صفحات ثقافية

المثقفـــون الشـــتّامون

null
رؤوف مسعد
ليس بالمستغرب أن يتعامل «الغوغائيون» مع بعضهم البعض بـ «لغتهم المفضلة» وهي السباب والشتائم والإهانات المتعلقة بشرف الأمهات.
لكن أن يدخل المثقفون المصريون معمعة سباب اهل الجزائر «بفحش القول» فهو امر يبعث على الأسى والألم أيضا. انهمرت الشتائم على الجزائريين من القنوات الفضائية الخاصة والحكومية. أصبحت عبارة «بلد المليون لقيط» شبه متداولة وان اضطرت قناة دريم لإجراء تحقيق مع قائلها المعلق الرياضي.. فلم تعد ادارة القناة بقابلة أن يصل الإسفاف لهذه الدرجة.
ومع ذلك فإن الصحافيين والمعلقين الرياضيين ومن لف لفهم تفننوا في اختراع الشتائم.. لكن أن يصل الأمر بمثقف وكاتب ودارس وملقي محاضرات في التصوف مثل يوسف زيدان أن يصف الشعب الجزائري كله بالبؤس والغباء… ولو لم اقرا مقاله في «المصري اليوم» بتاريخ 25 -11 -2009 بعنوان «د. يوسف زيدان يكتب: ذكريات جزائرية» لما صدقت من يكون قد نقل الخبر.
حينما قرأت العنوان، قلت لنفسي، اخيرا سيكتب مصري مثقف يشغل منصبا هاما في مكتبة الاسكندرية (التي من مهامها مد الجسور بين الشعوب) كلمة خير عن الجزائر. لكنه يعتذر من القراء بأن يتوقف موقتا عن مواصلة مقالاته عن التصوف «لأنه لا يمكنني بأي حال استكمال سلسلة المقالات التى أكتبها حالياً (مع الحالة المصرية) الحالية! أو بعبارة أخرى: لأنه من غير اللائق الكلام عن (الرؤية الصوفية للعالم) فى عالم تضطرب فيه بواطنُ المصريين، وتضطرم قلوبهم التهاباً وغضباً، بسبب اللقاءات الكروية البائسة التى جرت مؤخراً مع ذلك البلد المسمى الجزائر (وسوف أعود بعد قليل للكلام عن هذا الاسم) وبسبب الأحداث المريعة التي وقعت كتداعيات لهاتين المباراتين الأخيرتين».
ويسخر الدكتور زيدان من شح خيال اهل الجزائر لأنهم لم يجدوا اسما مختلفا لعاصمتهم سوى اسم بلدهم. يقول «أتذكرُ.. دُعيتُ للجزائر قبل فترة، للمشاركة في مؤتمر عن التراث العربي ينعقد هناك، فكانت معي هناك كارثة، لأنني حين وصلت مع ثلاثة من المشاركين الذين ذهبوا من مصر إلى العاصمة الجزائرية الجزائر (عزَّت الأسماء وندرتْ، فجعلوا للبلد وعاصمته اسماً واحداً!).
ويعلن بشجاعة «وبالطبع لم أفكر ثانية في السفر إلى هذا البلد،» «أكون رُحمتُ من تفجيرٍ عشوائي أو مذبحةٍ جماعية من تلك المذابح التى نراها دوماً على شاشات التلفزيون، ولا أحد يعرف لماذا يذبحون بعضهم البعض؟ وهل الجماعات الإسلامية هي التي تذبح القرويين حقاً، أم تذبحهم الحكومة كي تدين الجماعات الإسلامية؟ وهل هناك حقاً حكومة وجماعات إسلامية بهذا البلد المسمى (الجزائر)؟ مع أنه في معظمه امتدادٌ صحراوي لا يحوطه بحرٌ، مثلما تحوط البحار الجزر (الجزائر).
ويضيف: «وبعد هذه الذكرى السخيفة، عرفتُ عن الجزائر أنها بلد يعتصره البؤس. فلماذا لم تعرف حكومتنا أن البؤس يغوص فى نفوس الجزائريين، بعدما قاموا بعد المباراة الأولى بالهجوم على المصريين فى بلادهم وفي فرنسا وفي بلدان غير ذلك».
ثم يعاود زيدان «ذكرياته الجزائرية» فيرجع بنا إلى عقود خلت ليذكر للقراء نقائص طلاب الدكتوراه الجزائريين – بحسب قوله -!
«أتذكرُ.. كان معنا فى كلية الآداب طلاب جزائريون بالدراسات العليا، وكانوا والحق يقال مثالاً للغباء والعنف الداخلي، والتعصب المطلق (أي التعصب لأي سبب). ومع أن المنح الدراسية المقدمة لهم، يا للعجب، كانت مجانية، أي أن مصر (المحروسة) تقوم بسدادها عنهم، إلا أنهم كانوا لا يكفون عن التذمر، لأنهم كانوا حانقين على بلدهم! لأنها أرسلتهم إلى مصر وليس إلى فرنسا، كآخرين من زملائهم».
ثم ينهي «شتائمه بقوله انه لن يأسف على قطع علاقات مصر بالجزائر» لأن (الجزائر) لا يصح أصلاً أن تكون خصماً لمصر، ولا كفواً لها.. وأن نعي جيداً، أن قطع العلائق مع الجزائر لن يضير مصر لا على المدى القريب ولا البعيد، وقطع النظر عن وجود هذا الامتداد القاحل فى قلوب أهلها».
تذكير
اني مضطر هنا الى أن اذكّر القارئ – ما دمنا في مجال الذكريات – بان القرار الجمهوري الصادر بخصوص انشاء مكتبة الاسكندرية يقول في ديباجته «تسعى مكتبة الإسكندرية الجديدة إلى استعادة روح الانفتاح والبحث التي ميزت المكتبة القديمة؛ فهي ليست مجرد مكتبة وإنما هي مجمع ثقافي». كما ترنو المكتبة، بشكل خاص، لأن تكون نافذة العالم على مصر، نافذة مصر على العالم، مؤسسة رائدة في العصر الرقمي، وفوق كل ذلك مركزًا للتعلم والتسامح والحوار والتفاهم.
والدكتور يوسف زيدان الذي هو أيضا موظف كبير ومسؤول في المكتبة حيث يرأس قسم المخطوطات وقسم «الباحث المقيم» من المفترض – بالطبع – أن يعمل على التقارب بين الشعوب!
ونجد في القرار الجمهوري بتأسيس المكتبة ما يلي:
(المادة الأولى)
مكتبة الإسكندرية شخص اعتباري عام، مقرُّه مدينة الإسكندرية يتبع رئيس الجمهورية، وهي مركز إشعاع حضاري مصري، ومنارة للفكر والثقافة والعلوم، وتضم ما أنتجه العقل البشري في الحضارات القديمة والحديثة بجميع اللغات.
فالدكتور يوسف زيدان قد حاز شهرة «عربية» واسعة بعد فوز كتابه «عزازيل» بجائزة الرواية العربية منذ عامين.. أقول عربية لأن الجائزة التي نالها قد اعطت اسمه بعدا عربيا بعد أن كان غير معروف في مصر إلا لرواد «الباحث المقيم» في مكتبة اسكندرية وقد اكتفيت بإيراد نصوص مطولة من شتائم زيدان ولم «اورد» ما قاله آخرون من شتائم مشابهة. فمثلا نجد أن علاء الأسواني طالب باستدعاء الجزائر بلدا وحكومة أمام المحكمة الجنائية الدولية (ندوة الاسواني في المركز الثقافي الاسباني بالقاهرة 23 -11 – الشروق) بالرغم من اني وجدت اسمه في البيان الصادر من المثقفين من مكتبة بدرخان يطالب بعدم الانسياق وراء الغوغائية بالنسبة للجزائر والذي اذاعته «البي بي سي العربية» اليوم في صفحتها الإلكترونية.
بالمقابل تجد قلة من المثقفين انبروا للغوغائية يحاولون تذكير الناس بأن الجزائر بلد عربي وان الموضوع كله تمت المبالغة فيه من وسائل الاعلام المختلفة من البلدين.. على رأس هؤلاء محمد المخزنجي القاص الكبير.
سؤال: لماذا يلجأ مثقف ما من مصر (مثلا) الى شتم الجزائر وأهلها بدون حتى أن يتحقق من الأمر؟
لا أعلم، لكن ما قرأته في «المصري» على لسان السفير المصري في الخرطوم وشكواه من الاعلام المصري، جعلاني اوقن مرة أخرى «بنظرية المؤامرة» خاصة أن اسرائيل تستعد لاختراق ما تبقى من خطوط المثقفين العرب القليلة الواهية.
يؤكد أيضا علاقة معظم المثقفين المصريين «التاريخية» بالسلطة. يتشمم من اين تهب الرياح فيتبعها ويلحقها ويحاول أن يسبقها!
والأيام القليلة المقبلة ستكون خير دليل.
(كاتب مصري)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى