صفحات سورية

الغارة ورد دمشق يثيران بلبلة في التوقعات

مخاوف من تأثير التدهور الأميركي – السوري على الوضع اللبناني
روزانا بومنصف
تختلف الآراء في شأن ما قد تذهب اليه الازمة الناشئة بين الولايات المتحدة وسوريا على خلفية الغارة التي قامت بها مروحيات اميركية على قرية البو كمال الواقعة على الحدود السورية – العراقية. الا ان غالبية المطلعين المتابعين يرجحون ان لملمة الامور واحتواءها للحؤول دون توسع المضاعفات، كأن تنفذ الولايات المتحدة تلويحها باحتمال اقفال السفارة في دمشق، الذي بدأ كأنه رد على التهديد بقيام تظاهرات وخطوات اضافية اعتراضاً على العمل العسكري الاميركي، اذ ان هذه الخطوة متى نفذت تترك انعكاسات سلبية جداً ستكون بعيدة المدى ولن يكون سهلاً او ممكناً ان تعاود العلاقات الديبلوماسية قريباً بين البلدين حتى لو اتت الخطوة في نهاية عهد ولاية الرئيس جورج بوش وعشية انتخابات رئاسية ستأتي برئيس اميركي جديد. ويعتقد هؤلاء ان تنظيم الحكومة السورية تظاهرات استنكار امام السفارة الاميركية او السماح بحصولها سيعيد تكرار تجربة اقفال السفارة الاميركية في بيروت في عهد حكومة العماد ميشال عون العسكرية الامر الذي رتّب تعقيدات بالغة على لبنان واللبنانيين استمرت طويلاً. وهذا الامر قد تقع فيه سوريا اذا سمحت بتطور مماثل او شجعت عليه، باعتبار ان تحركاً في الشارع لا يتم او يحصل من دون رعاية حكومية وامنية مباشرة، مما قد تنسحب نتائجه وانعكاساته حتى الى ما بعد تسلم الادارة الاميركية الجديدة، فتنتقل الخلافات والتوترات من عهد الى عهد. والارجح ان دمشق ستتدارك الموقف خشية ان تواصل صفحة قديمة من العلاقات المتوترة مع واشنطن منذ عام 2003 مع رئيس جديد مما قد يمدد طبيعة هذه العلاقة في السنوات المقبلة، في حين ان لا مصلحة لدى سوريا على الاطلاق الا في بدء صفحة جديدة مختلفة مع واشنطن والادارة الجديدة فيها بعدما عانت في الاعوام الثلاثة الماضية من تراجع هذه العلاقات، وهي سعت بكل جهدها وبوسائل عدة لاعادة العلاقات الى طبيعتها بين البلدين. كما لا يمكن الولايات المتحدة بدورها ان تفكر راهناً او تدرس امكان اعادة العلاقات الديبلوماسية مع طهران على ما اعلنت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، في حين تذهب سوريا في الاتجاه المعاكس. فأي تصعيد في المواقف والخطوات سيكون مضرا خصوصا بالنسبة الى سوريا للاعتبارات المذكورة، في حين ان ادارة بوش التي شارفت مغادرة البيت الابيض لن تتأثر على نحو مباشر، ولا عاقبة لمثل هذا العمل ومردوده عليها.
وبحسب هؤلاء قد يكون رد الفعل السوري مبالغا فيه او متسرعا بعض الشيء، بصرف النظر عن عدم صوابية العمل العسكري الاميركي وفقا لمواقع الدول وردود فعلها على ذلك ونظرتها الى طبيعة العمل العسكري والهدف منه، وذلك من حيث اقفال دمشق المركز الثقافي والمدرسة الاميركيين في دمشق. علما ان رد الفعل الاول لاقته العاصمة السورية من لندن التي كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم يزورها ابان العملية العسكرية الاميركية حيث الغي المؤتمر الصحافي المشترك بين المعلم ونظيره البريطاني، رفضا لرد فعل او لموقف لا تتقبله العاصمة البريطانية، مما يظهر تشابك الامور وتضاربها من حيث عدم امكان الحصول على موقف دولي موحد من هذا الاعتداء. ومعلوم ان المؤتمر الصحافي كان مهما لدمشق لأنه كان سيظهر عودة الحيوية علنا ورسميا الى العلاقات بين سوريا وبريطانيا، وهي علاقات كانت توترت ايضا بعد الحرب على العراق وعدم ضبط سوريا حدودها مع جارها، الى جانب امور اخرى يتعلق بعضها بلبنان، وخصوصا ان خطوة تطبيع العلاقات مع بريطانيا تلي التطبيع الذي حصل مع فرنسا وبعض الدول الاوروبية الاخرى. ويقول هؤلاء ان العمل العسكري الاميركي لا يبدو مفهوما في توقيته، باعتبار ان واشنطن لم تقم بأي عمل مماثل في عز اتهامها دمشق بالسماح للمتسللين بعبور حدودها مع العراق لمواجهة القوات الاميركية، ولا تزال البعثات الديبلوماسية وجميع المتهمين يستطلعون مغزى العمل الاميركي وصحة من استهدفه الهجوم العسكري. فاذا صح انه استهدف خلية تعمل في العراق تكون الخطوة مفهومة في رأي هؤلاء وان غير مبررة وغير مقبولة في المبدأ، ومن حيث ضرورة احترام سيادة الدول وسلطتها على اراضيها. وقد اشار نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بنفسه الى ضرورة العمل بقوة من اجل حشد دعم للموقف السوري، وهذا امر يتطلب المزيد من الوقت والجهود من دمشق.
وثمة من يخشى في المقابل من تأثير تردي العلاقات السورية – الاميركية، على خلفية هذا الحادث، على الوضع في لبنان، باعتبار ان اي توتر بين دمشق وواشنطن تكون له عادة ترجمة في لبنان بوسائل وطرق مختلفة. وربما تتجنب سوريا تصعيد التوتر في العلاقات بينها وبين دمشق على اراضيها وتعمد الى استخدام لبنان ساحة مجددا. لكن الامور لا تبدو واضحة كليا بالنسبة الى هؤلاء المطلعين في انتظار الايام المقبلة.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى