زين الشاميصفحات سورية

الدين والدولة العلمانية في سورية… «الحب» الإجباري

null
زين الشامي
تعود العلاقة بين الدين والدولة في سورية إلى فترة قديمة، ولم تبدأ فقط مع تسلم «حزب البعث» للسلطة في عام 1963، بل يمكن القول إنها اتخذت منحى جديداً ومختلفاً.
وكما هو معروف تأسست الكثير من الجمعيات خلال الحقبة العثمانية، خصوصاً في مدينتي دمشق وحلب، ثم ازداد عدد هذه الجمعيات وتضاعف خلال فترة الانتداب الفرنسي على سورية 1920 1946، وغالباً كانت هذه الجمعيات تضم ممثلي البرجوازية الدمشقية والحلبية خصوصاً، وبرجوازية المدن السورية عموماً.
ورغم أن انخراط هذه الجمعيات في الشأن السياسي بقي محدوداً، إلا أنه عبّر عن ذاته في فترة الانتداب البريطاني لفلسطين حين ساهم بعض رجال الدين في ثورة عام 1936 مثل رجل الدين عز الدين القسام من مدينة جبلة على الساحل السوري الذي انتقل إلى فلسطين لقيادة تلك الثورة، إلا أن الانخراط الأول في الشأن السياسي الداخلي بدأ فعلياً مع تأسيس جماعة «الإخوان المسلمين» منتصف الأربعينات في سورية على يد مصطفى السباعي، ومعروف أن «الإخوان» دخلوا في صراع مسلح مع النظام في بداية الثمانينات انتهى بتوجيه ضربة قوية لهم قضت بسجن ونفي الآلاف منهم.
وللحقيقة أنه وحين سيطرة «حزب البعث» على السلطة فإنه اتبع سياسة علمانية، لكنها سياسية لم تكن ضد الدين أو الجمعيات الدينية أو النشاط الديني غير المسيس. أما عندما جاء حافظ الأسد إلى السلطة عام 1971 بعد «حركة تصحيحية» داخل «حزب البعث» أقصى بموجبها رموز الجناح اليساري كلها، فقد عمل على التقرب من رجال الدين لأنه كان يدرك مدى أهمية الدين في حياة السوريين ولأنه من خلال ذلك كان يسعى إلى كسب ثقتهم. لذلك راح يغتنم كل مناسبة دينية أو فرصة للتعبير عن احترامه، حتى أنه منح بعض رجال الدين بعض المقاعد في البرلمان عام 1971 ومنهم المفتي السابق أحمد كفتارو.
وتأكيداً على ذلك، وخلال جولة قام بها على المحافظات في عام 1970 سعى للقاء رجال الدين المهمين والمؤثرين كلهم، وعمل في ما بعد على رفع رواتب وأجور الذين يعملون في الحقل الديني، كذلك تبرع ببعض الأموال لبناء المساجد في بعض المحافظات السورية، وكان مواظباً على أداء صلاة عيدي الفطر والأضحى كل عام، وغالباً ما كان يصطحب معه رجال الدولة والحكومة كلهم، وحتى مسؤولي «حزب البعث» لأداء تلك الواجبات الدينية التي كانت تبث على التلفزيون طوال اليوم، وربما لمدة يومين ليشاهدها السوريون كلهم، كذلك كان يحرص الأسد على إقامة حفل إفطار في نهاية كل شهر رمضان ويدعو إليه بعض رجال الدين في المحافظات السورية، وبقي مواظباً على هذه السياسية حتى وفاته في عام 2000.
واستمر ابنه بشار الأسد على السياسة نفسها مراعياً ما كان يحرص عليه والده من طقوس وعادات في التعامل مع رجال الدين. الشيء الذي اختلف قليلاً أنه قام بتعيين رجل الدين أحمد حسون مفتياً لسورية بدلاً من أحمد كفتارو الذي توفي عام 2005، وأحمد حسون هو من مدينة حلب، ما يعني أنها المرة الأولى التي يتم فيها تعيين رجل دين في منصب المفتي من خارج مدينة دمشق، كذلك يعتبر أحمد حسون أكثر انفتاحاً وحداثة مقارنة مع الشيخ أحمد كفتارو.
يمكن اختصار السياسة التي اتبعها حافظ الأسد وابنه في ما بعد الرئيس بشار الأسد حيال الدين بأنها سياسة تقوم على احترام الطقوس والشعائر ومراعاة الأعراف الدينية، حتى لو لم تكن منسجمة مع المبادئ العلمانية للدولة، مقابل أن يكف رجال الدين عن التدخل في الشأن السياسي أو الطائفي.
بدورهم رجال الدين أدركوا حقيقة هذه المعادلة جيداً وفهموا ماذا يعني تجاوزها أو كسرها، بعد ردة الفعل العنيفة للسلطة و«حزب البعث» على «الإخوان المسلمين» في الثمانينات.
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى