صفحات العالم

خلط الأوراق الشرق أوسطية

محمد السمّاك
المشهد الأول: دمشق
وفود أميركية تتزاحم على العاصمة السورية من الادارة الاميركية ومن مجلسي الشيوخ والنواب. أدت هذه الحركة الى الاعلان عن الاتفاق على الأمور التالية:
الأمر الأول: بدء تخفيض العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا تمهيداً لالغائها كلياً. وستكون البداية بالسماح بتزويد سوريا بقطع غيار للطائرات المدنية ولأجهزة الاتصال الالكترونية.
الامر الثاني: دخول الولايات المتحدة مباشرة على خط المفاوضات السورية الاسرائيلية التي لعبت فيها تركيا دور الوسيط.
الأمر الثالث: طيّ ملف المركز الذي نسفته اسرائيل في شمال سوريا بحجة انه كان يضمّ منشآت نووية بمساعدة فنية من كوريا الشمالية.
الأمر الرابع: التطور الايجابي في العلاقات السعودية السورية بعد فترة طويلة من الانقطاع والسلبية، وقد توّج هذا التطور لقاء القمة الذي عُقد بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد في دمشق.
المشهد الثاني: طهران
تكاثف التصريحات الأميركية التهديدية ضد طهران على خلفية ملف ايران النووي سواء على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون أو حتى على لسان الرئيس باراك أوباما نفسه. وقد كشفت هذه التصريحات عن المواقف التالية:
الموقف الأول: التهديد بتشديد العقوبات المفروضة على ايران، وذلك على أساس ان العالم ليس مستعداً للانتظار الى ما لا نهاية لحسم قضية الملف الإيراني.
الموقف الثاني: منح ايران فرصة أخيرة حتى نهاية العام لإعادة النظر في موقفها. فإذا أصرّت على برنامجها النووي فإن الولايات المتحدة (ومعها المجتمع الدولي) سوف تبادر الى اتخاذ إجراءات عملية لوقف هذا البرنامج (؟).
الموقف الثالث: ارتفاع وتيرة التهديدات الاسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية الى المفاعل النووي الايراني بحجة ان ايران التي ترفع شعار إزالة اسرائيل من الوجود تصريح الرئيس أحمدي نجاد لن تسمح لها اسرائيل بامتلاك السلاح النووي الذي يمكّنها من تحقيق هذا الهدف.
ان المقارنة بين وقائع هذين المشهدين تطرح علامات استفهام حول ما اذا كانت قواعد اللعبة السياسية في الشرق الأوسط قد بدأت مرحلة التحوّل. فالانفتاح السعودي على سوريا يتزامن مع الانغلاق العراقي عليها من خلال المطالبة بمحكمة دولية للنظر في حوادث ما يُعرف بـ”يوم الأربعاء الدامي في بغداد” حيث قُتل اكثر من مئة شخص وأصيب المئات بجراح في أعمال تفجير ارهابية مدوية.
ثم ان الولايات المتحدة مثلاً التي فتحت صفحة جديدة مع سوريا، قررت دعم المعارضة الايرانية، حتى ان الكونغرس الاميركي وافق على صرف موازنة بعدّة ملايين من الدولارات لتمكين هذه المعارضة الاسلامية من المضي قدماً في حركتها ومن نقل صوتها وصورتها الى العالم. وبالمقابل أخمد صوت المعارضة السورية من أوروبا ولم يعد يشعر بوجودها لا في سوريا ولا في الدول العربية، ولا حتى في أوروبا.
كذلك اسرائيل كانت تصوّب على المحور السوري الايراني وتتهمه بأنه وراء حركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، أما الآن فهي تصوّب مباشرة على ايران، وتستفردها بذلك.. اما حماس وحزب الله فإن قنوات الاتصال والتواصل مع كل منهما لم تعد تقتصر على الجانب الأوروبي فقط وتحديداً الفرنسي والبريطاني، ولكنها أصبحت الآن مفتوحة (ولو من غير اعلان) مع الجانب الأميركي ايضاً. فلأول مرة بدأت ترتفع أصوات من داخل وزارة الخارجية الاميركية تقول انه “لا يمكن معالجة القضية الفلسطينية الاسرائيلية بمعزل عن حماس”. وهوكلام يتردّد أيضاً حول طالبان في أفغانستان باعتبار ان العدو هو تنظيم القاعدة.
أما عن حزب الله، فإن الكلام الذي يتردد الآن هو ان الحزب هو حزب لبناني له ممثلوه في البرلمان ولا بأس في أن يكون له ممثلون في الحكومة العتيدة كما كان الأمر في الحكومة السابقة، وله قاعدة شعبية لبنانية واسعة. وهو كلام يتناقض مع ما كان يتردد من قبل من انه مجرد “حركة ارهابية”!!.
من هنا التساؤل هل ان الانفتاح الاميركي الأوروبي المتسارع الخطى على سوريا أولاً، ثم على كل من حزب الله وحماس، يقع في اطار الالتفاف على ايران وتشديد الحصار عليها، أم انه يترجم فعل ندامة على سياسة خاطئة اعتمدتها الادارة الاميركية السابقة في عهد الرئيس جورج بوش ؟.
من الملاحظ ان رئيس الأركان الاسرائيلي الجنرال غابي اشكنازي، ذهب الى حدّ الاعلان عن استبعاد أي مواجهة أو حتى أي تصعيد عسكري على الجبهة اللبنانية، رغم “الخطورة التي ينطوي عليها تخزين حزب الله للسلاح في قرى تقع الى الجنوب من نهر الليطاني” على حدّ قوله. ولقد جاء تصريحه المهدّئ إثر سلسلة اضطرابات شهدتها الحدود اللبنانية الاسرائيلية كانت قوات اليونيفيل طرفاً فيها.. ترافقت مع إنذارات وتهديدات متبادلة بين اسرائيل وحزب الله. وفي هذا الاطار يقع تصريح السيد حسن نصر الله بأن أي اعتداء على ضاحية بيروت الجنوبية سوف يرَدّ عليه بضرب تل أبيب.
فإذا كان ثمة تحوّل في السياسة الاميركية كما يحاول أن يوحي بذلك جورج ميتشل المبعوث الخاص للرئيس الاميركي، فإن لاسرائيل حسابات أخرى يمليها جدول أعمال نتنياهو – ليبرمان. ان حكومة اليمين المتطرف التي يترأسها بنيامين نتنياهو تقول بعدم الانسحاب من الجولان، وبعدم التوقف عن سياسة الاستيطان في الضفة الغربية، وبعدم التراجع عن يهودية الدولة انطلاقاً من تهويد القدس الشرقية. مع ذلك فإن الأولوية لدى اسرائيل الآن هي الملف النووي الايراني. وقد أجرت قواتها الجوية تدريبات خاصة استعداداً للمهمة التي لا تتردد بالاعلان عن تصميمها على القيام بها، وهي ضرب المفاعل النووي الايراني.
ومن هنا التساؤل أيضاً عن المهمة الحقيقية لوزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس التي قام بها الى اسرائيل، ومدى علاقتها بالتنسيق العسكري الاميركي الاسرائيلي وبالنوايا الاسرائيلية المعلنة، خاصة بعد المناورات العسكرية الثنائية الاميركية الاسرائيلية وبعد تكديس أسلحة أميركية متطورة في اسرائيل اثر انتهاء المناورات.
من الواضح ان لعبة خلط الأوراق في الشرق الأوسط قد بدأت على صعد ثلاثة: العلاقات العربية العربية والعلاقات العربية التركية والعلاقات العربية الايرانية. يضاف الى ذلك ورقة المقاربة الأميركية الجديدة لهذه الأوراق من خلال ديبلوماسية الرئيس باراك أوباما.
واذا كانت اللعبة قد تغيّرت، أو بدأت تتغيّر، فإن اللاعب هو هو، لا يزال يتحكّم بهذه الأوراق المتغيرة.. ولو بوسائل أخرى !.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى