زين الشاميصفحات العالم

الصراع على العراق

زين الشامي
لا يخفى على أحد أنه ورغم نجاح العراقيين في تجربتهم الانتخابية الأخيرة، رغم ما شابها من اعتراضات ومخالفات، فإنهم ومع كل أسف مضطرون للعيش في ظل طبقة سياسية لا تليق بهم ولا تليق بالعراق وتضحياته وآلامه، وهو الدولة ذات المكانة الكبيرة والاستراتيجية في المشرق العربي.
مناسبة هذا الكلام هو السلوك السياسي لهذه الطبقة السياسية الذي عبر عن نفسه بفجاجة منذ اليوم الأول لصدور نتائج الانتخابات، وهو السلوك الذي تمثل في ارتهان السياسيين العراقيين إلى الخارج واقحام الأطراف الإقليمية في اللعبة السياسية الداخلية والصراع والتنافس على السلطة. وقد تابعنا جميعا الزيارة التي قام بها الرئيس جلال الطالباني إلى إيران في توقيت بالغ الدلالة ومتزامن مع الإعلان عن نتائج الانتخابات، وهو ما شكل صفعة للروح الوطنية العراقية نظراً لما يمثله موقع الرئاسة من قيمة معنوية عند الشعوب ترمز إلى السيادة والاستقلال والهوية الوطنية الجامعة.
صحيح أن العراق لا يزال يعاني من مخلفات النظام الاستبدادي السابق، وصحيح أنه لايزال يعيش تحت وطأة ظروف أمنية قاسية منذ إسقاط نظامه في 2003، إلا أن ذلك لا يعني تسليماً نهائياً بعجز العراق عن النهوض من جديد وتجاوز إرث النظام السابق والعقد التي خلفها عند بعض السياسيين، كذلك العمل والمساعدة على تجاوز التحديات التي تفرضها الحالة الأمنية التي شهدت تحسناً ملحوظاً خلال العامين الأخيرين رغم بعض التفجيرات هنا وهناك بين حين وآخر.
ان السياسيين العراقيين، من كتل سياسية مختلفة، الذين زاروا إيران والتقوا مع مسؤولين أمنيين وعسكريين إضافة إلى المسؤولين السياسيين بغية التنسيق والتشاور على تشكيل الحكومة المقبلة، عكسوا ارتهاناً عراقياً لإيران بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهو ما يعني أن العراق الذي شكل يوماً ما منافساً ونداً للخصم الإيراني التاريخي والذي يملك طموحات اقليمية لا تخفى، أصبح اليوم، مجرد «ساحة» ومنطقة نفوذ لطهران في قلب الوطن العربي، والجميع يعرف خطورة هذا الارتهان على أمن ومستقبل العراق كون ايران تخوض صراعاً مفتوحاً على كل الاحتمالات مع الدول الغربية بسبب ملفها النووي وطموحاتها العسكرية.
وبصريح العبارة فإن مثل هذا الارتهان من شأنه أن يحول العراق مستقبلاً إلى «ساحة كسر عظم» ما بين إيران والغرب، ويجلب معه الحرب والصراع والدم والتدهور الأمني للعراقيين وهم الذين ذاقوا الأمرّين منذ عهد الرئيس السابق صدام حسين ومع دخول القوات الأميركية 2003 واسقاطها ذلك النظام.
ان ارتهاناً كهذا من شأنه أن يثير حفيظة الولايات المتحدة التي دفعت ضريبة كبيرة من أجل العراقيين حين خلصتهم من النظام السابق، ويثير حفيظة جميع الدول الإقليمية وعلى رأسهم الدول الخليجية والسعودية في مقدمتهم، نظراً لمعرفتهم وتجربتهم مع الطموحات الإيرانية في المنطقة.
وفي موازاة السعي الإيراني لإحكام القبضة على العراق من خلال إلحاق طبقة السياسيين فيه، تسعى سورية بدورها للتدخل وقول رأيها في ما يجب أن تكون عليه الحكومة العراقية المقبلة من خلال بعض الشخصيات العراقية السياسية والعشائرية، وموقف دمشق المعارض لعودة رئيس الوزراء نوري المالكي إلى الحكم من جديد بات واضحاً بسبب الاتهامات التي وجهها لها بوقوفها وراء بعض التفجيرات التي هزت العاصمة العراقية قبل أشهر قليلة من الانتخابات، خصوصاً بعد أن ذهب المالكي بعيداً في اتهام السلطات السورية ومطالبته بلجنة تحقيق دولية ومحكمة للعراق على غرار المحكمة الخاصة للبنان، وفي هذا السياق ثمة تقارير من العاصمة دمشق أشارت إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد أبلغ نظيره الإيراني محمود احمدي نجاد في لقائهما الأخير في العاصمة السورية ضرورة البحث عن شخصية أخرى غير المالكي تتولى رئاسة الحكومة العراقية.
بدورها الولايات المتحدة، التي ستخرج صيف العام المقبل من العراق، سوف لن تقبل أن تترك كل ما انجزته، للإيرانيين ليقطفوا نتائج العملية العسكرية والسياسية التاريخية التي أنهت نظام صدام حسين، وهي ستسعى بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ لمنع الإيرانيين من استخدام العراق كورقة ضدها في أي حوارات مستقبلية على البرنامج النووي أو ملفات إقليمية أخرى.
تركيا أيضاً تريد تأثيراً أقل للمجموعات الشيعية الطائفية المرتبطة بإيران، وتريد حضوراً سياسياً للسّنة العراقيين في الحكم من شأنه أن يخفف من نفوذ إيران، ويساهم في تحقيق الاستقرار الأمني في المنطقة، كما أن تركيا تجد أن من مصلحتها قيام حكومة وطنية عراقية قوية تستطيع ضبط الحدود ومنع قيام ناشطين أكراد من استغلال تدهور الدولة وشن هجمات داخل الأراضي التركية.
وتلتقي الرغبة التركية مع رغبات الكثير من الدول العربية في الخليج، التي تنظر شذراً وقلقاً للطموحات الإيرانية في المنطقة وتخشى من البرنامج النووي الإيراني الذي من شأنه في مرحلة مقبلة أن يخل التوازن العسكري والسياسي القائم ويجعل جميع دول الخليج رهينة ومهددة من قبل طهران.
ما هو مخيب في كل هذا المشهد، أن العراق الذي كان يوماً قوة كبيرة، من النواحي الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية، ويملك موارد بشرية هائلة، نقول ان ما هو مخيب، أن كل ذلك صار في مهب الريح، وتحوّل العراق إلى دولة ضعيفة تتصارع عليها دول وقوى إقليمية ودولية.
كاتب سوري
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى