صفحات ثقافية

عمّار البيك مشتغلاً على «نيغاتيف» الذاكرة

null
خليل صويلح
واصل عمار البيك تجاربه وبحثه على إنشاء صورة فوتوغرافية جديدة، تضع المعايير الأكاديمية جانباً. في معرضه في «غاليري أيام»، يقترح فضاءات تركيبية تعيد إنتاج اللقطة من موقع مضاد عن طريق المحو والإضافة. لا يكتفي البيك بإنجاز منظرٍ أو بورتريه أو لقطة، بل يُدخل المادة الخام إلى مختبره، ثم ينخرط في مغامرة ارتجالية تنسف التوقعات المسبقة. ينطلق عمل هذا المصوّر والسينمائي السوري الشاب على الصورة من محو بعض مكوّناتها الأساسية وإضافة أفكار جديدة من خارجها، فتأتي الصورة أقرب إلى التجهيز. صاحب «حصاد الضوء» و«أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها» ( مع هالة العبد الله) يستعمل مواد مختلفة تضع التجربة أمام مقترحات بصرية مغايرة للأصل في تفاصيلها ومقاصدها الجمالية والبصرية. معرضه هذا محاولة لإحياء ذاكرة أرشيف أحد استديوات التصوير الفوتوغرافي في دمشق.
يختار لهذا الغرض مجموعة من «نيغاتيف» صور تذكارية ملتقطة في خمسينيات القرن المنصرم، تعبّر عن روح تلك الفترة لجهة الافتتان بالذات ونشوة الانتصار والتحدي، كما نراها في صور الذكور. لكن من ناحية أخرى، تبدو علامات الانكسار والضعف على وجوه النساء في قراءة تسعى مجدداً إلى تأكيد سطوة الذكر وانسحاق الأنثى.
الأحجام الكبيرة للصور تنطوي على رغبات هذا المصوّر في محاكمة حقبة، لطالما نظرنا إليها بحنين. لكنه هنا يعمل على إطاحة تلك الذاكرة، وزعزعة ثباتها. هناك صورة لمجموعة من الضباط في لباس الميدان ملتقطة في استديو تُبرز هشاشة وجوههم الممحوة، إذ تختفي ملامحهم تماماً، لتبقى البزة العسكرية وحدها على سطح الصورة. الأمر نفسه يتكرّر في لقطة أخرى لمجموعة من رياضيي كمال الأجسام. في المعرض أيضاً يمكن أن ننظر مليّاً إلى إمرأة منكسرة تقف أمام سيارة عسكرية متهالكة، لعلّها تختزل واقع الحال الذي تكشّف لاحقاً عن هزائم متعاقبة، أو أنها إجابة على محتويات صورة الضباط. الصور الملتقطة بالأبيض والأسود محاطة بتماثيل قديمة أتت بالألوان لتمنح المتلقّي تصورات مضادة عن معنى التاريخ المجيد. هكذا تأخذ المسوّدات منحىً آخر في صياغاتها التعبيرية، لتقترب من العمل التشكيلي. الصور المطبوعة على ورق ممزوج مع القطن وحبيبات الفضة المتآكلة، إضافة إلى الخدوش الأفقية والعمودية، زادت من الإحساس بوطأة الزمن الآفل وثقل حضوره. يقول عمّار البيك موضحاً: «بين آدم وحواء تصبح المدينة أكثر خواء، وتسقط التفاحة هاربة من كليهما وهي مصابة بالعفن».
الاخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى