صفحات ثقافية

الجائــــــزة

null
عباس بيضون
لا نعاني من قلة الجوائز في العالم العربي فهي لحسن الحظ في ازدياد وأرقامها المالية تزداد أيضا فلكية، لكن أكثرها يمنح ويوزع في هدوء فلا يسأل أحد عن استحقاق الفائز ولا تؤاخذ اللجنة المانحة ولا يتحرى أحد أسماء اعضائها أو يدقق فيهم، ولا تحاكم الحوافز والمعايير والحصص. يرضى الرابح والخاسر فتلك عطية كريمة ولا يجوز أن تعرف اليمنى بما فعلته اليسار فيها ولا سبب لأن ننكد على أصحابها صنيعهم الخيّر. تلك جائزة العويس أم الجوائز هذه وأعرقها تتوالى كل عام مشكورة بالرضى والسرور فلا تلام على شيء ولا تؤاخذ على شيء ولا يتحرى أحد أسماء لجنتها ولا يحقق في دوافعها ومعاييرها وبالطبع لا يخطر لأحد أن يسأل عن حصة لبنان أو مصر أو سواهما فيها. يشكر الجميع لمؤسسها ومن تابعوه عليها بعد وفاته أن فعلوا ما فعلوا وهو شكر مستحق وفي موضعه. هذه هي ايضا حال جوائز كثيرة جميعها سخي وبعضها بمئات آلاف الدولارات.
ليس هذا حال جوائز أخرى فهذه للجمهور عليها حق واجب ليس له على سواها. له أن يتحرى أصولها ودوافعها وملابساتها ومعاييرها وأسماء لجانها. جوائز مؤتمرات الشعر والرواية في مصر من بين هذه الأخيرة لكن جائزة بوكر العربية للرواية ولائحة الـ 39 مبدعا شابا حظيا من هذه الناحية باهتمام خاص. لم نعرف بعد الروائي الفائز الأخير لبوكر. لائحة الـ16 ولائحة الـ6 كانتا كافيتين لاستفزاز جدل حام.
هذا تحول بسرعة إلى معركة، لم يتوقف الأمر عند كلمة جمال الغيطاني الموزونة التي تقول أن أسماء الفائزين بالجوائز تبدو معروفة سلفا كأن لا حاجة إلى لجان وإلى محكمين. قال الغيطاني إن زكريا تامر كان مطروحا منذ أشهر لجائزة القصة. وأن علوية صبح مطروحة سلفا للجائزة. ليست علوية صبح الا روائية لم يجادل أحد في نيلها جائزة على رواية سابقة، روائية لها اسم وحضور وليست متسللة ولا نكرة، كان يمكن الوقوف عند كلمة الغيطاني لكنها كانت أول غيث لم يرحم أحدا ولم يبال بشيء. قيل ان جابر عصفور تنازل عن مصريين في لائحة الـ 39 لمصلحة علوية في البوكر، وأن صموئيل سمفون وراء لائحة 39 ووراء البوكر العربية. هكذا ترتسم مؤامرة كاملة تتدرج من لائحة الـ39 إلى البوكر ولا يهم أن جابر عصفور ليس في لجنة البوكر وأن صموئيل شمعون ليس في لجنة البوكر وأن للبوكر لجنة ككل اللجان وأن اللجنة من 5 أعضاء راشدين مسؤولين عن أنفسهم وعن خياراتهم. وأن اللجنة هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن تقرير النتائج. وأن المسألة ينبغي ان تبقى في هذا النطاق اذا كنا نريد أن نقيم محاكمة صحيحة وأن نضع المسؤولية على عاتق المسؤولين. لكن الناس يفضلون ان يقيموا النمائم بدل الوقائع والكواليس بدل الأفعال والمؤامرة بدل المجريات العادية والشائعة في مختلف الجوائز. لا يهم، ماذا كان رأي صموئيل أو جابر ما داما لا يملكان صوتا في اللجنة، فالخمسة الذين أعلن عن أسمائهم هم الذين يملكون أصواتاً وأصواتهم هي التي تقرر ولا معنى لأن نعاملهم وكأنهم مجرد صنائع وبيادق فهذا يهين الجميع، ويهيننا نحن القراء والمثقفين بالدرجة نفسها. من وجدوا فكرة المؤامرة أكثر جاذبية فاتهم أنهم ضحوا بلا رحمة بالخمسة المحكمين. كانوا يوجهون سهامهم إلى جابر وصموئيل لكن الضحايا كانوا هؤلاء الخمسة والضحية الأولى كانت علوية صبح ومن فتحوا هذه المعركة لم يهتموا بذلك. وعلوية صبح روائية زميلة (أقول زميلة) اهتموا جميعا برواياتها وكان لها صداها العربي وغير العربي ولا يستغرب أن تكون مطروحة للجائزة ولا يحتاج الأمر إلى مؤامرة. روائية «زميلة» تمت التضحية بها في ليل وبرصاص طائش والسؤال عن عالم الكمائن والوسترن الأدبي.
ابراهيم عبد المجيد روائي أحبه وأحسب ان روايتيه «لا أحد ينام في الاسكندرية»، «طيور العنبر» من أفضل ما قرأت في الرواية العربية الحديثة. ولم يتح لي أن أقرأ روايته الأخيرة. إلا أن تقديري له يجعلني حتى بدون ذلك استغرب عدم إدراجه في لائحة الـ16. هذا صحيح وكان يكفي لإبراهيم عبد المجيد أن يحتج بعمله ليكون تظلمه موزونا وناجحاً. لا يحتاج ابراهيم عبد المجيد إلا لعمله كما لا يحتاج أي منا لغير عمله. انه خير من يشهد له. ولا داعي لأن نذهب أبعد من ذلك أو نطلب سندا في غيره، أعجب من كاتب في دراية ابراهيم عبد المجيد ان يحول من ظلامته قضية مصرية. وأن يجد فيها جناية على بلده وشعبه، وأن يقترب من ان يضعها في نطاق مباراة لبنانية مصرية تعيدنا إلى الحلقة السوداء للمباراة المصرية الجزائرية. وكنا قرأنا ليوسف زيدان فائز بوكر الماضي في هذه المباراة وفي كره الجزائر والجزائريين ما يهيننا ويهين الرواية ويهين بوكر إلى مدى لا نعرفه. كان يمكن لصبي في الأدب ان يتقول علينا بذلك ونعذر جهله وولدنته. أما أن يخوض في هذا عقلاء القوم وكبارهم ومبدعوهم فهذا ما لا ينبغي أن يفلت على غاربة ولا بد من ان يقوم من يحتاط له ويمنع استشراءه. قامت أخبار الأدب، في ملفها عن المباراة الجزائرية المصرية بعمل مشكور في هذا السبيل، وأظن أن تحويل مسألة البوكر إلى حزازة لبنانية مصرية أمر ينبغي أن ينهض له عقلاء آخرون.
وأخيرا ما هي البوكر، أهو اسمها الأجنبي هو الذي يستعدينا عليها، انها جائزة كالجوائز وأظن ان ما يحيط بها يحيط بالجوائز الأخرى. انه مجتمعنا وناسنا وعلاقاتنا لا تتغير بتغير المناسبات. لكن للبوكر ميزة انها رغما عن هذه الضجة وربما بسببها، تصنع كاتبا. انها لا تكافئ اسما عن حياته كلها ولكنها تطلق كل سنة رواية وكاتباً، الجدل الحامي سيزيد ولا بد من تأثيرها وقد يفعل أيضا في تصويبها، إلا ان الرصاص الطائش يجرح ويهين. بعض المعارك، بغض النظر عن مشروعيتها، تنتهي إلى اخراج، أسوأ ما عندنا وإلى جروح كثيرة مجانية، ثم ان صموئيل سمفون واحد منا. ليس شيطانا ليرجم ولسنا ملائكة صالحين يكفي انه مع مارغريت اوبانك أنشأ مجلة كبانييال هي الآن منبر عالمي للأدب العربي، ثم انه مع اوبانك جاء ببوكر والـ39 كاتبا. هل تريدونه قديسا، ليس كذلك بالتأكيد لكنه ليس ايضا الوقت الذي نرتدي فيه جميعا لباس الحملان.
خافت اللجنة من الحملة. خافت من كلام الأدب الذي يغدو فجأة شبيها بالخطب الرئاسية، خافت، وليست أول من يخاف، من اقحام مصر واسمها. خافت من اعتبارها مجرد لعبة وكالعادة في غمرة الخوف أكملت عمل خصومها فأسقطت لا إسم علوية فحسب ولكن اسم حسن داوود معها. وحده هذا يضيف تقليدا جديدا سيئا إلى حياتنا وعلاقاتنا.
كانت معركة سخيفة سقط فيها «الزملاء» وأضيفت حزازة أخرى وتلطخت أكثر فأكثر ثقافتنا.
السفير الثقافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى