خولة غازيصفحات سورية

هذا ما جناه علينا البعث ؟

null
خولة غازي
امة عربية واحدة .. ذات رسالة خالدة .. هذا الشعار الطويل العريض الذي دخلنا من بوابته العريضة الحياة اليومية لنمشي ببركة حزب البعث ومنطلقاته النظرية الى حيث المنتهى عرين العروبة المدينة الفاضلة لعفلق والارسوزي.
ومهما ملكنا من قدرة على التوصيف الا انه لا يمكن لأحد أن يشعر بحركة 18 مليون ( بالزائذ او بالناقص ) .. يسبحون لعقود وكأنهم خارج الزمن في فلك هيكيلية جاهزة تم تركيبها وتلبيسها للمجتمع فما كان على افراده الا ان يتدبروا امورهم إما بقطع الارجل او الرأس حتى يمدوا ارجلهم على مقدار حجم بساط البعث العربي الاشتراكي الموحد .
لم يكن المجتمع السوري فيما قبل البعث يعاني من حالة الفراغ الفكري بل كان مجتمعا متحركاً منتجاً ومؤثراً فيمن حوله ، وقد يكون هذا الكلام ليس دقيقاً ولكن قياساً بما آلت اليه الاحوال بعد استلام حزب البعث ، يبدو الامر منطقياً ، كمقارنة
اما الاحزاب الاخرى فقد تم فتح باب اعتماد لها عبر الجبهة الوطنية ، ومن ثم دخلت سراً وعلانية في لعبة المال والسلطة ، ولم تكن تأبه لعدد كوادرها على اعتبار ان كل سوري مولود فيما بعد استلام البعث هو بعثي حكماً ،ماراً بحالات نمو عبر تراتبية جينية المرحلة الاولى طلائع البعث و من ثم شبيبة الثورة و ليس اخراً الاتحاد الوطني لطلبة سوريا ، وهذه المراحل العمرية للنمو مترافقة مع اناشيد وحصص ونشاطات مناسبة لكل مرحلة ، ومن لم يكن بعثياً كان مشكوك الانتماء الوطني على اعتبار ان الحزب القائد وفر كافة متطلبات الحياة لهذا العاق ، مما ادى الى انتشار كتابة التقارير بين الصفوف الكادحة المتراصة ، و تم التعامل بعنف مع الحركات الفكرية المناوئة لعقيدة الحزب ، ونتج عن ذلك حالة انكماش فكرية حركية للمجتمع ، مما انتج فرداً متقوقعاً غير مبادر ولا مبالي وخائف ، ومن سلم من هذه الندبات النفسية تولته اساليب اخرى للتدجين اكثر فاعلية ، عبر اعتماد البعث الحاكم على الاجهزة الامنية التي ساعدت في بسط سيطرته ، عبر وسائل الترهيب التي مورست ومازالت ، في ظل غياب شبه كامل لحركة المجتمع الذي اقتصر نشاطه المدني على الاتحاد النسائي واتحاد العمال و اتحاد الفلاحين ، والحرفيين والاطباء والمهندسين الخ.
، اما بالنسبة للقطاع العام فقد كان الثور الذي تم نهشه بدون رحمة ، فكان نبعاً لاينضب فملئت البطون واصيبت بالتخمة ، ولم تفلح اية حكومة ولا اية خطة في ضبط الهدر في القطاع العام ، وعلى الرغم من لجنة تشكلت في اوائل الثمانينات للسؤال من اين لك هذا ؟ ولاحقاً حملة محاربة الفساد ، الا انها لم تنفع في ردع حالة الفجع بل زاد عدد المستفيدين ، ناهيك عن التساهل في المحاسبة نظراً لوجود سلسلة من الفاسدين تبدأ بموظف صغير ـ والذي غالباً ما تتم التضحية به في محراب مكافحة الفساد ـ الى موظفين نافذين .
اما المطالب الشعبية فتمرر عبر الفرق الحزبية ، فالحزبي يطلب تعبيد الطريق ، او نقل مدرس من محافظة الى اخرى ،او فتح مدرسة ولا يخرج من اجتماعه الا و هو داليا بدلوه في الاحداث السياسية العربية والعالمية ،اما رص الصفوف فكان يشتد ومازال في المظاهرات الشعبية ( العفوية ) التي تخرج للفرح او للحزن او للتنديد بنفس الحماسة .
هذا ما جناه علينا البعث العربي الاشتراكي لعقود ، فلم تتحقق وحدة الوطن العربي وضاعت الرسالة الخالدة واستقرت تحت الماء ، ولم تتحقق نبوءة الحرية ولا الاشتراكية التي سقطت في بحر من العسل .

قد تكون الامور تغيرت قليلاً في السنوات العشر الماضية ، بفعل نقد مرحلة حكم البعث السابقة ، و بضغط من راس المال الذي تكدس لسنوات في الظل ، الذي لم تعد تناسبه لا المنطلقات ولا النظريات .
فانتعشت الحركة الاقتصادية في سوريا بعد تبني حزب البعث مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي الذي أذن لحيتان المال في التحرك ، والنشاط على ارض بكر ، في مقابل ذلك ازدادت معدلات الفقر والبطالة والجريمة مع ثبات الاجور في القطاع العام ونزوح مهين لسكان الجزيرة السورية الذين فقدوا اراضيهم الزراعية في ظل السياسة الرشيدة لتوزيع المياه .

كل هذا يحدث … ومازال حزب البعث يخط يومياً متحدياً حتى روح مؤسسيه وماداً لسانه لنا :
امة عربية واحدة .. ذات رسالة خالدة
ـ انفورمرسيريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى