ذاكرة الصفحات

من ذاكرة الصفحات: انقلاب حزب البعث: الجريمة والعقاب

null
هيثم المالح
في الثامن من آذار 1963 استولى عسكريون على السلطة بانقلاب خارج عن الشرعية، وأقاموا لهم مجلساً سموه المجلس الوطني لقيادة الثورة، وتم ذلك بتعاون بين حزبي البعث العربي الاشتراكي والاتحاد الاشتراكي (الناصريين)، ثم ما لبث أن وقع خلاف بين جناحي الانقلاب، أدى لصدام مسلح بينهما ثم لتصفية أعداد من الضباط الناصريين فيما سمي (أحداث تموز 1963)، وتفرد حزب البعث بالسلطة، وأبعد كل ما عداه، وبرغم أن هذا الحزب لم يكن مرخصاً نظراً لأنه حل نفسه في بداية عهد الوحدة بين سورية ومصر وقيام دولة الجمهورية العربية المتحدة إلا أنه فرض نفسه قائداً خارج إطار القانون، واستمر كذلك حتى الآن.
جريمة اغتصاب السلطة!
يعاقب قانون العقوبات السوري في مواده 291 و293 و294 و296 الاستيلاء على السلطة بالطريقة التي تمت وندرج هذه النصوص فيما يلي:
المادة 291
1- من حاول أن يسلخ عن سيادة الدولة جزءاً من الأرض السورية عوقب بالاعتقال المؤقت.
2- وتكون العقوبة الاعتقال المؤبد إذا لجأ الفاعل إلى العنف.
المادة 293
1- كل فعل يقترف بقصد إثارة عصيان مسلح ضد السلطات القائمة بموجب الدستور يعاقب عليه بالاعتقال المؤقت.
2- إذا نشب العصيان عوقب المحرض بالاعتقال المؤبد وسائر العصاة بالاعتقال المؤقت خمس سنوات على الأقل.
المادة 294
الاعتداء الذي يقصد منه منع السلطات القائمة من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور يعاقب عليه بالاعتقال المؤقت.
المادة 296
يعاقب بالاعتقال المؤقت سبع سنوات على الأقل:
أ‌- من اغتصب سلطة سياسية أو مدنية أو قيادة عسكرية.
ب‌- من احتفظ خلافاً لأمر الحكومة بسلطة مدنية أو قيادة عسكرية.
ت‌- كل قائد عسكري أبقى جنده محتشداً بعد أن صدر الأمر بتسريحه أو بتفريقه.
إلا أن الانقلابين العسكريين الذين يملكون القوة الضاربة، اغتصبوا السلطة وفرضوا سلطانهم بواسطتها ولم يكن ممكناً إحالتهم إلى القضاء لمحاكمتهم لأنهم يملكون القوة الضاربة، وأقدموا على تصفية خصومهم من الناصريين كما اعتقلوا عدداً من السياسيين والعسكريين الآخرين الذين كانوا يعتقدونهم غير موالين.
جريمة إعلان الطوارئ!
بدأت مرحلة هامة مع إطلالة الحكومة العسكرية التي أعلنت حالة الطوارئ بموجب الأمر العسكري رقم 2 تاريخ 8/3/1963 حسب الصيغة التالية:
قرار المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم(2)
الصادر في يوم الجمعة الموافق 13 شوال 1382 و8/3/1963
أمر عسكري رقم (2)
إن المجلس الوطني لقيادة الثورة يقرر مايلي:
المادة 1
تعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية ابتداءً من 8/3/1963 وحتى إشعار آخر.
دمشق في 8/3/1963 المجلس الوطني لقيادة الثورة
إن إعلان حالة الطوارئ كما هو مبين آنفاً يتعارض مع نص المادتين 1و2 من قانون حالة الطوارئ الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 51 لعام 1962 واللتان تنصان على مايلي:
المادة 1
أ‌- يجوز إعلان حالة الطوارئ في حالة الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو في حالة تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الجمهورية أو في جزء منها للخطر، بسبب حدوث اضطرابات داخلية أو وقوع كوارث عامة.
ب‌- يمكن أن تتناول حالة الطوارئ مجموع الأراضي السورية أو جزء منها.
المادة 2
أ‌- تعلن حالة الطوارئ بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه على أن يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له.
ب‌- يحدد المرسوم القيود والتدابير التي يجوز للحاكم العرفي اتخاذها والمنصوص عليها في المادة الرابعة من هذا المرسوم التشريعي دون الإخلال بأحكام المادة الخامسة منه.
وهكذا اخترقت السلطة العسكرية أو ل ما اخترقت قانون الطوارئ نفسه إذ أنها أعلنت حالة الطوارئ خلافاً لنص القانون كما أنه لم يجر منذ ذلك الوقت حتى الآن عرض هذه الحالة على أي مجلس الشعب.
كان الغرض من إعلان حالة الطوارئ كما هو واضح مما سلف حماية الانقلابين وتمكينهم من بسط هيمنتهم على البلاد، ولم يكن هناك أي سبب آخر مما ورد في قانون حالة الطوارئ.
وبرغم أن حالة الطوارئ كانت معلنة سابقاً استناداً للقانون رقم 162 الصادر عام 1958، دون أن يجري رفعها قبل صدور القانون 51 لعام 1962، بدليل ما أكدته المادة 13 من هذا القانون والتي تنص في فقرتها “ج” على ما يلي:
(تعتبر حالة الطوارئ المعلنة استناداً إلى القانون رقم 162 قائمة حتى يتم إلغاؤها وفقاً لأحكام المادة العاشرة من هذا المرسوم التشريعي)، وبالتالي فلم يكن الانقلابيون بحاجة لإعلان حالة الطوارئ التي كانت معلنة أصلاً بالقانون 162 لعام 1958 ودون أن يجري إلغاؤها.
جريمة تشريع التعذيب!
لقد أرخت حالة الطوارئ بظلالها على الحياة العامة في سورية وكان من نتائج تطبيقها جنوح السلطة لإصدار قوانين تخرج عن مفهوم الشرعية وتتنافى مع الدستور ومع القوانين المحلية الأخرى ومع الاتفاقيات الدولية والعهود الخاصة بحقوق الإنسان كما تتعارض مع مصلحة المواطنين، وسنناقش بعض أهم هذه القوانين ونخلص للنتيجة المتأتية عنها:
1- المرسوم التشريعي رقم 14 لعام 1968 والذي تنص المادة 16 منه على ما يلي:
(يشكل في إدارة أمن الدولة مجلس أو أكثر لتأديب العاملين فيها أو المنتدبين والمعارين إليها ويحدد بمرسوم يصدر عن رئيس الدولة كيفية تشكيل المجلس والإحالة إليه وأصول المحاكمة أمامه وصلاحياته.
ولا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكولة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير).
لقد بسط هذا النص الحماية على مرتكبي جرائم التعذيب والقتل تحت التعذيب، ولم يجري منذ صدور هذا المرسوم وحتى الآن أن أحيل أي مسؤول أمني بجريمة ارتكبها إلى القضاء.
القانون- الجريمة… قانون (49)!
2- القانون 49 لعام 1980
دأب النظام الاستبدادي الشمولي على ممارسة القمع وامتهان المواطنين وإذلالهم منذ وجوده وأدى هذا القمع لتصاعد نقمة المواطنين ودفع شريحة من التيار الإسلامي لحمل السلاح، “وبرغم أن حمل السلاح هذا مرفوض شكلاً وموضوعاً”، إلا أن النظام لم يحاول أن يبحث عن أسباب العنف ومسبباته، كي يتلافى الحدث قبل وقوعه، ولكنه أو غل في انتهاكاته لحقوق الإنسان وتجريد المواطنين من كرامتهم وعزتهم.
وبرغم أن هذا العنف ليس أصيلاً في مجتمعنا، وتاريخنا خير شاهد على ذلك إذ عاشت جميع التيارات في سورية دون أن يدور بخلد الناس حمل السلاح أو ممارسة العنف ضد بعضهم البعض، وخير شاهد على ذلك ممارسة التيار الإسلامي للانتخابات النيابية كما مارسها غيرهم من الأحزاب، في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي… ولإحكام السيطرة على المجتمع فقد اتجه النظام لشرعنة الجريمة ضد المواطنين وكان مجلس الشعب الذي لا يملك من أمره شيئاً وأعضاؤه في حقيقة الأمر معينين من الرئيس هو الوسيلة لإنفاذ ذلك فأصدر القانون رقم 49 لعام 1980 والذي ندرجه فيما يلي:
رئيس الجمهورية
بناء على أحكام الدستور وعلى ما أقره مجلس الشعب بجلسته المنعقدة بتاريخ 7/7/1980م.
مادة 1- يعتبر مجرماً ويعاقب بالإعدام كل منتسب لجماعة الأخوان المسلمين.
مادة 2- أ- يعفى من العقوبة الواردة في هذا القانون أو أي قانون آخر، كل منتسب إلى هذه الجماعة إذا أعلن انسحابه منها خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون.
ب- يتم الإعلان عن هذا الانسحاب بموجب تصريح خطي يقدم شخصياً إلى المحافظ،
أو إلى السفير لمن هم خارج القطر بتاريخ صدور هذا القانون.
مادة3- تخفض عقوبة الجرائم الجنائية التي ارتكبها المنتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين.
قبل نفاذ هذا القانون تحقيقاً لأهداف هذه الجماعة إذا سلم نفسه خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون لمن هم داخل القطر، وخلال شهرين عن هم خارجه وفقاً لما يلي:
أ‌- إذا كان الفعل يوجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد، كانت العقوبة الأشغال الشاقة خمس سنوات على الأكثر.
ب‌- إذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى كانت العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
المادة 4- يعفى من عقوبة الجرائم الجنحوية المرتكبة قبل نفاذ هذا القانون تحقيقاً لأهداف التنظيم جماعة الإخوان المسلمين كل منتسب إلى هذه الجماعة إذا سلم نفسه خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون لمن هم داخل القطر وخلال شهرين لمن هم خارجه.
المادة 5- لا يستفيد من التخفيض والعفو الواردين في هذا القانون الذين هم قيد التوقيف أو المحاكمة.
المادة 6- ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ صدوره.
“نشر هذا القانون في العدد 29 ج ر تاريخ 22/7/1980”.
سنبحث مدى مخالفة هذا القانون للأسس التشريعية من جميع جوانبه، دستورياً، قانونياً، دولياً.
1- مخالفة القانون للدستور:
نصت المادة 30 من الدستور على مايلي:
“لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يكون لها أثر رجعي، ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك”.
من هذا النص نستخلص المبدأين الهامين التاليين:
أ‌- أن القوانين الجنائية لا تسري إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها. وبالتالي فلا يجوز أن يكون للقانون مفعولاً رجعي.
ب‌- أكد النص آنف الذكر على أنه من المسلمات في الأمور الجزائية أنه لا يجوز أن يكون للنص مفعولاً رجعياً، ويجوز النص على خلاف ذلك في غير الأمور الجزائية.
وأوضح مثال على ذلك المخالفة الصريحة للدستور أن القانون استثنى المعتقلين الذين كان ألقي القبض عليهم قبل صدور القانون، وذلك فيما سماه أسباب التخفيف أو الإعفاء من العقوبة كما بينت ذلك المادة الخامسة منه.
من ذلك يتضح أن القانون 49 الذي قضى بوجوب إعدام المنتسبين للإخوان المسلمين هو قانون غير دستوري فلماذا لم يعرض هذا القانون على المحكمة الدستورية؟
من المعلوم أن إحالة أي نص إلى المحكمة الدستورية إنما تحكمه المادة 145 من الدستور والتي نصت على أن إحالة أي نص إلى هذه المحكمة لا يمكن أن يتم إلا:
أ‌- من قبل رئيس الجمهورية.
ب‌- إذا اعترض ربع أعضاء مجلس الشعب على القانون أو على أي مرسوم تشريعي.
ولم يتوفر أي من هذين الشرطين لإحالة القانون على المحكمة الدستورية وبالتالي كان هو الوسيلة الفعالة لدى المحاكم الاستثنائية وعلى رأسها محكمة الميدان العسكرية لإعدام أي مشتبه به على أنه من تنظيم الأخوان المسلمين.
مخالفة القانون لقانون العقوبات:
تنص المادة 1 من قانون العقوبات على مايلي:
لا تفرض عقوبة ولا تدبير احترازي أو إصلاحي من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه.
مما تقدم يتضح أن أي مفعول رجعي لقانون يتناول العقوبات يعتبر مصادماً للدستور ولقانون العقوبات ويتعين تقرير عدم دستوريته ورفض نتائجه.
إن القضاء العادل المستقل يمكن له ممارسة الرقابة على دستورية القوانين وذلك بإهمال تطبيق القانون المخالف للدستور بطريقة الدفع أثناء ممارسة النظر في القضايا المرفوعة من المواطنين أو عليهم، إلا أن القضاء الذي تم التغول عليه من قبل السلطة التنفيذية لم يعد يملك القوة والسلطة المستقلة للوقف بوجه (السلطة التنفيذية) ممثلة برئيس الجمهورية وبالتالي فقد تم تنفيذ القانون 49 على نطاق واسع ودون أي تحقيق أو تحفظ،ونصبت محاكم غير شرعية لإجراء محاكمات لا تتوفر فيها أدنى معايير المحاكمات العادلة.
مخالفة القانون 49 للمعاهدات الدولية:
تنص الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية وخاصة المادة 6 منه على مايلي: “ووفقاً للقوانين التي تكون سارية عند ارتكاب الجريمة ” بمعنى أنه لا يجوز أن يكون للنص الجزائي مفعولاً رجعياً ولهذا فإن القانون 49 يناقض الاتفاقات الدولية.
وقد صادقت سورية على هذه الاتفاقية وبالتالي فهي ملزمة بها ولا يجوز لها أن تصدر تشريعاً يتناقض معها فلماذا إذاً صدر القانون 49 لعام 1980؟ وكيف يمكن لمجلس يمثل الشعب أن يصدر قانوناً يخالف الدستور والقوانين والمعاهدات الدولية؟
من نافلة القول أن مجلس الشعب في سورية لا ينتخب انتخاباً حراً نزيهاً، وقد أصدرت المحكمة الدستورية في عدة دورات انتخابية توصيات ببطلان الانتخاب لعدد من أعضاء مجلس الشعب إلا أنه لم يجر الالتفات إلى توصيات هذه المحكمة.
وحتى لو كان المجلس يمثل الشعب فعلاً فإن التشريعات تدقق من قبل لجنة قانونية لا يخفى عليها المبادئ الأساسية والبديهية للقانون.
– سرعة التصديق على القانون:
و من مراجعة نص القانون 49 موضوع بحثنا نجد أنه صدر عن مجلس الشعب بتاريخ 7/7/1980، في حين أنه جرى التصديق عليه من قبل رئيس الجمهورية بتاريخ 8/7/1980 أي أنه حمل للرئيس باليد فصادق عليه، وهذا ما لم يجر لأي قانون سابقاً، إذ أن توقيع الرئيس على القوانين عادة ما يأخذ وقتاً طويلاً قد يمتد أشهراً، ومن ذلك فإن هذه السرعة تشي بأن القانون 49 هو موصى به، وبالتالي فإنه لم يعرض على المحكمة الدستورية لهذا السبب، فضلاً عن أن السلطة التنفيذية رأت أن تمارس القوة غير مسبوقة والتستر بالقانون لقمع أي قانون يمكن أن يواجهها.
فهل يمكن أن يكون مقبولاً أو معقولاً صدور قانون بإعدام منتسبين إلى تنظيم معين، وبالتالي سيترتب على ذلك سقوط عدد كبير من القتلى والضحايا ثم لا يعرض هذا القانون على المحكمة الدستورية فكيف لنا أن نفسر ذلك؟

المحاكم الميدانية العسكرية:
عندما واجهت السلطة التنفيذية التهديد الموجه لها وسعت صلاحية المحاكم الميدانية العسكرية التي كانت قد أحدثت بالمرسوم التشريعي رقم 109 لعام 1968 وذلك لغرض تصفية الخصوم السياسيين وعلى رأسهم الإخوان المسلمين وندرج فيما يلي النص الكامل للأحكام التشريعية التي تنظم هذه المحاكم:
مرسوم تشريعي رقم 109
تاريخ 17/8/1968
إحداث محاكم الميدان العسكرية
بناء على أحكام قرار القيادة القطرية المؤقتة لحزب البعث العربي الاشتراكي رقم 2 تاريخ 25/2/1966
وعلى قرار مجلس الوزراء تاريخ 14/8/1969يرسم ما يلي:
مادة 1- تحدث محكمة أو أكثر: تسمى محكمة الميدان العسكرية.
تتولى هذه المحكمة النظر في الجرائم الداخلة في اختصاص المحاكم العسكرية والمرتكبة زمن الحرب أو خلال العمليات الحربية التي يقرر وزير الدفاع إحالتها إليها.
يسري اختصاص هذه المحكمة اعتباراً من 5/6/1967
مادة 2- يقصد في هذا المرسوم التشريعي مايلي:
أ‌- زمن الحرب: هو المدة التي تقع فيها اشتباكات مسلحة بين الجمهورية العربية السورية
وبين العدو ويحدد بدؤها وانتهاؤها بمرسوم.
ب‌- العمليات الحربية: الأعمال والحركات التي يقوم بها الجيش أو بعض وحداته في
الحرب أو عند وقوع صدام مسلح مع العدو.
مادة3- تؤلف المحكمة بقرار من وزير الدفاع من رئيس وعضوين، ولا تقل رتبة الرئيس عن
رائد كما لا تقل رتبة كل من العضوين عن نقيب، ولا يجوز محاكمة أحد ضباط القوات
المسلحة أمام محكمة يكون رئيسها أدنى منه مرتبة.
مادة 4- أ- يقوم بوظائف النيابة العامة لدى المحكمة قاضٍ أو أكثر من النيابة العامة العسكرية
يجري تسميتهم بقرار من وزير الدفاع.
ب‌- تتمتع النيابة العامة لدى المحكمة بجميع السلطات والصلاحيات الممنوحة للنائب العام وقاضي التحقيق العسكريين.
ت‌- تصدر قرارات النيابة العامة قطعية لا تقبل أي طريق من طرق الطعن.
مادة 5- يجوز للمحكمة ألا تتقيد بالأصول والإجراءات المنصوص عليها في التشريعات
النافذة.
مادة 6- تطبق المحكمة العقوبات المقررة قانوناً ولا تقبل الأحكام التي تصدرها أي طريق
من طرق الطعن.
مادة 7- لا تنفذ أحكام محكمة الميدان العسكرية إلا بعد التصديق عليها من السلطة
المختصة، وتنفذ وفاقاً للتشريعات المرعية.
مادة 8- أ- تخضع أحكام الإعدام لتصديق رئيس الدولة، أما باقي الأحكام فيجري تصديقها
من وزير الدفاع.
ب- لرئيس الدولة ووزير الدفاع كل بحسب اختصاصه أن يخفف العقوبة أو يستبدل بها عقوبة أخرى، أو يلغيها كلها مع حفظ الدعوى.
ويكون لحفظ الدعوى مفعول العفو العام. كما يجوز له أن يأمر بإعادة المحاكمة أمام محكمة ميدان عسكرية أخرى، ويجب أن يصدر القرار في هذه الحالة معللاً، فإذا صدر الحكم في المحاكمة الثانية بالبراءة وجب التصديق عليه في جميع الأحوال، وينفذ فوراً.
ت – لوزير الدفاع ضمن اختصاصه أن يوقف تنفيذ العقوبة المقضي بها، وفي هذه الحالة تطبق قواعد وقف تنفيذ الأحكام المنصوص عليها في قانون العقوبات العام.
ث‌- لرئيس الدولة أو وزير الدفاع كل بحسب اختصاصه بعد التصديق على الأحكام بالإدانة أن يمارس الصلاحيات المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين.
مادة 9- ينشر هذا المرسوم التشريعي في الجريدة الرسمية.
ثم صدر المرسوم التشريعي رقم 32 تاريخ 1/7/1980 وهو ينص على مايلي:
المادة 1- يضاف إلى نهاية الفقرة ب من المادة 2 من المرسوم التشريعي رقم 109 تاريخ 17/8/1968 النص التالي:(أو عند حدوث اضطرابات داخلية)
فإذا أضفنا هذا التعديل المتقدم إلى نص الفقرة 4 من المادة 25 فبذلك يصبح نص المادة25 كمايلي:
ت‌- العمليات الحربية: الأعمال والحركات التي يقوم بها الجيش أو بعض وحداته فيالحرب، أو عند وقوع صدام مسلح مع العدو، وعند حدوث اضطرابات داخلية.
من تدقيق نص المرسوم السابق نجد:
أ‌- أن اختصاص المحكمة محصور بالنظر في الجرائم الداخلة في اختصاص المحاكم العسكرية والمرتكبة زمن الحرب أو خلال العمليات الحربية.
ثم حددت الفقرة أ- معنى زمن الحرب: بأنه هو المدة التي تقع فيها اشتباكات مسلحة بين الجمهورية السورية وبين العدو ويحدد بدؤها وانتهاؤها بمرسوم.
ثم جاءت الفقرة ب لتحدد معنى العمليات الحربية وهي معطوفة بالمعنى على الفقرة أ- إذ نصت على تفسير معنى العلميات الحربية بأنها الأعمال والحركات التي يقوم بها الجيش أو بعض وحداته في الحرب وعند وقوع صدام مسلح مع العدو.
وبالتالي فإن الفقرة ب ليست سوى تأكيداً للفقرة “أ” وشرحاً لها إذ أن ما يجري في الحروب إنما هو أعمال وحركات تقوم بها الجيوش المتحاربة.
وعلى هذا فإن مشروعية المحاكم الميدانية مستمدة من سرعة الحسم في جرائم ترتكب أثناء الحروب وهي مما تقتضيها حالة الحرب نفسها، فلو أخل عسكري بواجباته أو فر من الخدمة أو تخابر مع العدو، إذاً لوجب أن يحاكم محاكمة سريعة حفاظاً على معنويات الجيش وهيبته أثناء الحرب ومنعاً للتخاذل باعتبار أن المحاكمات العادية تستغرق وقتاً طويلاً في حين أن حالة الحرب تقتضي سرعة البت في الجرائم المرتكبة أثناءها.
وعلى هذا وحرصاً على أن يكون عمل المحاكم الميدانية تحت سقف المشروعية، فقد نصت الفقرة أ من المادة المار ذكرها بأن بدء العمليات الحربية وانتهاؤها يحدد بمرسوم، وبالتالي فهي محاكم نائمة تنتظر صدور المرسوم المبين آنفاً لتصبح محاكم متحركة ومستيقظة تنتظر إحالة مرتكبي جرائم أثناء المعارك إليها حتى تحاكمهم.
إذاً كيف لنا أن ننظر إلى النص الذي أضيف إلى الفقرة ب بموجب المرسوم التشريعي رقم 32 لعام 1980 والذي اعتبر الاضطرابات الداخلية من اختصاص المحاكم الميدانية بغض النظر عن صحة هذا المرسوم وانسجامه مع الدستور من عدمها، فإن هذه المحاكم لا يجوز لها أن تحاكم المدنيين لسببين:
أ‌- لأنها أصلاً محدثة لمحاكمة العسكريين وبالتالي فلو فرضنا جدلاً صحة صلاحياتها لمحاكمة العسكريين أثناء الاضطرابات لكان من الواجب إصدار مرسوم لتحديد بدء العمليات الحربية أو بدء تفعيل المحكمة وإيقاظها من سباتها.
2- في كل الأحوال فإن إضافة نص يشمل صلاحياتها للعمل أثناء الاضطرابات الداخلية لا يعني بالضرورة محاكمة المدنيين إذ أن مطلع المرسوم 109 واضح بأن اختصاصها هو النظر في الجرائم الداخلة في اختصاص المحاكم العسكرية، وبالتالي فلا يشمل المدنيين.
ولم نجد أي نص في ثنايا المرسومين المار ذكرهما يبيح محاكمة المدنيين، الذين ما كان يجوز للمحاكم الميدانية التصدي لمحاكمتهم.
وعلى هذا فإن الملاحظ على المرسوم “32” الذي أضاف إلى نص الفقرة ب من المادة الثانية عبارة (عند حدوث اضطرابات داخلية) أن هذا التعديل المضاف:
أ‌- لم يغير من طبيعة اختصاص المحاكم الميدانية والذي هو لمحاكمة العسكريين وفق قانون العقوبات العسكري.
ب‌- إن المحاكم الميدانية لا يمكن أن يبدأ عملها إلا بعد صدور مرسوم يعلن أن البلاد في حالة اضطرا بات داخلية تماماً كما يعلن عن حالة الحرب.
إلا أن مرسوماً كهذا لم يصدر وبدأت المحاكم الميدانية عملها دون سند من القانون، كما تحرك وزير الدفاع السابق آنئذٍ بإحالة ملفات المعتقلين بالجملة إلى المحاكم الميدانية لبدء تصفية جماعية دون وازع من قانون أو ضمير.
والأغرب من كل ذلك أن هذه المحاكم لا تزال تعمل إلى يومنا هذا وتحاكم حتى أناساً ارتكبوا جرائم عادية لا تدخل في اختصاص القضاء العسكري.
في تشكيل المحكمة:
برغم أن المرسوم التشريعي رقم 109 الذي أحدث المحاكم الميدانية قد صدر بداية العهد الاستبدادي عام 1968 فإنه جعل المحكمة من محاكم الجماعة بمعنى أنها ليست مشكلة من قاض واحد وإنما من رئيس وعضوين وتمثل فيها النيابة العامة.
إلا أن الواقع العملي كثيراً ما يمثل المتهم أمام قاض واحد وليس ثلاثة قضاة، كذلك لا تجري المحكمة محاكمة بالمعنى المعروف وما تستغرقه أية قضية من زمن لا يتجاوز الخمس دقائق ولا يجر تبليغ المحكوم عليه بالحكم الذي يصدر بحقه.
في النيابة العامة: فقد بينت المادة الرابعة بفقرتيها أن النائب العام أمام هذه المحكمة يتمتع بصلاحيات واسعة وقراراته قطعية، وبالتالي فإن هذه الصلاحيات أهدرت حقوق المواطنين المدنين الذين أحيلوا إليها فعلاً ومن حقهم في الدفاع أمامه ومراجعة طرق الطعن بقرارات النائب العام.
في هذا النص جمعت وظيفة قاضي التحقيق المنصوص عنها في المادة 23 وما بعدها من قانون أصول المحاكمات العسكري مع وظيفة النائب العام وذلك خلافاً لقانون الأصول.
وباعتبار أن حكم المحكمة الميدانية قطعياً مما يفوت على من يحاكم أمامها فرصة الطعن بالأحكام والقرارات التابعة لها مما يخل بعدالة القضاء،ويفسح المجال واسعاً لإرتكاب الأخطاء القانونية.
نفاذ أحكام المحكمة:
نصت المادتان “7و8” على أن الأحكام لا تنفذ إلا بعد التصديق عليها من رئيس الدولة إذا كانت أحكام إعدام ومن وزير الدفاع لما دون ذلك من عقوبات، ومع ذلك كانت أحكام الإعدام لا تعرض على الرئيس وإنما يتم تصديقها من وزير الدفاع الذي كان يصادق عليها رأساً ثم تنفذ.
كما أعطت الفقرة ب من المادة “8” لرئيس الدولة ووزير الدفاع صلاحيات تخفيف العقوبة أو استبدالها بأخرى أو بإلغائها كلها.
وهذا يشي بأن الأحكام التي تصدر عن هذه النوع من المحاكم إنما هي أحكام سياسية وليست قضائية أو قانونية وهي قريبة المثال مع أحكام محكمة أمن الدولة.
وقد صرح وزير الدفاع السابق العماد مصطفى طلاس لمجلة (دير شبيكل) الألمانية عدد شباط 2005 بأنه كان يوقع على أحكام إعدام مائة وخمسين سجين أسبوعياً وهو ما يجعله مسؤولاً شخصياُ عن هذه الإعدامات.
مما تقدم يتضح:
أولاً: إن صلاحيات المحاكم الميدانية محصورة بمحاكمة العسكريين وامتدادها لمحاكم المدنيين غير صحيح ويجعل الأحكام الصادرة عنها معدومة.
ثانياً: إن في استمرار عمل هذا النوع من المحاكم يرتب مسؤولية كاملة على الجهات التي تحيل إليها الأشخاص لمحاكمتهم، كما تجعل القضاة الذين يمارسون محاكمات من هذا القبيل مسؤولين عن الأحكام التي يصدرونها.
استناداً لما تقدم من نصوص المادة 16 من المرسوم 14 والقانون 49 وقانون أحداث محاكم الميدانية العسكرية جرت تصفيات جماعية وإعدامات بالجملة كما قتل تحت التعذيب سواء في أجهزة الأمن أو في سجني تدمر والمزه أعداد كبيرة من المعتقلين وكانت أكبر مجزرة تلك التي ارتكبت بأمر من رفعت الأسد نائب رئيس الجمهورية السابق في عام 198. وذهب ضحيتها /913/ سجيناً قتلو رمياً بالرصاص ضمن غرفهم في سجن تدمر وسائر معلوماتها موجودة لدى وزير الدفاع السابق العماد أول مصطفى طلاس.
ولما كان من الواضح أن:
أ‌- مجلس الشعب السوري، وخاصة اللجنة الدستورية والقانونية، والذي أصدر القانون 49 لعام 1980 دون أن يتوفر إمكانية عرض هذا القانون على المحكمة الدستورية، يعتبر مسؤولاً عن التصفيات الجماعية التي جرت استناداً لهذا القانون الذي يمكن تسميته بحق – شرعنة الجريمة- سواء لجهة القتل تحت التعذيب أم لجهة القتل باسم أحكام الإعدام بالجملة التي صدرت عن المحاكم الميدانية.
ولقد أقر العماد أول مصطفى طلاس بأنه كان يوقع أسبوعياً على أحكام بإعدام / 150/ سجين في دمشق وحدها ويمكن الرجوع للمقابلة في مجلة دير شبيغل الألمانية لشهر شباط 2005.
ب‌- إن من أصدر المرسوم التشريعي رقم 16 لعام 1968 وهما الراحل نور الدين الأتاسي ويوسف زعين الذي يعيش في المنفى مسؤولان عن جرائم القتل تحت التعذيب التي جرت بحق المعتقلين منذ صدور هذا المرسوم وحتى الآن، فضلاً عن مسؤولية جميع أجهزة الأمن سواء العسكري منها أم أمن الدولة أم الأمن السياسي، ذلك أن هذا المرسوم أعطى تغطية وشرعنة للجريمة.
ت‌- إن قضاة المحاكم الميدانية العسكرية الذين أصدروا أحكاماً بالإعدام بالجملة، لمن أحيل إلى هذه المحاكم فيما سمي بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين، مسؤولون عن الجرائم التي ارتكبوها، ويجب أن يساءلوا بتهمة القتل والجرائم ضد الإنسانية، ولا يعتد هنا بالجهل بالقانون، وكان على قضاة هذه المحاكم رفض تطبيق القانون (49) كما رفض محاكمة المدنيين أمامهم بالتهم السياسية لأنها تخرج عن اختصاصهم كما بينت في الدراسة آنفة الذكر.
وأخيراً فإن في استمرار غض النظر عن الجرائم التي ارتكبت منذ أواخر السبعينيات وحتى الآن ما يعطي الفرصة للاستمرار في ارتكاب الجرائم والإفلات من العقاب.
إنما ما أوردته أعلاه يظهر لنا مدى فداحة ما تم باسم التشريع ولذا فإن السلطات المعنية في سوريا مطالبة باتخاذ التدابير الآتية لئلا تكون عرضة للمساءلة مستقبلاً:
1- ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم التي تعتبر جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
2- إلغاء القوانين والمراسيم التشريعية التي مهدت لذلك والتي كانت محل مناقشة أنفاً.
3- تشكيل لجان للتحقيق في الأحداث التي تمت في السابق وتحديد المسؤولية والتعويض عن المتضررين من التجاوزات القانونية، (أسوة بالمغرب).
4- إلغاء القضاء الاستثنائي برمته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى