صفحات سورية

إنقاذ السلام في الشرق الأوسط

null
باتريك سيل
يجمع بين الزعماء الأربعة الذين التقوا في دمشق الأسبوع الماضي قاسم مشترك يتمثل في حقيقة أنهم يدركون الخطر الكبير للوضع الحالي في المنطقة، وحقيقة أن الرئيس الأميركي جورج بوش -الذي لم يول اهتماماً لتسوية النزاعات- مسؤول إلى حد كبير عن التوتر القائم.
ضمت القمة الصغيرة التي احتضنتها العاصمة السورية: الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان، وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، ومضيفهم الرئيس السوري بشار الأسد. والواقع أن هؤلاء الزعماء الأربعة لا يسعون إلى طرد الولايات المتحدة من عملية السلام في الشرق الأوسط، بل على العكس من ذلك يعترفون بأنه لا يمكن الاستغناء عن دور الولايات المتحدة في نهاية المطاف، ولكنهم يشعرون بحاجة ماسة وعاجلة إلى سد الفراغ الذي خلقه الإخفاق والعناد الأميركيان – فراغ من المرجح أن يستمر حتى عام 2009، إلى أن يمضي بعض الوقت على وصول الرئيس الأميركي المقبل إلى البيت الأبيض وتحل إسرائيل مشاكلها السياسية الحالية.
من بين بؤر التوتر الكثيرة المحتملة في المنطقة – والتي يمكن أن تنفجر وتتحول إلى نزاع عنيف في أي لحظة- نزاعا إسرائيل مع “حماس” في قطاع غزة ومع “حزب الله” في لبنان، والحالة غير المستقرة للعراق. وعلاوة على ذلك، يلوح فوق المنطقة برمتها خطر صدام بين إيران من جهة وإسرائيل أو الولايات المتحدة من جهة أخرى. ومن الواضح أن أي صدام من هذا النوع سيلحق أذى كبيراً بأمن ورخاء منطقة الخليج العربي بأكملها.
وفي هذا السياق، ما زالت التخوفات بشأن التداعيات المحتملة لهذه النزاعات الكثيرة على المنطقة تحرك الدبلوماسية القطرية النشطة. فقد اكتسبت هذه الدولة الخليجية والغنية سمعة جيدة كصانع للسلام، حيث نجحت في الوساطة بين الفصائل المتناحرة في لبنان، وتتطلع إلى لعب دور مماثل في اليمن، وتسعى إلى تخفيف حدة التوتر بين إيران وبلدان الخليج العربي. وإضافة إلى ذلك، تحاول قطر أيضاً، في الكواليس، تشجيع حوار بين إسرائيل والعرب.
ويبدو الزعماء الأربعة الذين التقوا في دمشق مصممين على الحفاظ على استمرار المحادثات الحالية بين الأطراف المتنازعة، وعلى صياغة “أجندة سلام” إقليمية وذات صدقية لا يستطيع الرئيس الأميركي المقبل ورئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل تجاهلها. غير أن ساركوزي -الذي سبق أن أعلن صراحة أنه “صديق لإسرائيل”- قلق من أن الوقت يمر دون التوصل إلى تسوية إقليمية، لأسباب يكمن جزء منها على الأقل في التوسع المستمر لإسرائيل في الأراضي الفلسaطينية وبرنامج إيران النووي.
فحسب مصادر مقربة منه، فإن ساركوزي مقتنع بأن إنشاء دولة فلسطينية، واتفاقية سلام سورية- إسرائيلية، وصفقة مع طهران حول طموحاتها النووية تمثل الضمانات الوحيدة لأمن إسرائيل على المدى البعيد. ويرى أنه من دون إحراز تقدم على الجبهات الثلاث كافة، فإن إسرائيل سيكون مكتوباً عليها العيش في بيئة معادية خلال المستقبل المنظور، وستضطر لخوض حروب لا نهاية لها. وبالتالي، فإن وجودها سيكون في خطر.

والواقع أن رئيس الوزراء التركي أردوجان، الذي تربطه علاقات جيدة مع كل من إسرائيل وسوريا، يوجد في موقع ناسب لاستضافة ورعاية المحادثات السورية- الإسرائيلية التي تستضيفها أنقرة، محادثات غير مباشرة فقط حتى الآن، ولكنها من المرجح أن تتطور إلى مفاوضات مباشرة بعد التوصل إلى اتفاق حول المبادئ الأساسية لتسوية سلام، وحين يصل رئيس أميركي جديد، ملتزم بالسلام، إلى البيت الأبيض. إلا أن أردوجان أيضاً ينتابه قلق بشأن الوضع في منطقة القوقاز والبحر الأسود، حيث يخشى أن تقوم الولايات المتحدة بالتصعيد بشأن جورجيا وأوكرانيا، وجر تركيا، وهي العضو في منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، إلى مواجهة لا ترغب فيها مع روسيا -التي تعد الشريك التجاري الرئيسي لتركيا إذ تزودها بثلاثة أرباع الغاز الطبيعي الذي تستهلكه وثلث حجم استهلاكها من النفط تقريباً.
غير أن أردوجان، أمَّن بالمقابل دعم ساركوزي لما يسمى “ميثاق التعاون والاستقرار في القوقاز” -وهو مشروع طموح يتوقع أن يضم تركيا وروسيا، إضافة إلى جورجيا وأرمينيا وأذربيجان. وإذا أمكن تشكيل ميثاق من هذا القبيل، فإن ذلك سيشكل حتماً نصراً للدبلوماسية التركية.
أما سوريا، فتعد لاعباً لا يمكن تحاشيه من أجل صنع السلام في الشرق الأوسط، مثلما أقرت بذلك فرنسا وتركيا وقطر، ذلك أن لها دوراً مركزياً لتلعبه في لبنان، وفي النزاع العربي- الإسرائيلي، وفي علاقاتها الاستراتيجية مع إيران، وتأثيرها ونفوذها في العراق. غير أن الولايات المتحدة، العالقة في سياسات عفا عنها الزمن هي في الغالب من إملاء “المحافظين الجدد” الموالين لإسرائيل، ما زالت مستمرة في تجاهل سوريا ومعاقبتها. وبالتالي، فليست مصادفة أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لم تشارك في اجتماع دمشق الأسبوع الماضي- وذهبت بدلاً من ذلك إلى ليبيا لعقد الصلح مع العقيد معمر القذافي.
والواقع أن الرئيس بشار الأسد واع تماماً بالأخطار التي ستواجهها سوريا في حال تم تضييع فرصة السلام، ويعرف أن السلام شرط مسبق أساسي لخلق سوريا الحديثة والمزدهرة التي يحلم بها. إلا أنه غير مستعد في سعيه إلى السلام -وعودة مرتفعات الجولان التي استولت عليها إسرائيل في 1967- للتضحية بعلاقاته مع إيران أو دعمه لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، إلى أن “تتغير حقائق الاحتلال (الإسرائيلي) نفسها”، كما قال.
في هذه الأثناء، تظل سوريا ملتزمة بالسعي وراء سلام شامل يشمل الفلسطينيين إضافة إلى سوريا ولبنان، بينما تعد إيران لاعباً آخر لا يمكن إقصاؤه عن أي تسوية إقليمية نظراً للدور الرئيسي الذي تلعبه في العراق وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية.
هناك بكل وضوح عمل كثير ينتظر وسطاء السلام المقبلين إلى أن تتولى الولايات المتحدة المهمة في عهد رئيس جديد، وهي المهمة التي طالما أهملها جورج بوش على نحو إجرامي.
جريدة الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى