صفحات مختارةطيب تيزيني

عودة إلى فوكوياما

د. طيب تيزيني
تتضح إحدى أهم سمات الفكر العالمي المعاصر في أنه سريع التمخض النشوئي والانتشار والتأثير، كما في ظهور نتائجه أو بعضها…إلخ. وهذا من فضائل التطور العاصف في ظل ثورتيْ المعلومات والاتصالات. ومن مفارقات هذا التطور أن الحركة العولمية، التي جاءت في سياق تحول تاريخي هائل تجد نفسها أمام استحقاق تاريخي جديد يقضي بإخفاقها وتجاوزها، وقبل ذلك بمثولها أمام محكمة تاريخية. أما هذه فتحمل أعباءها الأزمة المالية، التي اكتسحت الخطاب العولمي المفعم بـ”زهو انتصار”، قلما ترك فرصة دون أن يستثمرها للتأكيد على أنه “آخر المشوار التاريخي الحق”، بل أكثر من ذلك، فهذا الخطاب، بالقياس إلى ما سبق، لم يعش من الألق والزهو أكثر من لحظة سريعة طارئة خلّفت كوارث وسلسلة من المآسي والآلام.
لقد اهتز البناء العولمي بدءاً بسقوط الأحادية القطبية ووصولاً إلى الأزمة المريعة، على صعيد أحد أركان ذلك البناء، أولاً، لنستعدْ ما بشّر به فرانسيس فوكوياما، حين أعلن “خطاب تأييد” النظام العالمي الجديد، ففي كتابه “نهاية التاريخ وخاتم البشر” – طبعة مركز الأهرام بالقاهرة، يقول: “إنه بينما شابت أشكالَ الحكم السابق عيوب خطيرة وانتهاكات للعقل أدت في النهاية إلى سقوطها، فإن الديمقراطية الليبرالية، قد يمكن القول إنها خالية من مثل تلك التناقضات الأساسية الداخلية… وعندئذ لن تكون البشرية ألف زهرة، وإنما ستكون بمثابة قافلة طويلة من عربات متشابهة”.
إن ذلك التأكيد على عالم جديد واحد بأوجه متشابهة وأبديّ ولكنه لم يعش طويلاً، ولم يصمد إلا لماماً، إن هذا يكوّن مفارقة، فقد انهالت عليه المحن ثم الانهيارات. فالباحث الاقتصادي الألماني Uerich Schaefe يكتب بوضوح تام في كتابه (انهيار الرأسمالية – إصدار عالم المعرفة – الكويت 2010): إن الاقتصاد الذي عرفناه حتى الآن، إنهار في خريف 2008 بكل تأكيد، إن العالم سيتخذ شكلاً مختلفاً في المستقبل، سيطفو على السطح نظام عالمي جديد بكل تأكيد، سيتبلور اقتصاد سوق جديد قائم على مبادئ العدالة الاجتماعية، أو دعنا نقل: إن هذا هو الأمل الذي يراودنا (في ألمانيا). وفي موضع آخر، يعلن الكاتب بلغة التحذير: أن التطور المتحقق منذ عام 2000 مدعاة للفزع حقاً.
تلك حال راحت تفرض نفسها في العالم، مُعْلنة أمام فوكوياما ومَن أخذ بآرائه: إن الديمقراطية الليبرالية التي تحدّث عنها بمثابة نسق أيديولوجي خال من التناقضات، تتصدع، ناشرة الفقر والبؤس واللامساواة والحروب والخوف. أما “الأمل”، الذي تحدث عنه Schaefer فيمكن قبوله، ولكن خارج المرجعية التي نشأ بقوة فيها وضدها. ويبدو أن حالة جديدة تنبثق أمام شعوب العالم، عاملة على حثّ هذه الأخيرة، باتجاه تعاون عالمي بين علماء العالم ومفكريه وباحثيه وسياسييه، للوصول إلى مشروع ينقذ الجميع بندّية.
الاتجاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى