صفحات سوريةغسان المفلح

السلطة والمعرفة سوريا

null
غسان المفلح
إذا كان مفهوم السلطة، بمعناه الواسع والضيق، المطلق والنسبي، مفهوما لكثرة تداوله، بشكل صحيح أو خاطئ..إلا أن مفهوم المعرفة يحمل التباسات كثيرة، أحيانا نجد من يطابق بين مفهوم المعرفة وبين مفهوم الثقافة، لدينا عسر شديد في الحقل الدلالي للمفاهيم. يمكن لأي أمرء، ان يلتقط تعريفا مدرسيا، لكل المفاهيم المطروحة، ولكن هذا لا يعنينا بأي حال، في هذا المجال الذي نحاول، عنادا المساهمة فيه.
يذكر العنوان بعنوان مساهمة فوكوية- نسبة لميشيل فوكو الفيلسوف الفرنسي- لكن لا يتقاطع معه، أبدا..السلطة تمثيلية هناك، ومجسدة هنا..السلطة هناك قداستها مخفية بانفتاحها، والسلطة هنا قداستها تمشي أمامها، بلغة واضحة، تقول قائد رمز، أو قائد خالد، مناضل، مساهم أول مطلق في كل قطاعات العمل المادي والرمزي، الطالب الأول، المحامي الأول، المثقف الأول..معزوفة التفضيل المطلق.
قداسة لا تمثل سوى نفسها، ولا تحيل إلى ما هو خارجها، هي مقدسة بذاتها، يمكن للمرء أن يعود للدستور السوري كي يرى تطبيقا واضحا. قداستها أيضا تتأتى من فرادتها، ليس بهياكلها وحسب بل بشخوصها أيضا، ومن البعد التنزيلي الذي جاءت إلى مجتمع بدونها، لا يستطيع أن يسير أمرا مهما كان صغيرا أو كبيرا، هي منقذ ببعد خلاصي، تقود إلى جنتها، وعكس ذلك تقود إلى نارها” سجن او اغتيال أو قطع رزق..كما الله”
عندما يزور ساركوزي الرئيس الفرنسي، عمال النفايات، هو يقوم بواجب الوظيفة التمثيلية، التي أتى من خلالها، بينما عندنا تلك الزيارة تكون: مكرمة وعطاء. هل يستطيع ساركوزي سجن مثقف فرنسي مهما كتب ضده، سياسيا، وحتى شخصيا لا يستطيع…ربما يستطيع رفع دعوى قضائية ضده كأي مواطن فرنسي، والقضاء هو من يقرر. في سورية اعتقال نخبة من المثقفين والكتاب يحتاج إلى هاتف فقط.
الخطاب الإسلامي المنتشر على المنابر السورية، هو خطاب من خطابات إسلامية متعددة، ولكن إن كان لهذا الخطاب من سلطة على المجتمع، أو على بعض من فئاته، هو خطاب أيضا يبرز قداسته، ولكن هل هو منقطع عن قداسة السلطة اللاتمثيلية، ام أنه جزء منها؟
في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، كان ممنوعا على السوري أن يربي ذقنه، حتى لا يتهم بأنه إسلامي، والآن مسموح للسوري أن يرتدي أفغاني تيمنا بطالبان!
تحول الطقس المسموح به، ومسموح بنشر خطابه على المنابر، من تابع لقاءات الشيخ الكوكي على قناة الجزيرة، ودفاعه عن النقاب، يعرف ماذا يجري في سورية داخل حقل الممنوع والمسموح، يعرف عماذا نتحدث، حيث تحول هذا المسموح به إلى سلطة خوف عند الأقليات السورية، والسلطة بذلك ضربت عصفورين بحجر واحد: أجهزتها الأمنية قبضت على حركة الأصولية من جهة، وأحييت هاجس الخوف لدى الأقليات، لأنها صورت أن كل المسلمين السنة هم أفغان طالبان. والقبض على الحركة التي يسميها بعضنا” صحوة إسلامية” ليس قبضا سياسيا وثقافيا فقط، بل هو قبض أمني أولا. ومن جهة أخرى حازت السلطة بتسويقها لهذا الخطاب على شعبية ما لدى الشارع الديني، إذا زدنا على هذا ما يمكننا تسميته بالجهاز المفاهيمي والثقافي والأمني والسياسي ل” معسكر المقاومة” حتى المعارضة السورية، بدأ الخوف يسيطر على الكثير من نخبها” الخوف من التغيير” هذا الخوف أصبح مقدمة معرفية في إنتاج خطاب ثقافي وسياسي. وجاءت تجربة العراق لتعزز هذه الهواجس، أصحيح أننا أمام معادلة لا تقبل القسمة إلا على أثنين” إما بقاء الاستبداد أو انهيار البلد ومحوه عن الخارطة؟
في هذا الواقع يمكن فهم التساهل في الجبهة المفتوحة بين العلمانيين وبين الإسلاميين، حول الحريات الفردية، وكيف أن السلطة تغض الطرف تماما عن هذه المعركة، وغض الطرف هذا هو أيضا معمل صغير لإنتاج سلع معرفية تتناسب مع مواده الخام.
المعركة حول جرائم الشرف، المعركة حول قانون الأحوال الشخصية، المعركة حول ما يصرح به مفتي الجمهورية.
لا قداسة في سورية إلا لسلطتها، ولخطاب ديني تسمح به هذه السلطة، وتبني له المؤسسات، وعليه تكون المعرفة بسورية….وأية معرفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى