صفحات الناسمعتز حيسو

الإنسان أولاً

null
معتز حيسو
عانى المواطن السوري على مدار الأشهر الماضية، أشكالاً من القهر والذل والمهانة ليحصل على دعم لا يغني لا يسمن. ليتحول بناءً على الأشكال المتبعة لتوزيع الدعم إلى متسول على أبواب المراكز المخصصة .
بداية تدلل قيمة الدعم على إشكالية وأزمة حقيقية يعاني منها الاقتصاد السوري الذي لا تنعكس فيه أشكال و مستويات التنمية والنمو على مستوى معيشة المواطن، ومن جهة ثانية تدلل ظاهرة الدعم الشكلي والإشكالي بذات اللحظة على إمكانية التراجع عن البقية الباقية من سياسات الدعم الحكومي، مما يعزز تمكين سياسية الاقتصاد الحر أمام تراجع مستمر لدور الدولة على المستوى الاجتماعي.. ويؤكد ما نطرحه على ازدياد الضغط والتشديد على المواطن عموماً ، وما يطلق عليهم مستحقي الدعم تحديداً، وهذا ما يدلل عليه التعميم الأخير لوزير الإدارة المحلية الذي يزيد من حدة التضييق على شرائح اجتماعية تكاد تكون معدمة.
فإذا دققنا في التعميم الأخير نرى بأن من سيحرمون من الدعم هم الأطفال القصّر الذين توفي أبويهما ولا يملكون بطاقات عائلية، والمطلقة التي توفي أبويها وليس لها أخوة ذكور ولا تملك أيضاً بطاقة عائلية، والأرملة والذكور الذين لا يوجد لديهم بطاقة عائلية، ويطال الحرمان من الدعم من يملك حصة سهمية في سيارة أو عقار أو أرض زراعية حتى لو لم تكن تدر عليه ربحاً… . و إذا كانت هذا الشرائح والفئات الاجتماعية لا تستحق الدعم، فمن يستحقه إذاً؟؟ ونعلم كما يعلم الجميع بأن هذه الفئات وغيرها تتربع في الترتيب الاجتماعي على خط الفقر، الذي يتراوح من هم دونه حسب الإحصائيات المتباينة نتيجة لصعوبة صعوبة الوصول لأرقام دقيقة، بــين 40% و 60%. أي أن غالبية المجتمع السوري يعانون من تأمين الحد الأدنى لاستمرارهم البيولوجي، وبالاعتماد على معدل الفقر يتبين لنا التناقض الأخر الذي وقعت فيه خطة الدعم، فوفق الإحصاءات التي حددت بموجبها من يستحقون الدعم، فإن تعداد الأسر المستحقة للدعم لا يتجاوز 1،5 مليون أسرة، وحرمت 3،5 مليون أسرة من الدعم . فهل هذا هو ما تريد الوصول إليه سياسات الاقتصاد الحر. ونتساءل لماذا تم العمل على توزيع الدعم إذا كان سيحرم منه من يحتاجها؟؟؟؟
إن ما يتم العمل على تكريسه، تحديداً في هذا المجال، يفترض منا التأكيد على أن التعميم الأخير سوف يساهم في سياق السياسات الاقتصادية المتبعة إلى مزيد من الانحرافات الاجتماعية وتشرد الأطفال، وهذا يتقاطع مع إمكانية ارتفاع معدلات التسرب من المدارس، وهجر الأطفال لمدارسهم للبحث عن مصدر للعمل مهما كان وضيعاً ليحافظوا على حياتهم البائسة، فهل هي هذه الحياة التي ينتظرها أطفالنا، ألا يتناقض واقع معاناتهم اليومية مع ما نصت عليه المواد القانونية التي تكفل حقهم في التعليم واللعب وممارسة هوياتهم وتنمية مداركهم، بكونهم من سيتملك زمام المستقبل، و يتناقض أيضاً سعيهم للعمل نتيجة للحاجة على ما نص عليه القانون فيما يخص عدم تشغيل الأطفال…. أين هي إذاً سياسات تمكين الأطفال من طفولتهم.
أما فيما يخص النساء ( المطلقات والأرامل) فإن التعميم الأخير سيساهم في تعميق حدة التناقضات والانحرافات الاجتماعية أولها على المستوى الأخلاقي والقيمي، وتركهم أيضاً نهباً لقطاع خاص مشوه، يترافق توسعه وتعمقه من القطاعات الأساسية للاقتصاد مع تزايد مظاهر الفساد التي تتحول في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المركبة إلى ظاهرة اجتماعية في سياق تحولها لثقافة عامة. مما يؤكد ضرورة تحديد آليات ومعايير يمكن من خلالها توظيف فائض التنمية لتحسين مستوى المعيشة، وتوسيع الهامش الاجتماعي والرعائي للدولة، ويجب التأكيد على أهمية وضرورة دعم استقلالية المرأة و عدم التعامل معها بكونها من ملحقات الرجل، و إيجاد آليات تحقق العدالة والمساواة للمرأة المطلقة والأرملة. مع العلم بأن مظاهر الفقر لا يمكن تجاوزها بمعونات وهبات، بل من خلال وضع خطط لمكافحة البطالة وتوسيع هامش المشاركة الاجتماعية. مع العلم بأن الدعم بشكله الراهن لا يمكنّ الجهات الرسمية من تحقيق العدالة والمساواة نتيجة لعوامل متعددة أحدها يتعلق بالظروف المناخية والبيئية…إضافة إلى أن الشكل المتبع لإيصال الدعم ((لمستحقيه)) فتح الباب واسعاً لعمليات التزوير الذي وقع وضحيتها مستحقي الدعم الحقيقيين .
إن السياسات الاقتصادية التي تكرسها الجهات الرسمية، تدلل على إمكانية تخليها عن سياسات الدعم بشكل كامل في المستقبل القريب، مما يعني أنها سوف تترك المواطن عارياً ومقيداً ودون أية ضمانات أمام سياسات السوق الحرة التي تنقض كالنسر الجارح عليه، وعلى ما تبقى من مخلفات الدولة الرعائية. في وقت يحتاج فيه المواطن والمجتمع والاقتصاد … لكافة أشكال الدعم أمام أزمة اقتصادية يتطاول تأثيرها ويتعمق في سياق تحولها لأزمة اجتماعية عامة، يكمن المخرج منها بتمكين الإنسان من حاضره وسيطرته على مستقبله، وأن تكون مؤسسات الدولة الرسمية معبّرة عن كافة الفئات الاجتماعية، وأن تفتح أبواب المشاركة في كافة المستويات لكل المواطنين، وإن يعاد الاعتبار للتنمية الاجتماعية القائمة على تطوير الرأس المال البشري الذي يمثل فيه الإنسان الحر والمتحرر الأساس الأولي والمحوري، ولكونه المدخل لحماية التماسك الاجتماعي من الإنهيار. فهل السياسات الراهنة تمكنّ الإنسان من مستقبله بكونه الأساس في الخطط التنموية، أم أن الميل العام للسياسات الاقتصادية الراهنة تسرّع من وتيرة تفاقم الأزمة الاجتماعية العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى