صفحات مختارةغسان المفلح

الحوار مع ياسين الحاج صالح 2

غسان المفلح
النمذجة، والتسمية، هاجسان واضحان لدى ياسين الحاج صالح، كل شيء يجب أن يسمى” يعرف، بتشديد الراء، ويعرف” بلغة أخرى، وهذا الكل يراد له إنموذجا تحليليا، يتبوتق داخله، أو يساهم في بناء هذه النماذج النظرية. في الجزء الأول من هذا الحوار توقفت عند استخدام ياسين لمفهوم” الليبرالية الاجتماعية” ولا بد للمرء أن يلاحظ أن ياسين لن تفوته، هفوات التسمية، لهذا قرن مفهوم الليبرالية الاجتماعية سوريا باعتبارها ليبرالية اجتماعية” عرفية” هنا ندخل في لزوجة التسمية ذاتها، حيث الإضافة هنا هي نتاج عدم الركون لللتسمية ذاتها.
“عرفي” إما أنها تعني…ترك الأمور للعرف والعادة والتقليد، أو أنها تعني أنها خاضعة للاحكام العرفية، الطوارئية؟ لا أجد معنى آخر لها. واعتقد ان ياسين يقصد المعنى الأول…أنها ليبرالية اجتماعية كجزء أصيل من البنية المجتمعية السورية، التي ورثها نظام البعث أولا 1963 ثم قدمها على طبق من ذهب لنظام منذ بدايته كان هجينا، واعتقد أن هذا اللغو في كونه نظاما هجينا، تتيح لنا أن نجازف بالقول أنه نظام عصي على التسمية! النظام لم يقترب من العرف والعادة والتقليد…سواء كان على صعيد الإسلام الشعبي وعلاقاته، او على صعيد العلاقات الاجتماعية الأخرى السائدة، والتي أسماها ياسين” ليبرالية اجتماعية عرفية” لهذا يقال أن دستور سوريا 1972 جاء على مقاس شخص هو قائد الانقلاب التصحيحي 1970 الراحل حافظ الأسد. لأن هذا الدستور لم يمس ماكان سائدا في البنية الاجتماعية، بل كل ما قام به هو توطيدا دستوريا لديكتاتورية شخص واحد. وأحاط نفسه بأحكام عرفية وقوانين طوارئ تتيح البقاء بين المأسسة واللامأسسة على كافة الصعد. والصعيد الذي نناقشه هنا في هذا الجزء هو المسألة الطائفية، الصلاحيات الواسعة، والعرفية الأمنية اتاحت للنظام أن يبني شبكة ولاءات طائفية، ولكن بالمقابل، لم يكن النظام قادرا على مأسسة دستورية وقانونية لشكل نظامه العملي. لا يستطيع أن يقول في مادته الثالثة” أن دين رئيس الدولة مسلم ويجب أن يكون من الطائفة العلوية، ومن آل الأسد” هذه الإضافة النظام لا يستطيع مهما حاول أن يضيفها نصا. ليعذرني ياسين بداية أنني أعيد بعضا من تسمياته، لتسهيل الحوار، وهي موافقة إجرائية فقط. وهذا ينطبق على مفهوم” الليبرالية الاجتماعية” هل كان النظام يدرك أن هذه العلاقات هي لبيرالية اجتماعية؟ أو انه معني بإدراكها؟ ماذا تعني الليبرالية الاجتماعية، وأين تجسدت قانونيا؟ ثم هل يعني عدم احتكاك النظام بالبنى التي ورثها، أنه كان لديه تصور ما، ويريد نقل هذه البنى إلى ان تتطابق مع تصوره الأيديولوجي الاجتماعي والسياسي؟ هل منعت هذه الليبرالية الاجتماعية، أن يصبح الفاعل المؤسساتي لكل الأديان والطوائف، جزء من حالة الوقوف والتصفيق في مهرجانات النظام؟ هذا أمر كان النظام فيه تدخليا بشكل فظ في أحيان كثيرة. أقصد مشايخ وعلماء دين وبطاركة، وخطباء جوامع، حتى زارنا رجل الدين الأول في الطائفة الإسماعيلية الكريمة، زارنا من باريس قبل سنوات. غير مسموح لهذه الفاعليات بأية درجة من الاستقلالية” أعتقد إن لم تخني الذاكرة غالبية رجال الدين من كل الأديان والطوائف..وقفوا كأي مواطن عادي وصفقوا..ربما ما عدا اغناطيوس الرابع هزيم. وسؤالي الأكثر فجاجة وسطحية ربما” هل كان ولازال النظام قادر مهما حدث، أن يمس مثلا بتعاليم الطائفة العلوية حول المرأة، لكي تكون جزء من اللا مؤسسة الدينية للطائفة، كما سمح للسيدة القبيسية أن تنشا تنظيما نسائيا؟ ما قصدته هل نحن مجبرون على كل هذه التسميات التي يريدنا ياسين أن نتبناها؟ هل الليبرالية الاجتماعية مفهوما يستغرق الحالة السورية؟ المجتمع مضبوط حتى دينيا، وكانت آخر معارك النظام هي في حماة، لكي يضرب آخر معاقل لأية مؤسسات أهلية يمكن لها أن تنمو بعيدا عن سيطرته المطلقة. وليس ضرب الإخوان المسلمين فقط. عدم الاقتراب من التنضيد الاجتماعي الذي كان سائدا في بعض المجالات، لا يعني أنه كان خارج السيطرة والتحكم. هو في أسه يحتاج هذه الهجانة” قطاع دولة وقطاع خاص..وما بينهما…طائفي ولا طائفي…لاحرب ولا سلم…ديكتاتور وجبهة وطنية تقدمية…البعث قائد للدولة والمجتمع..والسيد الأول حاكم للجميع.
برلمان منتخب..وبلا صلاحيات…ينادي بأندلس على المستوى القومي وهو يحاصر حلب وحماه…
هذه الحالة الهجينة، تجد جذورها..وفروعها في الإشكالية الطائفية في سورية. الانفتاح الاجتماعي في سورية..موجود لعدة أسباب..ولكن اهمها” وجود ريف سوري بشكل عام، غير ملتزم دينيا، بقدر ما هو ملتزم تقليديا…وذو بنى غير دينية، ترافق مع وجود نخب مدينية متأوربة وحداثية في المدينة، بعد خروج الفرنسيين، إضافة إلى وجود أكثر من 35% أقليات دينية وطائفية، غير مغلقة على الصعيد الاجتماعي. وهذه لا يمكن وضعها تحت عناون لبيرالية اجتماعية، ولهذا أود ان أسمع من ياسين رأيا حول اللازمة” العرفية” لليبرالية الاجتماعية التي تحدث عنها، وحاول تاصيلها كأداة نظرية ومعرفية وكوجه من ثنائية الدولة السلطانية التي يقابلها فيها الطغيان السياسي؟ لكي انتقل بالحديث عن نموذج ياسين النظري للدولة السلطانية..حيث أنني تبعا لمفهوم” الهجانة” إنها وضعيات دولتية ومجتمعية، نتيجة لعلاقة شاذة، بين استعمار فرنسي كان كلبيا آنذاك، وبنى سورية متعددة!! وهذه التركة تلزمنا الآن بالتحدث عن مزدوجة” الدولة/ السلطة” عند ياسين. لأن محصلة الخلط توجد هنا في هذه المزدوجة.
بقي نقطة ربما تضيء جانبا من حوارنا هذا” الحديث عن صحوة دينية سلفبة في سورية..حديثا غير مكتمل ومنقوص مناهض للوقائع في أماكن كثيرة..ولكن أهمها أن الأوساط المدينية والريفية المحافظ منها والتقليدي سابقا..قد خرج بنساءه إلى سوق العمل، وهذه حالة جعلت العلمانويين، يدخلون في حالة من التوتر، بينما هي نتاج طبيعي…لتوسع التعليم الأفقي..وقضايا أخرى، ولكن هذه العدوى أصابتنا نحن، الذين نفهم العلمانية بطريقة مختلفة قليلا أقله سوريا..ومن ضمننا ياسين الذي تكفل أكثر من غيره بالتصدي، لهذا التوتر..وكان من شانه أن يستنزف ياسين في بناء نماذج نظرية، لتفسير وقائع اجتماعية وثقافية وسياسية متعددة… جعلت الوضع السوري” منمذجا نظريا، ولكنها نماذج بقي هذا المجتمع عصيا على ان تستوعبه…نقاط عدة سنثيرها، في هذه السلسلة من الحوار مع ياسين…وأرجو أن أكون قد أصبحت أكثر قدرة على التوصيل السهل..
غسان المفلح- بروكسل.
اقرأ الجزء الأول من هذه المقالة
https://alsafahat.net/blog/?p=22215

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى