زين الشاميصفحات سورية

عن حامي الأقليات في الشرق الأوسط

null
زين الشامي
كثيراً ما يدور لغط كبير على مستوى بعض النخب السياسية والثقافية في كل من سورية ولبنان وربما في العراق أحياناً، عن أهمية النظام السوري البعثي كنظام حامي للأقليات الطائفية والدينية في بعض دول المشرق، وقد ازداد الاهتمام أخيراً في هذا النوع من النقاشات بعد الالتفاتة السياسية وعملية إعادة التموضع التي أجراها الجنرال ميشيل عون في اتجاه دمشق بعد أعوام من العداء، وبعد حرب استقلالية قادها في منتصف وأواخر التسعينات انتهت باندحاره ولجوئه إلى السفارة الفرنسية في بيروت ثم منفياً إلى فرنسا. أيضاً اليوم يبرر الزعيم وليد جنبلاط عملية إعادة تموضعه وتقربه من النظام في سورية بحجة حماية الطائفة الدرزية في لبنان بعد أن مال ميزان القوى العسكري والسياسي الإقليمي لصالح دمشق وإيران وحلفائهما في لبنان.
في هذا السياق يمكن قراءة الاحتفال الذي أقامته السلطات السورية في بلدة براد في حلب بمناسبة الذكرى المئوية السادسة عشرة لميلاد شفيع الطائفة المارونية مار مارون الذي نشر دعوته ابتداء من دير صغير في تلك البلدة، ويعتبر اليوم المؤسس والأب الروحي لكل اتباع الطائفة المارونية في العالم وبخاصة منهم من هم في لبنان وسورية.
لا يخفى أبداً أن النظام العلماني في سورية لايزال يعتبر موئلاً للكثير من المسيحيين العراقيين الذي هربوا من الحرب وويلاتها في العراق ووجدوا في سورية مكاناً آمناً، أو معبراًَ باتجاه دول المهجر، ولا يخفى أن هذا النظام يقمع بشدة أي نزوعات دينية أو طائفية متطرفة، لكن ذلك للأسف غير نابع عن سيرورة ديموقراطية أو منظومة دستورية قانونية تكفل الحريات الدينية للجميع، بل بسبب تركيبته الحزبية وهيمنة إحدى الأقليات الطائفية على مراكز القرار، لذلك فإن ما يضمن حرية الطوائف والاعتقاد الديني في سورية ينبع من التركيبة الاقلوية للنظام نفسه وليس أي شيء آخر.
ان التضييق الذي يمارسه النظام على السلفيين الإسلاميين والقبضة الأمنية الشديدة البطش ضد كل ميول أو اتجاهات سياسية دينية تظهر بين الحين والآخر لهو تعبير صادق عن انتقائية النظام في فهمه للمسألة الدينية والطائفية، ومعروف أن هذا النظام مازال يحكم بالإعدام على كل منتسب لتنظيم «الإخوان المسلمين»، كما أنه خاض حرباً دموية معهم في اوائل الثمانينات من القرن الماضي انتهت بمأساة إنسانية في مدينة حماه وبعض المناطق السورية، كما تم إعدام وتهجير الآلاف منهم. أيضاً مازالت السجون السورية تغص بالمئات من الإسلاميين لمجرد ميولهم السلفية وليس لارتباطهم في حزب أو مشروع سياسي ما.
وعودة للخطاب المتجدد الذي بتنا نقرأه هنا وهناك لزعماء سياسيين لبنانيين عن أهمية النظام السوري وضرورته اليوم كنظام يشكل ضمانة للوجود الاقلوي في بلدان المشرق العربي، فلابد من القول ان هذا النظام يسعى من خلال تأكيد حمايته وضمانته للأقليات إلى كسب مشروعية دولية من خلال اظهار نفسه كحام لهذه الأقليات الدينية وبخاصة منها الأقليات المسيحية، وكلنا يعرف حجم القلق المسيحي الغربي وفي الفاتيكان تحديداً على مستقبل المسيحيين في الشرق. ثم من ناحية ثانية يريد النظام البعثي أن يكسب مشروعية داخلية وإقليمية من خلال اظهار نفسه بمظهر الحامي للاستقرار الداخلي في وجه المتطرفين الإسلاميين والإرهابيين الذين لن يتوانوا عن ضرب الأمن الداخلي والهجوم على المعتقدات الدينية للأقليات وأماكن عبادتهم الدينية، وفرض نمط حياة معينة فيما لو تسنت الفرصة لهم، ولعل ما حصل مع المسيحيين العراقيين على أيدي المتطرفين الإسلاميين من اتباع «القاعدة»، وغيرهم خير مثال للنظام عن الهمجية التي سيمارسها هؤلاء ضد الأقليات الأخرى في سورية ولبنان فيما لو لم يكن موجوداً النظام البعثي العلماني في دمشق.
لابد من القول ان الكثير من الزعماء السياسيين في لبنان ممن يبررون إعادة تموضعهم السياسي اليوم متكئون على مثل هذه الهواجس، لم يقدموا أجوبة مقنعة لاتباعهم، وأبناء الأقليات الدينية والطائفية في لبنان، ان مثل هذه التبريرات تم الاتكاء عليها بسبب الصراع السياسي الداخلي والإقليمي ليس أكثر ولا أقل، وبسبب المصالح السياسية لكل زعيم ولا تستند أبداً لقراءات سياسية، أو فكرية، أو تاريخية معمقة.
ان النظام الذي يرى فيه شخص مثل الجنرال ميشيل عون أو وليد جنبلاط حامياً للاقليات، هو نفسه النظام الذي يمنع حرية التعبير السياسي والفكري عن أي معارض سياسي سواء أكان قومياً عروبياً، أو يسارياً، أو إسلامياً، وهو نفسه الذي لم يتحمل أصوات فردية لمثقفين سوريين مثل ميشيل كيلو، وأنور البني، وعارف دليلة، رغم أنهم جميعاً من أبناء أقليات دينية مسيحية وغيرها، إضافة للعشرات منهم.
من ناحية ثانية، فإن النظام في دمشق هو نفسه من يصور المعارضين له من أبناء الأقليات سواء أكانوا في لبنان أو سورية، على أنهم عملاء للغرب فقط بسبب معارضتهم له، ولا يتوانى عن استخدام «الإسلام» والسلفيين ضدهم فيما لو هددوا فعلياً سلطته أو بقاءه.
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى