صفحات العالمقضية فلسطين

لماذا “طالبان” وليس “حماس”

سميح صعب
من أشد المفارقات غرابة في سياسة الرئيس الاميركي باراك اوباما مد اليد الى حركة “طالبان” الافغانية والاستمرار في مقاطعة حركة “حماس”.في الحال الاولى تبرر واشنطن دعوتها “طالبان” الحوار بأن ثمة عناصر تصنفها ب”المعتدلة” داخل الحركة وتالياً يمكن ان تشكل استمالتهم الى كابول سنداً لحكومة حميد كرزاي الهشة. أما في الحال الثانية فإن “حماس” في رأي الولايات المتحدة حركة “ارهابية” عليها ان تلبي شروط اللجنة الرباعية قبل التحدث معها.
وتستند اميركا في اندفاعها نحو الحوار مع “طالبان” الى نجاح  تجربة الحوار مع مجالس الصحوة في العراق الذين كانوا يحتضنون مقاتلي “القاعدة” في منطقة الانبار، وما أحدثه انقلاب موقفهم من زعزعة في فاعلية التنظيم الاصولي، وتالياً التحسن النسبي في الوضع الامني في البلاد. وفي افغانستان تأمل واشنطن في تكرار التجربة، لأن كل استنتاجات القادة العسكريين الاميركيين والاوروبيين تقود الى نقطة التقاء واحدة، ألا وهي استحالة الحسم العسكري.
وحتى تعزيز القوات الاميركية بـ30 الفاً تبين ان الهدف منه التفاوض مع “طالبان” من موقع القوة، وليس الحاق هزيمة عسكرية نهائية بالحركة. وثمة عنصر آخر يركز عليه المسؤولون الاميركيون هذه الايام في افغانستان وفي اليمن وهو القول صراحة لكرزاي وعلي عبدالله صالح ان القوة وحدها لا تكفي في الحرب لاجتثاث التطرف، وانه لا بد من التركيز على التنمية الاقتصادية وسيلة اساسية لاغراء الشبان بعدم اعتناق الفكر المتشدد.
واذا كان هذا ما حدث في العراق وافغانستان، فإن السياسة الاميركية حيال القضية الفلسطينية لا تزال بعيدة كل البعد عن موقف جريء يماثل الموقف الاميركي المستجد من “طالبان”. وليس خافياً ان السبب في ذلك عائد الى الموقف الاسرائيلي الرافض أي مبادرة اميركية حيال “حماس” لأن اسرائيل نفسها لا تزال تعتقد ان القوة والحصار والتجويع هي العوامل الكفيلة بالقضاء على الحركة،وتالياً لا تملك واشنطن جرأة سياسية وأدبية لاتخاذ قرار يغضب اسرائيل.
ولا ينطبق هذا على التعامل مع “حماس” فقط، بل ان واشنطن غير قادرة على التقدم بافكار او مبادرات لحل الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي ككل، لأن اسرائيل لا تزال غير مقتنعة باقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وتالياً لا يمكن واشنطن اتخاذ مبادرات تجسد شعارها ب”حل الدولتين”. وينطبق التأثير الاسرائيلي على القرار الاميركي في الحال الايرانية. فاسرائيل هي من أشد المؤثرين في قرار واشنطن حشد دعم دولي لفرض عقوبات جديدة على طهران كي تتخلى عن برنامجها النووي او بالنسبة الى ابقاء الخيار العسكري على الطاولة.
أما انتفاء التأثير الاسرائيلي او محدوديته في ما يتعلق بالعراق وافغانستان، فقد جعل الولايات المتحدة اكثر حرية في اتخاذ المبادرات ضد خصوم الامس. فكان التعامل مع مجالس الصحوة في العراق، وكانت الدعوة الموجهة الى “طالبان” للحوار.
والقيد الاسرائيلي الموضوع على القرار الاميركي في ما يعني الشرق الاوسط، لم ينتج عنه حتى الان سوى استمرار الصراع وتالياً فشل الجهود الاميركية لحل الصراع بما يتفق ووجهة النظر الاسرائيلية الصرفة وبما يتجاهل أبسط حقوق الشعب الفلسطيني.
وسواء كان الموقف الاميركي حيال القضية الفلسطينية عائداً الى عجز اميركي عن ممارسة ضغط على اسرائيل او عن عدم اقتناع اميركي كافٍ بضرورة ايجاد حل للقضية الفلسطينية، فإن محصلة هذه السياسة لا تزال تعتمد المعايير المزدوجة ولو أقرت لفظياً بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم. وبناء على ذلك لا يعود مثيراً للدهشة ان يتعثر جورج ميتشل في جهوده طالما ان واشنطن لا تتبنى إلا وجهة نظر اسرائيل.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى