صفحات سورية

الحكومة السورية تتباهى بعمالتها الرخيصة .. !!

null
علي عبود
ربما تكون الحكومة السورية الوحيدة على الكرة الأرضية التي تتباهى وتفخر بعمالتها الرخيصة لدى العالم الخارجي .. !!
وتقوم الحكومة بالترويج لعمالتها الرخيصة في المؤتمرات والندوات الدولية والمحلية وفي الإجتماعات الرسمية مع الحكومات العربية والأجنبية التي تربطها بها إتفاقيات إقتصادية .
كما تحرص الحكومة على الترويج لعمالتها الرخيصة لدى المستثمرين الأجانب ، وتعتبرها منذ صدور قانون الإستثمار في عام 1991 عامل أساسي من عوامل جذب رؤوس الأموال إلى سورية .
وكان أوّل من رحّب بالعمالة الرخيصة وصفّق لها القطاع الخاص المحلي الذي كان ولايزال يشجّع وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل على تحديد أجور لأصحاب المهن والحرف لاتتجاوز في أحسن أحوالها مبلغ 7000 ل س شهريا بعد الزيادات التي طرأت على الأجور خلال السنوات الماضية ..
وكان الحد الأدنى بالكاد يصل إلى 4000 ل س شهريا .
ولم يهتمّ المستثمر الأجنبي سواء كان فردا أم شركة بالعمالة السورية الرخيصة فهي آخر اهتماماته أو سؤال يمكن أن يطرحه إذا ماقرّر الإستثمار في سورية ..
والسبب بسيط جدا إذ لايوجد من يستثمر في سورية دون شريك محلّي ..
وبالتالي فإن من يستفيد من العمالة الرخيصة أولا وأخيرا هو القطاع الخاص المحلي الذي بات من أشد المعارضين لتحسين أجور العمالة السورية .. !
وعلى الرغم من الوهم السائد لدى عامة السوريين فإن الأجور التي تمنحها الحكومة للعاملين في المؤسسات والإدارات العامة – رغم هزالتها – هي أعلى من مثيلتها في القطاع الخاص .. !!
ولعل ماعزّز وهم أن الأجور في القطاع الخاص هي مرتفعة وأضعاف مضاعفة لمثيلتها في القطاع العام هو أن هناك فعلا شريحة من أصحاب الخبرات العالية في القطاع الخاص تتقاضى أجورا شبه خيالية مقارنة برواتب وأجور العاملين في الدولة ..
لكن هذه الشريحة ضئيلة جدا قياسا بالعدد الإجمالي للعاملين بأجر في سورية ..
وهي غالبا من نصيب الأقارب والمعارف والأصدقاء أو المقربين من السلطة !
و إذا تناولنا واقع الأجور في سورية حسب معطيات المجموعة الإحصائية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء فسنكتشف بسهولة أن الرواتب والأجور هزيلة في القطاع العام ..
لكننا سنكتشف أيضا انها أكثر هزالة في القطاع الخاص .. !!
وبما أن الأرقام هي المؤشر لتوثيق هذا الواقع وكشف الوهم السائد فإن المجموعة الإحصائية وهي المصدر الرسمي الوحيد في سورية للأرقام تكشف الكثير من الوقائع وتبدّد الكثير من الأوهام ..
وحسب الإحصاءات فقد بلغ إجمالي عدد العاملين بأجر من 15 سنة فما فوق في سورية 2658108 عمال عام 2007 .
وباعتبار أن عدد السكان وفق سجلات الأحوال المدنية بلغ 22331000 في نهاية عام 2007 ..
فهذا يعني أن نسبة العاملين بأجر يبلغ 11.9 % فقط من إجمالي عدد سكان سورية .. !
وهي نسبة ضعيفة جدا تعني فيما تعنيه نظريا على الأقل أن كل عامل بأجر يعيل 8.4 أشخاص لايعملون !!
ويلاحظ أن عدد العاملين بأجر في القطاع العام هو أعلى من العاملين بأجر في القطاع الخاص فقد وصل إلى 1379977 عاملا وعاملة في الجهات العامة مقابل 1252710 في القطاع الخاص .. وذلك حسب مسوح قوة العمل في عام 2007 .
وفي حين نجد أن عدد من يتقاضى أجرا يتجاوز الـ 9000 ل س يبلغ 733705 عاملا في القطاع العام فإن من يتقاضى مثل هذا المبلغ في القطاع الخاص يصل إلى 331300 عاملا فقط !
وتنعكس الصورة تماما بالنسبة للحد الأدنى للأجور.. فالقطاع الخاص يتفوّق على القطاع العام بمنح الأجور الهزيلة .. !
ففي حين يبلغ عدد العمال الذين يتقاضون أقل من 5000 ل س شهريا في القطاع الخاص 251199 عاملا وعاملة فإن عدد العمال الذين يتقاضون أقل من 5000 ل س في القطاع العام لايتجاوز 102526 عاملا وعاملة !
ويكبر الفارق بشكل ملحوظ بين العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص للشريحة التي تتقاضى أجرا بين 5000 – 6000 ل س فهي بالكاد يصل عددها إلى 80 ألف عامل وعاملة في القطاع العام في حين تبلغ 191560 عاملا وعاملة في القطاع الخاص ..!
ولايختلف الأمر بالنسبة لفئات الأجور التالية إلى أن نصل إلى فئة الأجور التي تتراواح بين 8000 – 9000 ل س حيث نجد أن العاملين في القطاع العام الذين يتقاضون الأجر المذكور يصل عددهم إلى 159132 عاملا وعاملة مقابل 120775 في القطاع الخاص ..
ونستنتج مما سبق أن عدد العاملين بأجر في القطاع العام الذين يتقاضون أجرا يتراوح بين 5000 – 8000 ل س أيّ أقل من 166 دولار شهريا يصل عددهم إلى 487140 عاملا وعاملة مقابل 800635 في القطاع الخاص .. !
وهذا يعني أن الأجور في القطاع الخاص على عكس ماهو شائع لاتختلف عن مثيلتها في القطاع العام ..
بل أن أعداد من يتقاضى أجورا هزيلة في القطاع الخاص هي أكبر بكثير من العدد في القطاع العام ..
والإستنتاج المذهل – ودائما من خلال الأرقام الرسمية – هو أن نسبة من يتقاضى أجرا شهريا يقل عن 166 دولار شهريا تبلغ بحدود 60 % .
والإستناج الآخر هو أن الأوضاع لم تختلف كثيرا خلال السنوات الماضية ففي عام 2003 كانت نسبة من يتقاضى دون 5000 ل س 26.4 % في القطاع العام مقابل 52.4 % في القطاع الخاص ..
ومن يتقاضى أكثر من 9000 ل س 12.5 % في العام و9 % في الخاص .
وبلغت نسبة من يتقاضى 8000 ل س فما دون 74.6 % في القطاع العام مقابل 86.4 % في القطاع الخاص .
وبالمحصلة فإن أجور العمالة السورية الرخيصة جدا هي سياسة حكومية بدأت مع صدور قانون الإستثمار عام 1991 وتكرّست من خلال تجميد الرواتب منذ منتصف تسعينات القرن الماضي وحتى عام 2001 ..
أمّا الزيادات الأخيرة والتي تقول حكومة المهندس عطري انّها تأتي ضمن سياسة تحسين الأجور وبمعدل 100 % في الخطة الخمسية الخامسة فهي بالكاد تسدّ الإرتفاعات الهائلة للأسعار المتجهة صعودا منذ عقدين من الزمن على الأقل ..
بالإضافة إلى التضخم الذي ساهم ولايزال يساهم بتآكل الأجور رغم ماطرأ عليها من زيادات ..
وطالما تعترف الحكومة أن متوسط إنفاق الأسرة الشهري لايقلّ عن 24 ألف ل س فإن السؤال :
لماذا لاتوفر الحكومة مثل هذا الدخل للأسرة السورية الذي لايشكّل عمليا أكثر من الحد الأدنى للمعيشة ؟
كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى