صفحات ثقافيةمايا جاموس

“وحيد القرن”: طاغية زكريّا تامر في مسرح زيناتي قدسية

null
مايا جاموس
يقدم زيناتي قدسية في عرضه “وحيد القرن” (على خشبة مسرح الحمراء) توليفة لمجموعة من قصص زكريا تامر، ليجعل منها عرضاً ذا وحدة حكائية متكاملة. إنها حكاية الاستبداد والقمع.. يقدمها في قالب كاريكاتوري كوميدي يقوم على المبالغة والسخرية من الملك ومملكته وأجهزته ومؤسساته الأمنية وحكومته وطريقة تشكيلها.
الحكاية التي تُطرح في العرض بسيطة ومعالجتها بسيطة أيضاً، وهذا بالطبع لا يلغي من أهمية طرح الموضوع وضرورته، حيث يتم التركيز هنا على استبداد الطبقة الحاكمة وجرائمها الكثيرة بما فيها مجازرها الجماعية، وإظهار الشعب على أنه ضحية بكل فئاته، الفقراء والبسطاء والمثقفين، مغلوباً على أمره يتعرض للتجويع والقمع والظلم، ويُدفَع دفعاً إلى ارتكاب الجريمة بكل أشكالها، وليس من تقدير للطاقات والمواهب، على العكس يؤتى بالسيّئ الذي لا يستحق، ويُنصّب في مواقع إدارية حكومية، ويُعتقل من يحاول الاحتجاج أو المشاركة في الشأن السياسي من موقع المنتقد. ويقدم الطبقة الحاكمة على أنها بيت واحد في المحصلة العامة، فاسد وليس لديه القيم والأخلاقيات، حتى تجاه شركائه، فرئيس الحكومة وأعوانه يغتالون الملك حين تبدأ كوابيس جرائمه تلاحقه وتحرمه النوم، ويصبح مستعداً للتخلي عن نصف مملكته لقاء الخلاص من الكوابيس، ويصبح مهدداً لمصالح من حوله، ويأتون بمن هو أغبى منه. وفي النهاية يؤكد العرض ضمن خيار قتل الملك وتنصيب المهرّج الغبي بدلاً منه على عبثية الوضع ويسخر منه، فلا مخرج لوضع الحكم العربي الفاسد.
يُطرح موضوع الاستبداد في هذا العرض بتعميم دون تحديد زماني ومكاني، ودون أن يقوم بالتركيز على شخصية الديكتاتور مثلما فعل موفق مسعود وزيناتي قدسية في “غوايات البهاء” سابقاً، لكنه يرسم صورةً للمملكة، ويختار أن يقدمها منفّرة، كل ما فيها يفتقد إلى الكياسة والجمال، فالملك وأعوانه من رئيس الحكومة ومسؤول الأمن هم أشخاص على درجة من البشاعة والتنفير، يصرخون طوال الوقت بأصوات مرتفعة ونبرات مزعجة، أعتقد أن غاية المخرج من تقديم المبالغات والقبح جعل صورة الملك وكل حاشيته سيئةً في ذهن المشاهد، وهذا كان واضحاً في العرض، لكن ربما لم يكن مضطراً أن يقدم شيئاً مزعجاً على المستوى الفني من أجل تكريس الصورة السابقة، فما أتى به العرض اقترب كثيراً من نماذج شخصيات الكرتون التي تُقدم للأطفال (شخصيات شريرة وتثير الضحك من خلال أفعال الشر وسلوكها وتعاملها مع الآخرين). ولم يحمل العرض على المستوى البصري جماليات أو قراءات درامية غير التي تصلنا من خلال النص والحوار، باستثناء لمحات محدودة وهي تصب في خدمة الفكرة نفسها، مثل أقنعة المجموعة (الحرس والحاشية)، وصور الجماجم والأرواح البشرية التي قامت عليها (كرسي الملك وإكسسواراته)، فالمشاهد المسرحية تأتي لتوضيح النص فحسب وتقديم ما اصطلح على تسميته ب(المعادل البصري)، حتى يُخيَّل للمتلقي أنه يسمع حواراً مدبلجاً لأحد برامج الأطفال. فالمضمون الذي قُدم على أهمية فكرته مبسّط المعالجة،لم يرافقه مستوى إخراجي يرتقي به وبدلالاته، ليأتي التجسيد أيضاً مبسطاً قائماً على الضحك يقترب في ذلك من المسرح الكوميدي التجاري.
ليس في العرض بناءٌ للشخصيات، بمعنى تقديمها كشخوص لها بنية نفسية تتطور درامياً بحسب الأحداث، بل هي نماذج- أنماط معروفة ويُتوقَّع فعلها، وحتى الحكاية التي قدمت كان من الممكن إضافة العديد من المفاصل والحكايات الثانوية إليها غير حكاية تشكيل الحكومة، إلا أن هذا التفصيل يبدو أساسياً لعكس صورة عن سوء الوضع وعن تنصيب الناس في مواقعهم على أسس الولاءات للحاكم، وفهم لعبة الفساد والانخراط فيها وخداع الشعب وتضليله، أما حكاية محاكمة إبليس من قبل الملك وأعوانه بصفته مسؤولاً عن الجرائم التي يرتكبها الجميع في المملكة  مع إهمال الأسباب الحقيقية (الجوع، الظلم..)، فهي أيضاً جزء عبثي يجسّد لا معقولية وغرائبية الحالة.
يقدَّم العرض ضمن صيغة عبثية عدمية، لا يطرح أي حل بحيث يبدو الأمر حتمياً لا يمكن تغييره.
يتم اختيار الكوميديا القائمة على المبالغة لتقديم هذا النوع، ومن الملاحظ اتجاه المسرح السوري لاختيار الكوميديا والضحك لتقديم المحتوى السياسي، (باستثناء عروض قليلة منها غوايات البهاء)، وهذا يجعل من المسرح إلى حد كبير نمطياً، على مستويي الأداء والتلقي لدى المشاهد، ليجعل الأمر برمّته تنفيسياً.
تجمع المسرحية عدداً كبيراً من الممثلين نسبياً، وهذا لم نره منذ زمن في المسرح الذي يتجه إلى التقتير في كل شيء بما فيه الممثلين. هنا مثلاً 15 ممثلاً، بين أدوار رئيسية كالملك وإسفين (رئيس الحكومة)، وجمخدد، وخنجر، وأدوار ثانوية، وأدوار لم يكن لها دور درامي فاعل سمّيت بالمجموعة، كانت خلال معظم فترة العمل حاشية الملك التي لا تسمع و لا ترى ولا تحتج، إنها بلا أي ملامح، ارتدت الأقنعة لتكون أدوات فقط تحت إمرة الملك تدلّكه وتحرك كرسيّه.. (رضوان كيلاني، ياسين بشار، سمير الملوحي، أحمد الأحمد، محمد سريول، إياد دكاك). ويمكن القول إنها لعبت دور إكسسوار تكميلي جمالي.
العرض من إعداد وسينوغرافيا وإخراج زيناتي قدسية، تمثيل حسن دكاك، محمود خليلي، كميل أبو صعب، قصي قدسية، رائد مشرف، زهير البقاعي، فادي الحموي، خلدون قاروط، خوشناف ظاظا، دراماتورجيا سهير برهوم.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى