاف من الكيلومترات المربعة، ولكن الأرض بالكامل سوف تعاني من احتجاب ضوء الشمس وغير ذلك من التأثيرات الناجمة عن الغبار الذي سوف يحمله الانفجار إلى الغلاف الجوي . وهذا القدر العظيم من الخطورة يفسر السبب الذي جعل أحد المحللين الروس يطلق على أبوفيس “إرهابي الفضاء” .
تشير التوقعات الحالية إلى أن “أبوفيس”، الذي تم اكتشافه في عام ،2004 سوف يسلك مداراً قريباً من الأرض عدة مرات بين عام 2029 وعام 2036 . وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام ،2009 كان ستيف تشيلسي وبول كوداس، وهما اثنان من مراقبي الأجسام القريبة من الأرض تابعان لمختبر ناسا للدفع النفاث في باسادينا بولاية كاليفورنيا، قد قاما بحساب احتمالات اصطدام “أبوفيس” بالأرض في عام ،2036 فوجدا أنها حوالي واحد إلى 233000 مرة، وهذا أقل من التقديرات السابقة .
ولكن توقعاتهما بأن يقترب هذا الكويكب إلى مسافة ثلاثين ألف كيلومتر من كوكبنا في عام 2029 (وهي مسافة أقرب من بعض أقمار الاتصالات الاصطناعية الثابتة نسبة إلى الأرض، فضلاً عن القمر) من الأرجح أن تَسُر علماء الفلك وليس خبراء الأمن الدولي . ذلك أن أياً من المذنبات أو الجسيمات الفضائية الأخرى المجهولة قد تمر على مسافة قريبة من كويكب “أبوفيس” في غضون العقود القليلة القادمة بحيث تغير مساره المتوقع، وربما على النحو الذي قد يعيد توجيهه نحو الأرض .
اقترح العلماء طرقاً متعددة لإبعاد كويكبٍ ما عن الأرض . فاقترح البعض وضع جسم ضخم بالقرب منه لتحويل مساره من خلال الجاذبية المتبادلة . وتعتمد طريقة أخرى على استخدام المرايا، أو الضوء، أو الألوان لتغيير الطريقة التي يمتص بها الكويكب الحرارة، وهو ما قد يغير اتجاهه أيضاً . ومن الممكن من خلال ربط “أشرعة شمسية” بالكويكب أن تعمل الجسيمات الشمسية على توجيهه نحو مسار مختلف . كما اقترح آخرون صدم الكويكب بمركبة فضائية أو أي جسم آخر لتغيير قوة اندفاعه . كما فكر القليل من العلماء، والكثير من كتاب الخيال العلمي، في استخدام الأسلحة النووية لتدمير كويكب أو مذنب أو نيزك أو مركبة فضائية غريبة تتجه نحو الأرض . غير أن معاهدة الفضاء الخارجي تحظر وضع أسلحة نووية في مدارات حول الأرض، أو وضعها على أجرام سماوية، أو “وضع مثل هذه الأسلحة في الفضاء الخارجي بأي طريقة أخرى”، ولكن من الممكن تفسير المعاهدة بحيث تسمح باستخدام هذه الأسلحة لمرة واحدة .
إن النهج الأكثر سلامة قد يتلخص في اختبار العديد من التقنيات على كويكبات قريبة قبل استخدامها ضد “أبوفيس” عندما يقترب من الأرض . ولكن من المؤسف أن التقديرات تؤكد أن “مهاجمة” أحد الكويكبات قد تتكلف مليارات الدولارات، خاصة وأن الأمر سوف يتطلب إطلاق أجسام إلى الفضاء مرات عديدة حتى نضمن أن العدد المطلوب من مجسات الاستكشاف كافٍ لإتمام المهمة . وهذا يثير قضية من الذي يتعين عليه أن يتحمل تكاليف مثل هذه المهمة، وبشكل أكثر جوهرية، ما هي الجهة المخولة حق إصدار الإذن بتنفيذ هذه المهمة . والواقع أن هذين التساؤلين المرتبطين بالحوكمة العالمية ينطبقان أيضاً على تهديدات عالمية أخرى، مثل تغير المناخ، الذي يهدد قدرة البشر على البقاء .
ولكن بما أن اصطدام كويكب بالأرض، مثله كمثل تغير مناخ العالم، سوف يؤثر في البشرية جمعاء، أفلا ينبغي أن يكون للجميع حق المشاركة في اتخاذ القرار؟ ربما كان لزاماً على كل دولة أن تصوت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن كيفية التعامل مع هذا الأمر؛ والخيار الذي يحصل على أغلب الأصوات تكون له الغلبة  في ظل حد إلزامي أدنى من المتطلبات، مثل اشتراط طرح البديل من أجل كسب الأغلبية أو عدد أكبر من الأصوات . وهناك خيار آخر يتلخص في السماح لكل شخص بالغ بالتصويت مباشرة لصالح خياره المفضل في استفتاء عالمي .
لقد أثار اقتراح بيرمينوف تساؤلات مهمة  سواء على المستوى العلمي أو السياسي . وأياً كان حجم الخطر الذي يفرضه الكويكب “أبوفيس” على الأرض، فمن الجدير بنا أن نبدأ في تناول هذه التساؤلات بالدراسة العميقة والقدر الكافي من الجدية .
كبير زملاء ومدير مركز التحليل العسكري السياسي في معهد هدسون، والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى