صفحات ثقافية

مصرع الشاعر يوسف القدرة

null
راسم المدهون
لم يكد حبر مقالتي في »السفير الثقافي« يوم الجمعة الفائت يجفّ، حتى جاءني النبأ الفاجع: مصرع الشاعر يوسف القدرة برصاصة قيل أنها طائشة.
يوسف القدرة ( ٢٦ عاما ومجموعتان شعريتان)، كان أحد ثلاثة من شعراء قطاع غزة الشباب الذين تناولت شعرهم في مقالتي »غزة الشاعرة«. كان صباح يوم الجمعة، الثاني والعشرين من آب الجاري منهمكا في بيع الفواكه في دكانه الصغير في مدينة خان يونس حين أتته رصاصة »طائشة« فسقط مضرجا بدمه فوق صناديق التفاح ووسط دهشة الزبائن وفزعهم، هم الذين عرفوه على مدار سنين طويلة بسيطا، فقيرا وغير منتم لأي من التنظيمات السياسية أو الميليشيات المسلّحة.
الذين كانوا يتدرّبون على إطلاق النار في موقع قريب و»طاشت« رصاصاتهم فأصابت صدر الشاعر، سارعوا بعد ذلك وفورا إلى اعتباره أحد شهدائهم، وقالوا إنه ينتمي اليهم.
هي مرة أخرى محنة الشعراء، تماما مثلما هي محنة الشعر والحياة في زمن الفوضى وسطوة السلاح المنفلت من أية ضوابط.
قبل عام ونيف تم إعدام الشاعر نصر أبو شاور بالرّصاص بعد أن سقط موقعه العسكري في أيدي الانقلابيين. اقتادوه أمتارا قليلة حيث أقرب جدار، وهناك أطلقوا الرّصاص على فمه. بعدها بأيام معدودة ألقى »مجهولون« ماء النار على منزل صديقه الشاعر باسم النبريص لأنه كتب مرثية عنه.
هكذا تدور عجلة الموت وتطحن بأضراس الانقسام وشهوة السلطة الأخضر، وترفع رايات اليباس في طول قطاع غزة الصغير، والمثخن بجراح الجسد وجراح الروح. القطاع البائس، المضرّج بالدم والجوع وقسوة الحصار الطويل في زمن عربي لا يلتفت كثيرا لمصائر الشعوب العربية ومحنتها شبه الدائمة.
كان يوسف القدرة، الشاعر الفقير يحسن كتابة قصائد عشق دافئة تختصر رؤيته للعالم والحياة. مجموعته الشعرية الثانية »لعلك« تتوجه بخطاب خزنها الشفيف إلى امرأة سكنت روحه فكتب لها قصائد تتكثف فيها عوالم شتى تتراوح بين قسوة الراهن وحطامه المنثور في الشوارع والأرصفة، وبين لغة تلمع بخفوت من شقوق كلماتها نار التفاؤل الطالعة من قمر الحبيبة التي تسكن الروح وتلهم شاعرها لا الشعر وحسب، ولكن القدرة على العيش ومقاومة اليباس والفوضى واللغة المخاتلة وقسوة الطغيان.
أيها الفتى الذي لا يشبه أحدا قدر شبهه بطرفة ابن العبد، ماذا نقول لك؟
هو الموت يزحف ونراه يسحبك من بين صفوفنا فلا نملك إلا أن نشد بشرايين القلب على يد الشعر كي لا تسقط في انهمار الرصاص.
المجد لك. المجد للشعر. المجد للحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى