صفحات من مدونات سورية

الفساد ….. ثقافة محدثة و نمط حياة

تطرق عبد السلام ( مدونة أعواد ثقاب ) في تدوينته الأخيرة لأحد أهم علل  العصر  و أكثرها ضراوة و شر , ألا و هو الفساد  الفساد و منطق الإحتشاد… الحقيقة أتفق و إياه على معظم ماورد فيها … و ما هذه الكتابة إلا نظرة من زاوية مختلفة لذات الشيء . و لا تختلف من حيث الجوهر عما  أشعلته أعواد الثقاب  .
***********************
الفساد المعاصر … و أقصد الفساد الإداري و إستغلال المنصب و الرشوة  بات أقرب منه للثقافة , من إعتباره ممارسة نادرة شاذة تحدث هنا و هناك و بين الفينة و الأخرى , إذ أصبح نمط حياة و أسلوب عمل له أسسه و نظامه و أهدافه .
أما كلمة (( فساد )) فإن وقعت على مسامعي .. يذهب ذهني بإتجاه الأعشاب الضارة – تشبيهاً … فالعشبة الضارة لا تختلف عن قرينتها النافعة من حيث النوع و الشكل و نمط الحياة … الخلاف يعود لدرجة نفعها للإنسان … فعدا كونها غير ذات فائدة للإنسان و أقصد الضار منها , هي كذلك تستولي على ما هو مخصص للعشبة النافعة من غذاء و ماء .. فتسلبها إياه …
و كذا الفاسد من البشر … هو أيضاً من جنس البشر و لا يختلف عنهم من حيث الشكل و المظهر و بقية الصفات الجسدية , إلا أنه و كما الضّـار من العشب يستولي على ما هو ليس له بحق ؟؟؟؟
حتى يقوم الفساد .. لا بد له من عوامل كما النبات الضّـار : تربة , ماء , سماد … أما تربة الفساد فهي الحالة الإقتصادية – المعيشية العامة , و ماء الفساد قوانين و ثغرات قوانين و تشريعات ضبابية ينسل منها الفاسد و المفسد دون ملاحظته من قبل المــّشرع …. أما سماده فهو أشخاص نافذين يقومون بتغطية صديقهم الفاسد أو دعم الجديد , فالفاسد أخو الفاسد , و منه كان صندوق التفاح السليم يكتفي بتفاحة واحدة فاسدة ليعم و يشمل محتوى الصندوق بأكمله ..
هم في النهاية شبكة متعاضدة … لا تقوم إلاّ بترابطهم و دعم بعضهم البعض , لكنها سرعان ما تـنهار بمجرد تغييب أحد عناصر  كينونتها , كالجهة الداعمة مثلاً , أو صرامة القانون و جـّدية الساهر على تنفيذه , و الحالة المعيشية المريحة نسبياً للمواطن .
المدير الفاسد لا يرغب بأن يكون بجواره أي من موظف نزيهاً , لأنه سيشكل خطراً عليه , فنراه يسعى لتقريب من هو على شاكلته أو  تصنيع  فاسد مثله  , مستغلاً ظروفه  و وضعه الحياتي الصعب  ليكون سنداً له  و درءاً  في حال الإنكشاف تحت وطئ المراقبة و القانون . كما سيسعى لإبعاد الموظف الشريف عن دربه و مرمى نظره , و هكذا دواليك حتى تتحول دائرة ما أو مؤسسة لكيان فساد كامل .
ما يلفت النظر في الآونة الأخيرة غيابٌ لرهبة و سلطة القانون و العقوبة في آن معاً  و إنعدام التأثير الردعي لها على ممارس الفساد و الذي لم يُقبض عليه بعد  متسربلاً بالفساد أو الرشوة و غيرها . فنراه – أي الفاسد الطليق , يصف الفاسد – الواقع بشــّر أعماله , بالغير متـنبه و المهمل و المتهور و يلومه لعدم فطنته في حماية فساده و التفريط بنعيمه الخادع .
أما الحديث عن الأخلاق و العفة  فقد أصبح نوعاً من التهكم الإستهجان و فرصة للضحك و السخرية من قائلها .. أو المتحدث بها .
سمعنا في السنين الأخيرة و على دفعات كيف تم تـنحية عددٌ ليس بالقليل من موظفين – يتبعون منظومة الجمارك عندنا … إلاّ أنه و رغم توالي العقوبات الرادعة و المستمرة حتى الآن .. لازالت هناك فئة غير آبهة بهذه العواقب بدليل توالي مسلسل التنحية و الإقصاء الوظيفي .. و ربما بقراءة لي بأن الموظف قد وضع مسبقاً نصب عينيه … الإقصاء الوظيفي في أي لحظة , و حتماً أعـّد نفسه معنوياً و ( مادياّ ) لهذه المرحلة إعداداً جيد … و ربما جيد جداً (( يناله ولد الولد )) . فالوظيفة أصبحت مرحلة مؤقتة تسبق حياة فساد – طويلة فارهة ! .
منه نرى و من وجهة نظري أن للمشكلة بعدين على الأقل : أخلاقي و قانوني
أما الأخلاقي فأنه يندرج تحت تصنيف الصعب الطويل من العلاج .. كونها تبدأ من سن الطفولة و الأم , و المعلم , و المدرسة , و الشارع . و تنهتي بتخرجه من الجامعة و دخوله معترك الحياة العملية .. فهي نظام الحياة بأكملها .
بالإضافة للمستوى المعيشي الحالي و هو سبب مباشر و يحتل المركز الأول في نشوء و إزدياد هذه الظاهرة المقيتة , كما هو البيئة الخصبة و منبع  الفساد المتنامي في مجتمعنا و غيره من مجتمعات العالم .. القاصي منها و الداني .
لم آتي بجديد و لم أخترع مقولة (( خلف كل مشكلة إقتصادية .. مشكلة أخلاقية )) هذا إذا لم تكن باقة من مشاكل عدة قد لا يكون الفساد أشدها ضررا .
أما العلاج فيجب ان يكون متكاملاً و شاملاً بحيث يغطي كافة الثغرات التي يمكن ان يتسلل منها الفساد و أهمها :
1 – رفع السوية المعيشية للمواطن بشكل عام و الموظف العامل عند الدولة بشكل أكثر خصوصية .. كما يجب أن يكون الراتب الشهري متناسب مع الإختصاص المهني و المنصب الوظيفي .. و القِدمْ . فقانون العاملين الموحد – لا يفي بهذا الغرض رغم تقسيماته الفئوية الشهيرة … إذ يبقى راتب الطبيب – العامل عند الدولة , يساوي عمل يوم واحد لكثير من أطباء القطاع الخاص …. و أقصد المردود المادي .
و يبقى متوسط الدخل السنوي للقاضي النزيه – أقل بكثير من دخل المحامي خلال ذات العام ..
كذلك المعلم .. و التي هي من أصعب المهن و أكثرهن مسؤولية .. فالحديث هنا عن تربية جيل بأكمله … نرى راتبه الشهري .. كما الأطباء أقل من دخل يومي لمعلم يمارس – التدريس الخصوصي .. و قس على ذلك مختلف المهن و الحِرف …
يجب أن يكون هناك توزيع عادل للرواتب و الأجور لكافة شرائح المجتمع و بذلك نكون قد قطعنا شوطاً كبيراً في سعينا لتجفيف منابع الفساد .
2 – تفعيل دور الصحافة الداخلية الحرة الواعية و النزيهة و المسؤولة , لمراقبة و متابعة شؤون الوطن و المواطن و الإشارة لمكمن الخطر قبل وقوعه . فالقلم الصحفي هو عدو الفساد و المفسد الأول . على  أن تكون لهم جهة مرجعية حقيقية و ليست شكلية , تسهر على حمايتهم و الشد على أيدهم عند الضغوطات التي قد تمارس عليهم  من هذه الجهة او تلك . فعلى عاتقهم الحمل الأكبر في عملية الكشف و القضاء على الفساد .
3 – المراجعة القانونية لقانون العقوبات فيما يتعلق بالفساد و فروعه .. فواضحٌ للعيان الـ لا مبالاة للكثير من الموظفين لهذا الأمر .. إذ يكتفي القانون الحالي بصرفهم و بعض العقوبات المادية ( و الذي يعرفها مسبقاً الفاسد فقام بمناورة وقائية لتلافيها ) و الحجز على الأموال المنقولة و غير المنقولة و أيضاً لن يجد منفّذ القانون من جملها سوى  الأذن  …
4 – الإتفاق الإعلامي على المستوى الإقليمي ( على الأقل ) لكبح ظاهرة المرئيات التي تشجع العنف و الفساد و الإنحراف .. إذ لا يكفي أن تقوم دولة ما لوحدها , بمنع عرض عمل ما , لا يناسب مجتمعها .. لأننا سنجده معروضاً على قنوات تتجاوز أصابع اليد الواحدة بكثير و بنفس اليوم . و هذا نتيجة للتكنولوجيا الإعلامية التي وصلت كل بيت و أسرة …  و جشع القائمين على تلك الألة الإعلامية الجبارة و التي لا يهمهم لا فساد و لا تخريب عقول ….
فضرورة التكامل الإقليمي شرطاً أساسياً من شروط مكافحة الكثير من الظواهر و منها الفساد موضوع حديثنا و أخص الدول التي تملك الأقمار الصناعية و المشرفة على عملها من حيث منح الرخص للقنوات و مراقبة محتوى بثها و إرسالها  .
5 – مراجعة أسس التربية و التعليم من حيث المقررات و أسلوب التعليم . ففي السنين الأخيرة كلنا لمس مدى تردي الوضع التدريسي و التعليمي , و لاحقاً الأخلاقي لأطفالنا  الذين هم أساس مجتمعنا القادم .. و هذا شرطاً أساسياً كعامل وقائي لما قبل وقوع مرض الفساد و أخواته  .
6 – تطوير التعليم العالي , و نظم الإمتحان بشكل خاص , بحيث لا يكون وسيلة إبتزاز و ترهيب للطالب , فيبدأ حياته محبطاً مجروحاً في أمله و مستقبله .
إختيار الكادر التعليم الأكاديمي  بعناية فائقة مبنية على أسس أكاديمية و أخلاقية عالية , و معروفة  بالسمعة الحسنة و نظافة الكف … فهم بالنهاية قدوة طلابهم و مثلهم الأعلى في الحياة الوظيفية و المسلكية .
هذه بعض النقاط … التي أعتقد و قد أكون مخطئ , بوجوب الإستناد إليها في رحلة  مكافحة الفساد
http://walidsham.wordpress.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى