صفحات العالم

عتيق لمهمّة عتيقة

أمين قمورية
معظم الذين يسمعون عما يسمى “تقرير ميتشل” يفكرون في نجمي البيسبول الكبيرين روجر كليمنز وباري بوندز اللذين ثبت تورطهما مع 87 لاعبا آخرين في الاستخدام غير المشروع للمنشطات بموجب التحقيق الذي تولى رئاسته السناتور السابق جورج ميتشل عام 2007.
ومعظم الذين يسمعون عن “المفاوض ميتشل” يفكرون في اتفاق الجمعة الحزينة الذي انجزه زعيم الغالبية السابق في مجلس الشيوخ عام 1998 بعدما قاد مفاوضات سلام بين الكاثوليك والبروتستانت انهى الصراع التاريخي في ايرلندا الشمالية.
وقبل ان يعيد الرئيس باراك اوباما تعيين رئيس شركة “والت ديزني” مبعوثا خاصا الى الشرق الاوسط لحل النزاع الفلسطيني- الاسرائيلي، فان قلة قليلة كانت تتذكر ان ثمة “تقرير ميتشل” آخر أعده المفاوض الاميركي قبل ست سنوات من تقرير المنشطات المحظورة بعدما ادى ايضا مهمة سلام خاصة في الشرق الاوسط موفدا من الرئيس بيل كلينتون ثم من سلفه جورج دبليو بوش.
وغابت “خطة ميتشل” لعام 2001 في النسيان، واختفت خلف “خطة تينيت” (نسبة الى مدير السي آي إي جورج تينيت)، والتي بدورها نسفت مع خطة “خريطة الطريق” التي صارت ايضا اسما منسيا بعد حضور “رؤية بوش” للدولتين، وتاهت في “اجتماع أنابوليس” وما بعده.
و”خطة ميتشل” مثل بقية الخطط والمبادرات التي سبقتها وتلتها، كانت فشلا ذريعا، حيث اقر بها جميع المتخاصمين رسميا ونوقشت بلا انتهاء لفترة طويلة قبل ان تشطبها من الذاكرة الخطة التالية، ولكن لا هي ولا غيرها من الخطط والمبادرات والاتفاقات وصلت الى لامكان.
وتوصيات ميتشل التي قدمها الى ادارة بوش بعد اربعة اشهر من توليه الفترة الرئاسية الاولى، انطلقت من البديهيات اي الدعوة الى وقف النار، على ان تليها سلسلة من الاجراءات لبناء الثقة التي توازن بين الطرفين: الفلسطينيون يعمدون الى اصلاح مؤسساتهم الامنية ووقف الهجمات الارهابية على اسرائيل، والدولة العبرية تجمّد بناء المستوطنات في الضفة وغزة.
لكن لا الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اصلح المؤسسات مع انه وعد مرارا بذلك، ولا رئيس الوزراء الاسرائيلي الداخل في غيبوبة دائمة أرييل شارون جمّد الاستيطان ولا حتى وعد بذلك، ولا بوش ولا وزير خارجيته كولن باول بذلا اي جهد لايجاد حلول مقنعة.
جورج ميتشل المخضرم يعود مرة اخرى الى الشرق الاوسط، لكنه تقدم في السن تسع سنين وتراجع الوضع في المنطقة عشرات السنين ليبدو المشهد الحالي اسوأ بكثير من المشهد القديم الذي اختبره عام 2001.
فعرفات رحل تاركا وراءه رئيسا على الضفة تعتبره غزة غير شرعي، وحكومة في القطاع تتولاها “حماس” التي كرستها الانتخابات وعمدها بالدم الهجوم الاسرائيلي الذي شدّ عصبها ولم يفقدها أياً من مكامن قوتها.
أما في المقلب الاسرائيلي، فان صدقت استطلاعات الرأي فان رئاسة الوزراء ستكون لنتنياهو الذي لم يدّخر جهدا لتفخيخ السلام ونسف المبادرات.
حتما لا يكفي تشديد ميتشل على أصوله العربية من جهة أمه لاصلاح ما أفسده الدهر بين “فتح” وحماس” او لتوحيد الموقف الفلسطيني من المفاوضات. كما لا يكفي تجرؤه السابق على الاستيطان الاسرائيلي لوقف بناء جدار الفصل والزحف اليهودي الى جبل ابو غنيم وأحياء القدس وتوسيع المستعمرات، ولا تكفي حنكته وخبرته الطويلة لنقل ماجرى في ايرلندا الشمالية الى فلسطين.
كذلك لا يكفي “تجريب المجرب” والانطلاقة السريعة التي بادر اليها اوباما لايحاء الثقة والعزم على وضع حد للصراع الذي لا ينتهي، بل كان يتعين البحث عن خطط مختلفة، ورؤى ثورية ومقاربات غير عادية واستراتيجية جديدة ورجال خلاقين والابتعاد عن القديم.
باراك أوباما داعية التغيير وصاحب المنطق المغاير والافكار الخلاقة، لم يكن لديه للشرق الأوسط سوى استحضار ميتشل من الصناديق القديمة، ونفض الغبار عن خطته التي أكلها النسيان، وتكليف القديم مهمة قديمة.
وكأن توجهات أوباما الشرق أوسطية هي هي توصيات ميتشل، وكأن لاحلول في جعبته سوى الحلول المجربة.
ما هكذا يحدث التغيير!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى