صفحات سوريةفلورنس غزلان

الإصلاح وقنبلة الفساد

null
فلورنس غزلان
ــ لماذا تتمركز كل بؤر الانفجار بشتى ألوانها السياسية والاجتماعية والاقتصادية في منطقتنا العربية بالاضافة لدول اسلامية أخرى تشبهنا إلى حد ما؟
ـــ ماهي أسباب تردي أوضاعنا بشكل أسوأ مما كانت عليه؟ وتزداد انحدارا في الوقت الذي يتطور به العالم وينمو ويحاول أن يقوى على ضعفه ويتخطى أزماته بكثير من الحكمة وكثير من الخطط والدراسات إلى جانب الأفعال والأشغال دون أن  تتوقف عجلة من عجلات الحياة، إلا نحن…..فعجلات حياتنا تئن  وتعترضها المطبات وتتقاذفها رياح السياسة الفاشلة، والضحية التي تدفع الثمن هي الإنسان المواطن ، الذي فرضت عليه ظروفه وأقداره أن ينتمي لهذا العالم المسمى عربي. بكل تأكيد هذا المواطن رغم مايتعرض إليه من تنكيل وقمع متواصلين ومن حرب مستمرة لتحصيل حاجاته الضرورية للعيش والبقاء، لكنه مسؤول بشكل أو بآخر ومسؤوليته تتحدد من خلال موقعه وتأثيره ، من خلال عمله مهما كان بسيطاً ومواطنته وشعوره العام بالانتماء للوطن الذي يعيش تحت سقفه، لكن المسؤولية الكبرى والأولى تقع بالتأكيد على من يقرر ويضع القوانين والبرامج الحياتية بكل أشكالها العلمية والتربوية والاجتماعية والسياسية والانمائية الاقتصادية وهذه مجتمعة تحدد نوعية وكيفية العلاقة القائمة بين أفراد المجتمع نفسه وبينه وبين الآخر في المنطقة والجوار ثم مع العالم.
لكن ما يجري على ساحة الأرض الموبوءة بأنظمة الاستبداد والتي يعم خيرها الشمولي على كافة بقاع الأرض العربية مع نسب ضئيلة تظهر وتزول هنا وهناك، يعطينا صورة قاتمة ومريضة عن الحاضر وأكثر قتامة عن المستقبل فيما لو استمرت أوضاعنا السياسية على ماهي عليه ، دون أن يدرك القائمون على سدة الحكم مدى الخطر الذي يحيق بمستقبل الأرض والسكان والحياة كما بمستقبل النظام نفسه، لأن صورته المفروضة وإن بدت لهم مستقرة وخيوطها محكمة في قبضة أيديهم لكنها لن تستمر بصورتها البشعة السائدة ولا تستطيع هذه الخيوط إلا أن تتشابك وتخضع للهوان والبتر وتخرج عن سياق التحكم عندما يريدون أن ينظموا من خلال خيوط الداخل علاقاتهم مع الخارج.
باعتقادي أننا وبمجرد جردة حساب صغيرة لأوضاعنا الداخلية التي تقترب من شفير الهاوية وتواجه مخاطر أقل مايقال فيها شرسة على كل الأصعدة، علماً أنه لو قسنا أي المخاطر أكثر حدة وحاجة لجهود مضنية فإنه لايمكننا تقديم واحدة على الأخرى لأن الجميع مُلح ومتشابك، فلا يمكننا فصل الاقتصادي عن السياسي الاجتماعي أو القانوني والثقافي والتربوي..، وجميعها يرتبط عضوياً بدور وفعالية واستقلالية السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية ومدى استقلاليتها وفصلها دون أن يطغى دور أحدها على الآخر.
لقد انبرت أقلام العديد من المثقفين المتنورين، وبحت أصواتهم على صفحات الإعلام متنوع الأوجه، لكن هذه الأقلام على قدرتها ومستواها وبُعد نظرها تظل عاجزة ومكبلة طالما أن أبواب وإعلام الوطن لم يفتح منافذه أمامها ولم يمنحها حقها من الوصول للمواطن المُغَيَب والمُقيَد منذ عقود في أطر وقوالب وأيديولوجيا محددة ومؤطرة تحت سقف ويافطة ما سمي ادعاءً واحتكاراً ” بالوطني” وهو الأبعد عن ممارسة هذه الصفة وحمل مسؤوليتها لأنه حصرها وصهرها لصالح فئة وجماعة احتفظت بالوطن في قارورة النظام وحفظته وعلبته في علبة الأمن وأجهزته، وكل ماخرج عن هذه العُملَة وهذا التعليب غدا مارقاً معاديا للوطن ومصالحه، مانود التنبيه له، أن الإصلاح لايقوم ولا يتم إلا بأيدي أبناء الوطن الأبعد عن إيديولوجيا محددة ومفروضة وتقيس الوطن والانتماء والمواطن على أساسها، الوطن لن يقوم إلا بتكاثف كل الجهود وكل الانتماءات وكل الأعراق والمذاهب وكل مدارس العلم ومعاهد التكنولوجيا والحداثة ،فهل يمكن أن تُفتح وتُشرع أبواب الوطن للقاء مع الآخر، لكنها تغلق أمام المواطن؟! هذا لن يبني ولن يخرجنا من أزمات تتصاعد وتنمو بشكل سرطاني ينذر بأخطار ويتراكم بشكل يجعل من هذا التراكم قنابل موقوتة لانعرف متى ولا أين ولا كيف ستنفجر.
لن أدخل بالكثير من التفصيل ، سأعطي أمثلة حية من الواقع السوري الذي أعرفه أكثر من غيره من المناطق العربية رغم التشابه والتماثل الكبير، فالفساد المرضي في إدارة الدولة ومؤسساتها الخاصة والعامة، والذي يودي باقتصاد البلد إلى الجحيم، لايمكن أن يصلح حاله،  طالما أن الأيدي الفاسدة نفسها هي من يكون الخصم والحكم، يجب أن يعاد بناء التكريبة الإدارية بشكل جذري وتعاد صياغة قوانين لا تعاقب وتحاسب فقط ، بل تُغير ماهو قائم من فساد قانوني بأيدي قضائية نزيهة تضع القوانين المنصفة للمظلوم والمحروم والمُعاقبة دون تمييز لابن الوزيروالمسؤول والأمير والفقير، وهذا يحتاج للجنة مستقلة تؤسس وتبني وتغير ما هو سائد وتقوض ماهو فاسد، أي يحتاج لخطوات يمكننا ان نسميها ثورية، لكن السؤال الأهم:ــ
من سيقوم بها ويطرحها؟
من يملك الجرأة على المواجهة ووضع الأمور في نصابها؟ ثم كيف يمكن للقوانين أن تأتي بالإنصاف ، طالما أن القضاء في بلدنا اعتبر حسب تقرير أعدته العام الماضي جريدة الثورة الرسمية أنه الأكثر فساداً بين كافة دوائر الدولة وبنسبة خارقة 90%؟!!
لكننا نلحق ركب ما يصدر عن المسؤولين الكبار في أنهم يولون الإصلاح الإداري والاقتصادي أهميتهم الأولى وأجلوا الإصلاح السياسي في الأعوام السابقة نتيجة التكالب والتآمر والحصار على سورية!!وهاهم يعودون لنغمة أخرى  تسمى صيغة المستقبل الواعد باستعمال حرف ( السسين ) الملعونة بسوف المستقبلية!،  والتي ستأتي بالسمن والعسل الديمقراطي !، وباعتبارنا من أبناء سورية التي اعتاد فيها المواطن على إدارة الظهر لكل مايُخطب ويَعد به أهل النظام والشك بصحته ومصداقيته دون ان ينطق، لكنه يهز كتفيه ضاحكاً ويردد عبارة أهل الشام المعروفة: ( كله حكي …حط بالخرج)…نعم سنحط بالخرج كل مالدينا من ذخيرة نداءات وصراخ وعويل وكتابات لن تتوقف إلى أن نغير بهذا البلد وننقله لطريق الحلم.
لكن كيف لايصاب المرء بالإحباط ويستخدم الصمت واللامبالاة وإدارة الظهر مع عدم التصديق وانعدام الثقة في كل مايخطط ويدرس ويقال وكل مايصدر من فرامانات…طالما أن الدكتور عبدالله الدردري رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وبقدره وعظمة لسانه …لاندري هل كانت زلة لسان منه أم كفر وإلحاد بالنظام وشك بأن كل الإدارات تتبع لِ”   …” وعبارة عن صورة لاتملك سلطة القرار!…نعم قالها في ندوة من ندوات الثلاثاء الاقتصادية وهو يتحدث عن المشاريع والخطط المستقبلية..وبنفس الوقت يشك ويستريب!!…لكن الحقيقة كانت قد سبقت وخرجت قائلة: ( لانملك حتى حرية الحوار)!!!!
فإذا كان الدكتور الدردري لايملك حرية الحوار ، فمن منا يملك حرية القول والقرار؟ وإلى من نتوجه بأسئلة تموت في مكانها؟ ومن سيصلح الخراب الحاصل ، ومن يحمي المواطن والوطن من الموت القادم؟
هذه الأصوات المعارضة لمثقف من هنا وآخر من هناك …لا من أجل التعارض مع النظام ، بل من أجل سورية ومواطنها، لأن سورية ليست للنظام وحده ولا يستطيع احتكارها ووضعها في جيبه يقتلها ويُجوعها وينهبها متى شاء ويتركها نهباً لكل الأمراض الاجتماعية والسياسية وتربة لكل ماهو شاذ وغريب وناشز، ويطلق كل أنواع الكلاب المتربية على موائد اللئام وعلى سرقة المال العام تنهش ما تبقى في جيوب فقراء الوطن، ثم تحرمهم من أبسط حقوقهم في نسمة هواء ونافذة للصراخ وبابا للخروج من بلاد صارت بمثابة سجن كبير، ولم تكتف بهذا وإنما تغلق العيون أمام حلول وأيدي تمتد لتبني وتصنع وطناً للجميع وبكل الألوان…
هل لنا بعد أن نثق ببعض أصوات مهما كانت واهنة لكنها على الأقل لم تدخل مصيدة السلب؟
وعلى الأقل تعترف وتنبه أن من لديه اقتراح للاصلاح ألا يخطيء الطريق أو أن يقرع الباب الصحيح، لأن باب الوزارة مخلَّع…على رأي المثل الشعبي” باب النجار مخلع”هذا مايفهم من كلام الدكتور الدردري…وأعتقد أن من لديه خطة إصلاحية أن يرسلها أولا لإحدى دوائر الأمن قبل أن يرسلها للوزارة المقصودة وهي ربما ستجرؤ وتقوم بالموافقة على الملاحظات التي ارتآها الجهاز المقصود!

ودوري يادوارة…وهات يا إصلاح!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى