صفحات العالم

أوباما والنصيحة السوفياتية

بقلم سميح صعب
قبل 20 عاماً عبر الجنرال السوفياتي بوريس غروموف جسر “الصداقة” فوق نهر اموداريا بين افغانستان وجمهورية اوزبكستان السوفياتية السابقة لينتهي الوجود العسكري السوفياتي الذي استمر 13 عاماً في افغانستان.
وفيما كانت روسيا تحتفل بالذكرى الـ20 لخروجها من المستنقع الافغاني، كان الرئيس الاميركي باراك أوباما يقرر ارسال 17 الف جندي اميركي الى افغانستان من اجل حسم المعركة في هذا البلد.
ارسال المزيد من الجنود الى افغانستان يأتي ضمن الاستراتيجية الجديدة التي وضعها أوباما من اجل كسب الحرب في افغانستان، لأنه يعتبر ان كسب الحرب ضد “طالبان” و”القاعدة” هو الاساس في الانتصار في الحرب الاميركية على الارهاب. وهو يأخذ على سلفه جورج بوش انه حرّف مسار الحرب على الارهاب عندما ذهب الى الحرب “غير الضرورية” في العراق.
ولئن لم تجد الولايات المتحدة حماسة لدى بقية اعضاء حلف شمال الاطلسي لارسال مزيد من القوات الى افغانستان، سواء عن عدم قدرة على ارسال مزيد من قوات الدول الاعضاء او عن عدم اقتناع بامكان كسب هذه الحرب عسكرياً، فإن اوباما قرر تعويض النقص في القوات الدولية عبر ارسال قوات اميركية سيجري سحبها من العراق، ولا سيما ان الامور في هذا البلد سائرة نحو التطبيع والاستقرار على ما يبدو.
وتشبه خطة زيادة القوات الاميركية في افغانستان خطة زيادة القوات الاميركية في العراق التي قررها بوش في 2007 ونتج عنها اقصاء مقاتلي “القاعدة” من المناطق السنّية التي كانت توفر لهم الملاذ الآمن بعد استمالة العشائر العراقية واقناعها بالانضمام الى القوات العراقية والاميركية في مقاتلة “القاعدة”.
أوباما يحاول تكرار التجربة العراقية في افغانستان عبر زيادة القوات الاميركية لمقاتلة “القاعدة” في المناطق الحدودية الوعرة مع باكستان حيث يعتقد ان مقاتلي “القاعدة” وقياداتها يختبئون هناك.
والى العامل العسكري، يحاول أوباما اقناع الحكومة الباكستانية بأن تكون عاملاً حاسماً في الوقوف الى جانب الولايات المتحدة في تطبيق الاستراتيجية الجديدة. ليس هذا فحسب، بل ان الادارة الاميركية الجديدة تسعى الى اشراك ايران في هذه الاستراتيجية كي تضمن توافقاً اقليمياً حيال افغانستان مشابهاً للتوافق الاقليمي الذي نشأ في العراق بعد 2007 وكان العامل الحاسم في تقليص دورة العنف اكثر مما كان عامل زيادة للقوات الاميركية.
وأخذاً في الاعتبار العوامل الاقليمية في تحقيق الاستقرار، يسعى أوباما الى الافادة قدر الامكان مما يمكن ان تقدمه ايران وباكستان من اجل ضمان الامن في افغانستان. كما ان روسيا باتت عاملاً مهماً تحتاج اليه واشنطن لحسم الموقف في افغانستان، ولا سيما بعد قرار قرغيزستان اغلاق القاعدة الاميركية التي كانت تؤمن الامدادات للقوات الاميركية في هذا البلد.
وتزداد حاجة اميركا الى روسيا مع تزايد الهجمات من “طالبان” باكستان ضد القوات الغربية في ممر خيبر الباكستاني الذي يُعتبر هو الآخر الشريان الحيوي من اجل ايصال الامدادات الى القوات الاميركية والاطلسية في افغانستان.
إن قرار أوباما بالحسم في افغانستان يرتّب الكثير من السياسات التي سترافق هذا القرار. فالعلاقات الاميركية ستكون اكثر مرونة مع الحلفاء من اجل ضمان تحملهم جزءاً من الاعباء العسكرية والاقتصادية المترتبة على تصاعد الحرب. وبعض هذه الدول وصل الى اقصى طاقته عسكرياً هناك ولا سيما فرنسا وبريطانيا وكندا.
وفي المحصلة، الانتصار غير مضمون في هذه الحرب. وهذه هي النصيحة التي أسداها الجنرال غروموف الى الولايات المتحدة وهو يحتفل بالذكرى الـ20 للخروج الروسي من افغانستان. ان الولايات المتحدة تشبه اليوم الاتحاد السوفياتي قبل 20 عاماً؟!
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى