صفحات سوريةما يحدث في لبنانوهيب أيوب

” ودَقَ العَيْرُ إلى الماء “

null
وهيب أيوب
ماذا لو اغتيل وليد جنبلاط، أو مات لأي سببٍ من الأسباب قبل أن يقوم “بتكويعته” الأخيرة؟ كان بالتأكيد سيُرفع إلى مصاف الأبطال الخوارق، وربما كانت شُيّدَت له التماثيل في عدّة أمكِنة، ولدخل سجل المناضلين الخالدين من أجل الحرية والاستقلال، ولكان شابه أباه وما ظلم. ولعل هذا ما راود جنبلاط في لحظة مُعيّنة، بأنه لو أُتيحت الظروف الدولية والإقليمية والسورية الداخلية بإسقاط نظام الحكم في سوريا حينها، وما كان ليقتنع أحد بعدها أن هذا الرجل لم يكن سوى أسطورة أنجبها كمال جنبلاط، لو حدث ذلك وأظنه هذا ما كان يدور في خُلد جنبلاط وحساباته، لكانت ضربة مُعلِّم تفوّق فيها على كل مُدرّسي السياسة ومُجترحي المعجزات في هذا الشرق الذبيح، ولكانت من ضمنها أيضاً تفريغ شهوة الانتقام والأخذ بالثأر لمقتل والده، وتلك الشهوة عند العرب على مُختلف طوائفهم لا تُضاهيها إلا شهوة الجنس وحب السلطة والتسلّط. لكن ألـ لو والتنجيم في التاريخ والأحداث لا قيمة ولا جدوى منها فـ:
العلم في شُهبِ الأرماح لامعةٌ      بين الخُمسين لا في السبعةِ الشُهبِ

والزمن يا وليد بيك يُمهِل ولا يُهمِل….
كل شيء بات رديئاً ومُنحطاً في هذا العالم العربي، خاصة في السياسة فمعظمهم مثل القرود يقفزون من غصنٍ إلى غصن ومن شجرة إلى شجرة دون أن يرف لهم طرف.
بالتأكيد أن جنبلاط ما سامح وما نسى، ويفهم الأسد ذلك، وبدوره لن يسامح ولن ينسى، لكن ذلك غير ذات أهمية فقد “ودَقَ البعير إلى الماء” وهذا المهم.
لقد تغيّر العالم كلّه من حول العرب من الشرق للغرب لأميركا اللاتينية، وجرت ثورات وانتفاضات وسقوط أنظمة وهياكل قديمة، إلا بلاد العُربِ ما زالت على غيّها وعنادها في السير تقهقراً إلى الخلف والانتكاس يوماً بعد يوم واستمراء الخضوع والاستعباد والشعور الدائم بالدونية والضعف والاستزلام تجاه جبروت الحكّام واستبدادهم.

الحقيقة، أن العرب وغالبية نُخبهم على مُختلف أشكالهم وألوانهم، مُثقفين ومفكرين وفنانين وحركات سياسية، ليسوا في مستوى الحرية، ولا في مستوى تحقيقها، فيكفي أحياناً أحدهم أن يربت ضابط من النظام على كتفه، أو يعطونه مساحة يتحدّث فيها على فضائيتهم، أو يُنعم الرئيس في عطاياه من خلال تكريمهم، ليخروا ساجدين طائعين. مُعظم النُخب العربية مأجورة ومخصيّة ومرتهنة للأنظمة الحاكمة، فكيف للمخصي أن يُنجب أطفالاً، ومتى كان العبد القانع بعبوديته يُضرِمُ مشاعل الحريّة…؟!
إن كل ما جرى في التاريخ العربي والإسلامي منذُ اجتماع السقيفة حتى اليوم، كان صراعا على من يكون هو المُتسلّط، لا صراعاً بين الأحرار أو الساعين لها والمُتسلطين.
لقد ظنّ الكثيرون وربما كنتُ أحدهم، أن طائر الفينيق قام من تحت الرماد وانطلق في الفضاء إلى غير عودة. وتأبى الأحداث إلا أن تُنبئنا، أن لا مكان في مشرقنا هذا ومجتمعاتنا العربية للطيور والعصافير المُغرّدة، نحن فقط ممتهنون صيد العصافير وقتلها ثم أكلها. وما خُيّل إلينا أنه طائر الفينيق، لم يكن سوى غرابٍ تائه شارد من مكر الصيادين. فالذي كان تحت الرماد لا فاق ولا طار، ولكن شُبّه لهم.

موقف العديد منّا، كان وما زال، منذ ما قبل تدخّل النظام السوري ودخوله لبنان، ومنذ ما قبل أن “يُكوِّع” وليد بيك جنبلاط أو سواه وبعدها، هذا الموقف لم ولن يتغيّر من الاستبداد والاستعباد، ومن الاستئثار بالسلطة وتوريثها، سواء في النظام السوري أو في حزب وليد بيك جنبلاط وغيره، وكنا وما نزال ضد الطائفية والنظام الطائفي، وسنستمر من أجل الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية، التي يتساوى تحت سقفها الجميع كمواطنين مساهمين مشاركين على قدم المساواة، وكنا وما نزال ضد الزعامات التقليدية الطائفية والسياسية، حتى ولو كان على رأسها أفلاطون أو سقراط!
قد يهرب المحارب أحياناً من ساحة الوغى ظناً منه الفوز بالسلامة والحياة، فيصيبه سهمٌ شاردٌ من ساحة المعركة في قفاه، فيخر صريعاً مضرجاً بدماه، فلا يُحسب شهيداً ولا هو فاز بالنجاة.
فلا حرج علينا اليوم ولا ندامة  حين ناصرنا صوت الحرية والانعتاق وساندناه أملاً منّا باستكمال المسيرة حتى النهاية….. فـ “يا ديرتي مالك علينا لوم”

الجولان المحتل / مجدل شمس
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى